محمد فهمى: «أحلم بدراسة العلوم بالجامعة الأمريكية» ينتهى محمد فهمى من امتحانه ليغادر مدرسته مسرعًا دون زملائه الذين حرصوا على مراجعة إجاباتهم سويًا؛ فليس لديه وقت للمراجعة فملابس العمل فى انتظاره بالمنزل. يرتدى الجينز وحذاء لامعا، ففور رأيتك له تظن أنه صبى مُرفه؛ لم يعان ولا يعرف سبيلًا للشقى يومًا، خصوصًا بعد حديثك معه فابتسامته المضيئة الكاشفة عن أسنان ناصعة البياض ستؤكد لك ظنونك على الفور؛ فالعين تحكم دائمًا بما تراه وتستبعد الجزء الخفى من القصة؛ ولكن ستُهدم كل هذه الانطباعات فجأة عندما تُسرد لك القصة كاملة؛ فقد رحل والد «محمد» وهو لم يتخط أحد عشر عامًا؛ ولم يكن أمام والدته أى مصدر رزق سوى بضعة جنيهات تأتيها من بيع «الجبنة القديمة»، والتى تكفيهم للعيش بالكاد، فيقول «محمد»: «ظللت فترة أنا ووالدتى بمنزلنا، نحيا حياة طبيعية كأى اثنين، حتى زارنا صاحب الشقة؛ ليطالب بإيجار آخر شهرين؛ حينها تحول الأمر رأسًا على عقب وانكشف أمرنا أمام الجيران، كنت حينها بالصف الثالث الإعدادى، تمكنت والدتى من استدانة الشهرين من إحدى صديقاتها، ولكن لم يعد لنا مكان بهذا المنزل بإيجاره المرتفع الذى لم يعد متناسبًا مع ظروفنا المادية، فلا مفر من الانتقال لمنزل آخر». انتقل إلى بيت عمته صاحبة ال40 عامًا، فلم تكن رحلة التنقل كما كانت فى مُخيلته، يقول «محمد فهمى»: «انتقلت أنا وأمى إلى بيت عمتى الأرملة منذ أكثر من سنتين، بعدما انغلقت أمامنا جميع السبل، فتعمل عمتى كمدرسة بالروضة التى يَدرس فيها أولادها الاثنان، فلم يكن فى وسعها الإنفاق على أنا ووالدتي، فطلبت منها والدتى أن تبحث لها عن عمل بالروضة، فرغم حالتها الصحية المتدهورة لكن والدتى رفضت أن نكون عالة عليها، ساءت أحوال أمى يوما بعد يوم وسط ظروف عمل شاق كعاملة نظافة بالروضة التى تعمل بيها عمتى، حينها قررت أن أنزل أنا للعمل بأى وسيلة وفى أى مكان». فعملت فى البداية فى ورشة نجارة، وكان صاحبها رجلا مسنا كريما، كان يعلم بظروفى ولا يجبرنى على أوقات معينة للعمل، حتى حدث ما حدث وتوفى صاحب الورشة وأغلقها أبناؤه، فبطبيعتها المشاكل تأتى تباعًا، فقد مرضت عمتى وأصبحت غير قادرة على العمل وثقلت مصاريف علاجها، ولم أجد عملا يراعى ظروف دراستى ويأتى لى بمال يكفى للإنفاق على أسرتين، بالإضافة إلى مصاريف دراستى بالثانوية العامة، حتى طلب منى أحد أصدقائى فى أحد الأيام أن أساعده بارتدائى لملبس كرتونى تنكرى جاء به إلي، بعدما غاب صاحبه لظرف ما بحفله عيد ميلاد يعمل هو كأحد مُنظميها، وجدت نفسى فى هذه المهنة، خصوصًا عندما أحضر حفلات أعياد الميلاد وألهو مع الأطفال، وعملى لا يتجاوز ساعتين فى اليوم ولم ألتفت لأى انتقادات من بعض زملائى بخصوص طبيعة مهنتى، فأتقاضى فى الساعتين 150 جنيها لأتمكن من الإنفاق على أمى وعمتى وأولادها الاثنين، وفور انتهاء الساعتين أهرع لدراستى؛ فحصلت بالصف الثانى الثانوى على 94 بالمائة ولدى أمل كبير فى أن أكون من ضمن أوائل الثانوية العامة لهذا العام ليتوج كفاحى بمنحة الجامعة الأمريكية وبالأخص كلية العلوم».