هناك مقولة شهيرة ، منذ أن تقلد الرئيس الصيني وأحد أبرز الزعماء السبعة الكبار بالحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، بشأن الفساد وضرورة استمرار جهود القضاء عليه بصرامة، الا وهي "ينبغي أن تكون لدي الصين العزيمة لمحاربة جميع مظاهر الفساد، ومعاقبة كل مسؤول فاسد، وألا نخفف من استخدام العقوبات إذا كنا نريد السيطرة على أعضاء الحزب بصرامة، وذلك عبر ضرب "النمور والذباب"، فى إشارة لكبار وصغار المسؤولبن الفاسدين فى الصين على جميع المستويات. ومنذ أن تبنى الحزب الشيوعي الصين حملته الكبري بمكافحة الفساد والتى بدأت من الخطاب التاريخي للرئيس الصيني السابق هو جين تاو، خلال اجتماعات الحزب الشيوعي الصيني عقب 10 سنوات قضاها هو فى حكم الصين أوصلتها إلى مستوى عالمي ضارع الدول الكبري وبلغ المستوى الاقتصادي الثاني على مستوى العالم، مرورا بتسليمه قيادة البلاد للقادة الجدد من الجيل الخامس بقيادة شي جين بينغ الرئيس الحالى، وهناك حملة صارمة وعنيفة من الحزب الشيوعي لتنظيف اركانه من الفساد واستغلال النفوذ والسلطة والالتزام بالانضباط، كمحاولة للسيطرة على المسئولين واكتساب رضا وقبول شعبي فى كافة ارجاء الصين . ولذلك فقد خضع 18 مسؤولا كبيرا، وهم من وصفهم الرئيس الصيني "بالنمور" على مستوى الوزارات والمقاطعات الصينية، للتحقيق بسبب انتهاكهم القانون وقواعد الانضباط منذ انعقاد المؤتمر الوطني ال18 للحزب الشيوعي الصيني في شهر نوفمبر عام 2012 وحتى نهاية عام 2013، فيما عوقب أكثر من عشرة آلاف شخص وسط حملة مكافحة الفساد الذي يتبناها الحزب الشيوعي. كما قامت النيابة العامة الشعبية العليا فى الصين بالتحقيق مع 36 ألفا و907 من المسؤولين "الذباب"، المتورطين في قضايا فساد وذلك في الفترة من يناير حتى نوفمبر عام 2013، فى وقت تورط المسؤولون المشتبهون في 27 ألفا 236 قضية منها 21 ألفا و848 قضية كبيرة وهامة، حيث تشكل القضايا الرئيسية والهامة نسبة 80.2 بالمائة من الإجمالي لقضايا الفساد المرصودة . وطبقا للبيانات فقد قامت أجهزة النيابة العامة فى الصيني بالتحقيق في 16ألفا و510 قضايا أسفرت بصورة مباشرة معظمها عن قضايا رأي عام تورط فيها 23 ألفا من المسؤولين ، وأنه من بين هذه القضايا 12 ألفا و824 قضية رئيسية وهامة تتعلق بأكثر من 5.51 مليار يوان (910.57 مليون دولار أمريكي). وقالت اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني إن 16 ألفا و699 شخصا عوقبوا لانتهاكهم المبادئ التوجيهية لحملة التقشف، وسط حملة مكافحة الفساد التي يقوم بها الحزب، حيث خضع 3721 شخصا من بينهم لعقوبات إدارية أو حزبية مع نهاية سبتمبر 2013 . كما أفاد البيان الذي أصدرته الهيئة التشريعية لمقاطعة هونان بوسط الصين نهاية ديسمبر 2013 أن تحقيقا مبدئيا كشف أن ال56 نائبا المنتخبين فى مجلس نواب الشعب الصيني للمقاطعة قدموا رشى ل518 مشرعا في المجلس الشعبي لمدينة هنغيانغ و68 آخرين من العاملين فيه، وتجاوز إجمالي الأموال 110 ملايين يوان (نحو 18.14 مليون دولار) ، كما أن أكثر من 500 نائب محلي تم استبعادهم وطردهم أو إقالتهم على خلفية أكبر فضيحة تزوير انتخابية تشهدها الصين. كما أعلنت لجنة فحص الانضباط التابعة للحزب في مقاطعة هونان يوم 2 يناير 2014 عن إحالة هو قوه تشو كبير المشرعين في مدينة بمقاطعة هونان بوسط الصين إلى السلطات القضائية لارتكابه مخالفات خطيرة، مشيرة إلى أن هو مشتبه به بإهمال واجباته وتلقي رشى في انتخابات رئيسية مزيفة تضم أكثر من 500 نائب ، حيث عمل كرئيس للجنة الدائمة لمجلس مدينة هنغيانغ المحلي لنواب الشعب الصيني ، إضافة إلى كونه أحد المسؤولين عن الانتخابات . ومن المعروف أن محكمة جينان الشعبية المتوسطة بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين قد أصدرت حكمها على بوه شي لاي، الأمين السابق للجنة المحلية للحزب الشيوعي الصيني لبلدية تشونغتشينغ والعضو السابق للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب بالسجن مدى الحياة في يوم 22 سبتمبر 2013 ،رغم ان هذا الرجل له نفوذ واسع داخل الحزب الشيوعي، وأحد الكبار المرشحين لشغل منصب قيادى فى اللجنة المركزية العليا للحزب الشيوعي "السبعة الكبار" . ووفقا للحكم الأصلي، وجدت المحكمة أن بوه قبل رشوة تصل قيمتها إلي أكثر من 20.44 مليون يوان (حوالي 3.3 مليون دولار أمريكي) واختلس 5 ملايين يوان، حيث وصفت درجة استغلاله للسلطة بأنها "خطيرة جدا". هذا وقد اعتمد الحكم عليه بالسجن مدى الحياة لقبول الرشاوى مع تجريده من الحقوق السياسية لمدى الحياة ومصادرة جميع الأصول الشخصية الخاصة به. كما حكم عليه 15 عاما في السجن بتهمة الاختلاس وتمت مصادرة مليون يوان من الأصول الشخصية. وحكم عليه بالسجن لسبع سنوات لإساءة استخدام السلطة. وقال الحكم إن العقاب المجمع على الجرائم التي اقترفها هو سجنه مدى الحياة وتجريده من الحقوق السياسية مدى الحياة ومصادرة جميع الأصول الشخصية. وخلال تصريحات متتالية للرئيس الصيني شدد خلالها على إن "السلطة يجب أن تكبح في قفص القوانين"، كما أمر بتعزيز القيود والرقابة على استخدام السلطة, الأمر الذي يفسر أحسن تفسير مكافحة الفساد من الجذر، فى وقت أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الخطة الخمسية (2013-2017) حول بناء منظومة لمعاقبة الفساد ومنعه، إذ تعهد الحزب الشيوعي الصيني بمكافحة الفساد بصرامة وان يحافظ على " مكانته الرفيعة" خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي نفس الوقت، يخطط جهاز مكافحة الفساد بالحزب الشيوعي لصياغة المعايير التي تحكم مزايا المسؤولين ورفاهيتهم، حيث يتم تحديد حزم متباينة على أساس مستوى المسؤول، كما أفادت اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني أن المعايير التي تغطي المنازل والسيارات وحفلات الاستقبال والإجازات والسكرتارية وحراس الأمن ، تهدف إلى ضمان تمتع المسؤولين بالرفاهية التي "تتوافق" مع مستوياتهم، وستحاول الصين إنشاء نظام إقامة ترتب الحكومة بموجبه منزلا للمسؤول وأفراد أسرته، بينما يتم استرداد المنزل مرة أخرى بعد أن يترك المسؤول منصبه ليتم تخصيصه إلى مسؤول آخر. وقد حظيت الجماهير في الصين بفرصة لمكافحة الفساد أيضا، حيث تم إنشاء موقع بالتعاون بين اللجنة المركزية لفحص الانضباط للحزب الشيوعي الصيني ووزارة الرقابة، بهدف تحسين الاتصال والتفاعل مع الجمهور، إذ يتلقى الموقع يومياً نحو 800 بلاغ حول الفساد، كما يستطيع الناس الاستعلام حول البلاغات المقدمة للموقع والوصول إلى قاعدة بيانات أنظمة الحزب والقوانين المتعلقة بالفساد من خلال الموقع الرسمي نفسه. وفي هذا السياق .. أشار استطلاع للرأي قام به مركز البحوث في الادارة النظيفة والنزيهة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وشمل 7388 شخصا من 31 مقاطعة ومنطقة ومدينة على أنحاء الصين إلى ثقة 73.7 في المئة ممن شملهم الاستطلاع بمكافحة الفساد في المستقبل، حيث أعرب 25.5 في المائة منهم عن ثقتهم الكبيرة بذلك، و48.2 في المائة عن الثقة بأكثر من 37.8 في المائة و22.8 في المئة على التوالي مقارنة بعام 2011 . وأوضح الاستطلاع أن 66 في المائة من الكوادر، و72 في المائة من مسؤولي المؤسسات، و89.3 في المائة من المتخصصين، و75.3 في المائة من السكان في المدن والأرياف اعتبروا أن الفساد ما زال خطيرا، لذلك على القادة الصينيون أن يستمروا فى خطوات ثابتة من أجل تحقيق النصر رغم ما تشهده عملية مكافحة الفساد من تعقيدات ومصاعب .