«إيران - الولاياتالمتحدة».. صراع لا يتوقف فى ظل المناوشات السياسية بين الجانبين، والذى انتهى فيه السياسيون الأمريكيون أنه لم يعد هناك حل سوى تغيير النظام السياسى الإيرانى دون تدخل مباشر من الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة بعد انسحابها من خطة العمل المشتركة الشاملة التى عقدتها طهران مع دول (4+1) أو نظام العقوبات المفروض من قِبل الإدارة الأمريكية. ففى الوقت الذى يناقش فيه صناع السياسة الأمريكيون أفضل الاستراتيجيات لتغيير سلوك طهران والتى تعتمد على الإكراه والاستقطاب بشكل كبير، لا أحد يفكر فى التغيير التلقائى الذى يمكن أن يطرأ على النظام جراء الموت المفاجئ للمرشد الأعلى «على خامنئي». ويعد «خامنئي» بمثابة القوة الدستورية المطلقة فى البلاد، القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، فضلًا عن أنه خليفة «المهدى المنتظر» من الناحية الدينية، عند الإيرانيين. بينما يركز صانعو القرار والدبلوماسيون الأمريكيون على القادة المنتخبين فى إيران ومن يعينهم - الرئيس الإيرانى «حسن روحاني» ووزير الخارجية «جواد ظريف» على سبيل المثال - يتجاهلون المرشد الأعلى الذى يحتكر سلطة اتخاذ جميع القرارات المصيرية لمدى الحياة. وذلك فى الوقت الذى يعانى فيه «خامنئي» من أمراض تهدد حياته؛ حيث خضع فى عام 2014 لعملية جراحية على خلفية إصابته بسرطان البروستاتا وتعافى، لكنه يبلغ اليوم 79 عامًا من العمر، وتسببت الشيخوخة فى ضعف جسده، فضلًا عن تعرضه لعملية اغتيال فى عام 1981. خلافة خامنئى التى تلوح فى الأفق منذ أن توفى المرشد الأول للجمهورية الإسلامية «آية الله روح الله الخميني» فى 3 يونيو 1989، اعتبرت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن الثورة قامت بشكل أساسى بدافع من العداء المتأصل لها، لكن فى الحقيقة كان «الخميني» رجل ثورى بامتياز، فضلًا عن مؤهلاته الدينية العميقة وحنكته السياسية التى نبعت من احتكاكه بالقضايا الخلافية بين التيار الدينى والنظام الملكى داخل إيران فى ذلك الوقت، والتى أهلته فيما بعد لقيادة الثورة، الإطاحة بالملكية وتأسيس الجمهورية الإسلامية. ففى عام 1988 دفعت النزاعات السياسية والدينية رجل الدولة الأول فى ذلك الوقت آية الله العظمى «حسين على منتظري» جانبًا، وأصبح «خامنئى نائبًا ل«الخميني» وخليفة له؛ حيث كان لدى «خامنئي» مؤهلات عادية، فضلًا عن أنه ليس آية الله العظمى الشرط الرئيسى لتولى الخلافة، لكنه جاء نتيجة توافق بين الفصائل السياسية الكبرى. ونتيجة لذلك، رفض الكثير من علماء الدين داخل طهران الطرح الذى اقترحته الحكومة الإيرانية عام 1994، الذى يقر بأن يتم الاعتراف ب «خامنئي» لدى الشيعة فى جميع أنحاء العالم بصفته عالمًا شيعيًا رفيع المستوى، وهو الأمر الذى سخر منه الجميع، وتم التراجع عن القرار فى النهاية، لكن استمد «خامنئي» شرعيته داخل الجمهورية الإسلامية من المكانة التى منحه إياها «الخميني». خليفة «خامنئي» أما عن عملية انتقال الخلافة المقبلة فستكون مختلفة عن سابقتها، لاسيما فى ظل وجود مجلس الخبراء المكون من 88 عضوًا، لكن ما حدث فى عام 1989 الذى كان ليس إلا هيئة وافقت على المرشح الذى توافق حوله صانعو القرار ذوى التأثير داخل الجمهورية الإسلامية فى ذلك الوقت. فخلال الثلاثة عقود الأخيرة الماضية تغير ميزان مراكز القوى؛ حيث أصبح الحرس الثورى أقوى بكثير ويسيطر على حوالى 90 ٪ من الاقتصاد الإيرانى، فضلًا عن رحيل عديد من الآباء المؤسسين للثورة، ومنهم: الرئيس السابق الذى توفى قبل عامين «على أكبر هاشمى رفسنجاني» فى حين