حددت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، جلسة 19 من يونيو الجاري، لنظر أولى جلسات الدعوى المقامة من الصيدلى هاني سامح، التى يطالب فيها بإلغاء القرار الصادر من جهة الإدارة، بالامتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا، في الدعوى رقم 185 لسنة 35 قضائية، بعدم دستورية عجز البند (3) من المادة (14) من القانون رقم (127) لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة المستبدل بموجب القانون رقم (7) لسنة 1956 - فيما تضمنه من استثناء نقل الصيدلية العامة في حالة الهدم من مراعاة شرط المسافة المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون ذاته والتى تقدر بمائة متر. حملت الدعوى رقم 47920 لسنة73، واختصمت كلا من وزير الصحة ومدير التراخيص بالصيادلة. وجاء بالدعوى: أن ما ذكره المطعون فيه يمثل إخلاله بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادتين (4، 53) من الدستور، إذ استثنى من قيد المسافة المطبق على سائر التراخيص الصادرة للصيدليات العامة، الصيدليات التى تنقل جهة الإدارة ترخيصها لأماكن أخرى فى حالة هدم العقار، وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون وبقدر تعلقه بالحدود التى تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه - أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية فى مباشرتهما لاختصاصاتهما التى نص عليها الدستور، بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء فى ذلك، تلك التى نص عليها الدستور أو التى حددها القانون. وتابعت: من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه وإن جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة رده، إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدوانًا معبرًا عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالًا فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا. وأضافت: من الجائز بالتالى أن تغاير السلطة التشريعية - ووفقا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتًا لا تبصر فيه، كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستندًا إلى وقائع يتعذر أن يُحْمَل عليها، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا. وأوضحت أن الدستور حرص فى المادة (4) منه على كفالة العدل، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصون وحدته الوطنية، وكانت العدالة فى غاياتها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلًا لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التى تحتضنها، كان منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومستوجبًا تغييره أو إلغاءه. وتابعت: كان المشرع راعى بقيد المسافة كشرط للترخيص بالصيدلية العامة مصلحة عامة ترتبط بطبيعة عمل تلك الصيدليات، كونها مراكز للخدمة العامة تؤدى خدمات متنوعة فى إسعاف المرضى وتوفير الدواء اللازم لهم، فعمل على انتشارها انتشارًا عادلًا يتناسب وتوزيع الكثافة السكانية، على تقدير أن انتشارها فى أماكن متباعدة، على النحو الذى أوجبه يكفل تأدية هذه الخدمات الضرورية ويقربها من طالبيها دون عنت أو إرهاق، ويحول دون تجمعها كلها أو بعضها فى مكان واحد فيما لو لم يشترط هذا القيد مما يؤدى إلى خلو بعض الأماكن من وجود صيدلية توفر مثل هذه الخدمات الضرورية، ويكبد المواطنين مشاق الانتقال إلى مسافات قد تطول لأكثر من مائة متر. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون 127 لسنة 1955 المشار إليه عن هدف المشرع من تنظيم مهنة الصيدلة بوصفها مهنة وليست تجارة تستهدف المضاربة والسعى للحصول على الربح.