زعموا أن غديرًا أى «بئر» كان به ثلاث سمكات عظام، وكان ذلك الغدير بفجوة من الأرض لا يقربها أحد، فلما كان ذات يوم اجتاز من هناك صيادان فأبصرا الغدير فتواعدا أن يرجعا بشبكتهما فيصيدا تلك السمكات الثلاث التى فيه. فسمعت السمكات قولهما، وإن سمكة منهن كانت أعقلهن ارتابت وتخوفت وحاولت الأخذ بالحزم فخرجت من مدخل الماء الذى كان يخرج من الغدير إلى النهر فتحولت إلى مكان غيره، أما الثانية التى كانت دونها فى العقل، فإنها تأخرت فى معالجة الحزم حتى جاء الصيادان فقالت: قد فرطت وهذه عاقبة التفريط، فرأتهما الثالثة، وعرفت ما يريدان فوجدتهما قد سدا ذلك المخرج فقالت: قد فرطت فكيف الحيلة على هذا الحال للخلاص، وقلّما تنجح حيلة العجلة والإرهاق. ثم إنها، للحيلة، فتماوتت فطفت على الماء منقلبة على ظهرها فأخذها الصيادان يحسبان أنها ميتة فوضعاها على شفير النهر الذى يصب فى الغدير فوثبت فى النهر فنجت من الصيادين، وأما العاجزة فلم تزل فى إقبال وإدبار حتى صيدت. وتبين القصة أن من الرجال من إذا نزل به الأمر لم يُدهش له ولم تعِ به حيلته ومكيدته، التى يرجو بها المخرج منه أو الذى يقدر البلاء قبل وقوعه فيعظمه أعظاما ويحتال له، وكأنه قد لزمه فيقطع الداء قبل أن يبتلى به ويدفع الأمر قبل وقوعه والعاجز فهو فى تردد حتى يهلك.