يعانى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس السلطة القضائية السابق «محمود هاشمى شاهروردى» من سرطان بالمخ. وعلى الرغم من عدم تمتع «خامنئي» بالحضور أو الكاريزما التى تؤهله للقيادة، فإنه استفاد من السلطة الكبيرة التى منحها له «الخميني»، والتى ساعدته على النجاة من الاقتتال الداخلى الحتمى، وهو الأمر الذى يفتقده الكثير من الزعماء الإيرانيين حاليًا. السيناريوهات المحتملة توجد مجموعة من السيناريوهات التى يمكنها تعقيد عملية اختيار خليفة «خامنئي» ومنها؛ توافق التيارات الرئيسية حول مرشح واحد؛ فعلى عكس ما يحدث فى سلطنة عمان حيث ينص الدستور على وضع جدول زمنى لاختيار خليفة السلطان الحالى «قابوس بن سعيد» لا يوجد مثل هذا الخيار لدى مجلس الخبراء الإيرانى، ولذلك من المتوقع أن تلجأ تيارات سياسية تتمتع بنفوذ وتأثير قوى داخل الجمهورية الإسلامية، مثل «الحرس الثوري» لاستخدام سلطاتها فى اختيار مرشح بعينه، مع محاولة إجبار التيارات الأخرى على قبول الأمر الواقع عن طريق المساومات السياسية. كما أن الاختيار سيكون لمجلس للقيادة وليس فرد؛ على الرغم من إيمان «الخميني» بهذه الفكرة وسعيه إلى تطبيقها، لكنه رفضها فى النهاية، حيث عمل على قمع الفكرة ولكن لم ينهِ الجدل المثار بشأنها. القرارات المصيرية أصبح تغيير النظام فى إيران مفهومًا شائعًا، لا سيما خلال الخمسة عشر عامًا التى أعقبت الغزو الأمريكى للعراق، ومن المحتمل أن يصبح أمرًا لا مفر منه بعد موت «خامنئي»، ولكن لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية غير مستعدة على الإطلاق. مرحلة ما بعد خامنئى كيف سيكون رد فعل الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا أدى الاقتتال الداخلى إلى حرب أهلية داخل الجمهورية الإسلامية؟ وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو بعيد المنال، وإذا حدث، كما فى سوريا، ليبيا، اليمن، سيكون بعد فترة طويلة من الوقت، إلا أنه من المحتمل أن يستولى الحرس الثورى على السلطة، ولن تكون النتيجة ديكتاتورية عسكرية فقط، بل ديكتاتورية أيديولوجية مصحوبة ببلايين من الدولارات. فبعد مرور أربعين عامًا على قيام نظام الجمهورية الإسلامية داخل إيران، اندلعت الاحتجاجات والتظاهرات، والتى كان آخرها الإضرابات العمالية فى أواخر ديسمبر لعام 2017، ومن المرجح أن يؤدى موت خامنئى إلى تصعيد حالة عدم الاستقرار، وبالتالى، يصبح تغيير النظام أمرًا حتميًا لا مفر منه، فماذا سيكون موقف واشنطن من تصاعد وتيرة مثل هذه الأحداث؟ وهل الإدارة الأمريكية مستعدة للدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية داخل إيران، حتى لا يؤدى التغيير لتقويض أمنها المالى أم ستحفز التيارات السياسية لا سيما الإصلاحيين على التغيير الإيجابى للنظام نحو الحرية والديمقراطية؟ الجالية الإيرانيةالأمريكية تتمتع الجالية الإيرانية فى واشنطن بأوضاع جيدة على عكس كثير من الجاليات الأخرى، فالأمريكيون من أصل إيرانى هم رأسمال بشرى قادر على قيادة عملية التحول السياسى داخل إيران، حتى لو كلفهم ذلك التخلى عن الرغبة فى الحكم واستبدال الموظفين الذين نشأوا وتربوا على قيم الجمهورية الإسلامية. لكن يأتى التساؤل الرئيسى حول الجهود التى يجب أن تبذلها مؤسسات صناعة القرار الأمريكية مثل (وزارة الخارجية والبيت الأبيض) من أجل حشدهم والاستفادة من خبراتهم؟ فى الواقع أنه لا شيء. هل تم التحضير لاستفتاء قرار البقاء على الجمهورية الإسلامية أم العمل بالديمقراطية الدستورية من عدمه.. وما الصيغة المقترحة لهذا الاستفتاء؟ وإذا كان الأمر كذلك فما المحددات الحاكمة لكل هذه القضايا؟