قبل مائة وأربعة أعوام، وتحديدًا فى نهاية يوليو 1914، شهدت العاصمة البوسنية، سراييفو، حادث اغتيال الأرشيدوق «فرانز فرديناند»، وريث عرش الإمبراطورية النمساوية/ المجرية، على يد أحد الشباب البوسني، بيد أن سقوط الأمير صاحب الشخصية الغامضة، والذى لم يكن ذو أهمية حقيقية فى تلك الحقبة، كان بمثابة الشرارة التى أشعلت فتيل الضغائن الكامنة التى تحركت بدافع الوطنية لدى المَلَكيات الأوروبية. كعادتهم، أيد الخبراء العسكريون بقوة نشوب النزاعات المُسلحة، والتى كانوا- آنذاك- يجدون فيها وسيلة لتهدئة موجة الكراهية المُتصاعدة لدى الطبقة العاملة؛ فبعد ذلك الحادث بأسابيع قليلة أعلنت الإمبراطورية النمساوية/ المجرية الحرب على صربيا، وكانت تلك إشارة البدء التى انطلقت بعدها التحالفات بين الدول، لتشهد الإنسانية سلسلة من الحروب والمجازر اجتاحت العالم على مدار أربع سنوات، وحصدت خلالها أرواح ما يقرب من 10 ملايين جندي، و9 ملايين مدني، وخلَّفت وراءها قُرابة 21 مليون جريح؛ وانتهت فى الحادية عشرة صباح 11 نوفمبر عام 1918، بعد سقوط الجندى الكندى «جورج برايس»، أحد آخر ضحايا هذه المجزرة البشعة؛ ليستعد العالم بعد أقل من ثلاثة أشهر من الآن للاحتفال بمئوية نهاية تلك الحرب. أظهرت الحرب العالمية الأولى، عبر إقبال الجنود غير المدروس على خوض الحرب، حالة من انعدامَ الوعى الجماعى لشعوب اعتقدت أن الحرب ستكون خاطفة وستنتهى بنصر مُؤكد؛ تجلى ذلك فى البداية عند اقتراب القوات الألمانية من مشارف باريس، حيث تبدل شعورهم الغامر بالحماس وبالنصر الوشيك إلى خوف وهزيمة كبيرة. وعلى مدار أكثر من قرن، تناولت تلك الحرب المئات من الأفلام الوثائقية، والتى ظهر أشهرها وأكثرها تعمقًا فى الألفية الجديدة السلسلة الوثائقية التى حملت عنوان «أبُكاليبس- نهاية العالم» فى الذكرى المئوية لنشوب الحرب عام 2014، والتى جاءت فى خمسة أجزاء وصلت مدة الواحد منها إلى ما يقرب من 45 دقيقة لكل جزء. تم إنتاج هذه الحلقات بالاستعانة بأكثر من 500 ساعة من المشاهد الأرشيفية التى لم يُشاهَد معظمها من قبل، وتتناول الحرب من منظور استراتيجى وعالمى للإجابة عن التساؤلات الكبيرة حول أسباب النشوب وكيف احتمل العالم كل هذا الدمار وكيف جاءت النهاية؛ ولكنها كذلك قدّمت شيئًا يُعّد هو الأكثر أهمية، حيث تروى القصة بمفهوم حساس وحميمى على المستوى الإنساني. عبر تلك الساعات يجد المشاهد القصة تأخذه إلى قلب المعارك، من الخنادق فى شمال فرنسا وحتى الجبهات الأقل شهرة فى سهول روسيا، وفى صربيا، وتركيا، وفلسطين المحتلة التى كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية فى تلك الحقبة؛ كما رصدت الحياة اليومية للمدنيين خلف الخطوط، باعثة الحياة فى ذكريات وتجارب الرجال والنساء الذين عايشوا الحرب العالمية الأولى، وكيف كان هؤلاء قد صاروا يؤمنون بأن تلك الحرب تُشكّل نهاية العالم.