عيون زرقاء تدفعك للحظات للاعتقاد أنك أمام قديس وفي لحظات أخرى تتأكد أنك أمام شخص لم تعرف حياته سوى الآثام، وبين البراءة والخطيئة نجح الممثل البريطاني بيتر أوتول مع أولى خطواته في عالم السينما في التحول إلى أيقونة تجذب كل عشاق الفن السابع، واليوم مع رحيله عن عمر يناهز 81 عامًا لايزال العالم يتذكره بهذا الدور الأول له لورانس العرب الذي تحول إلى لقب يسبق اسمه. مع أول بطولة سينمائية له في فيلم لورانس العرب عام 1962 حصل بيتر أوتول على أول ترشيح له لجائزة أوسكار كأحسن ممثل تم توالت الترشيحات لتصل إلى سبع مرات وعلى الرغم من ذلك لم يحصل أوتول على التمثال الذهبي للأوسكار إلا عند تكريمه عن مجمل أعماله عام 2003. حقق أوتول رقمًا قياسيًا باعتباره الممثل صاحب أكبر عدد من ترشيحات الأوسكار دون أن يحصد الجائزة وأن كان قد حصل على العديد من الجوائز العالمية منها أربع جوائز جولدن جلوب، جائزة البافتا التي تعادل الأوسكار في بريطانيا وجائزة إيمي، كما أنه الممثل الوحيد الذي رشح لجائزة الأوسكار عن القيام بنفس الشخصية في فيلمين مختلفين وهي شخصية الملك هنري الخامس في فيلمي بيكت عام 1964 وفيلم الأسد في الشتاء عام 1968، ومن الأفلام الأخرى التي رشح عنها لجائزة الأوسكار فيلم الطابقة الحاكمة عام 1972، فيلم رجل الحيلة عام 1980، عامي المفضل عام 1982، وفي عام 2006 تم ترشيحه لسابع مرة لجائزة الأوسكار كأحسن ممثل عن دوره في فيلم فينوس. علاقة سحرية ربطت بين بيتر أوتول والعالم العربي فدوره الأول في السينما والذي صنع نجاحه كان دور لعميل المخابرات البريطانية إدوارد توماس لورانس الذي لعب دور محوريا في اشعال الثورات العربية بالخليج العربي ضد الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن الماضي، كما كان فيلم لورانس العرب هو أول أفلام الممثل المصري عمر الشريف في مشواره بالسينما العالمية وكان هذا الفيلم هو بداية علاقة الصداقة الطويلة التي جمعت النجم البريطاني بالممثل المصري العالمي. اختارت مجلة بريمير في عام 2006 دور لورانس العرب باعتباره أفضل أداء تمثيلي على مدار التاريخ، الطريف أن أوتول حصل على هذا الدور بعد اعتذار النجم الراحل مارلون براندو عنه وقد علل براندو اعتذاره عن الفيلم بأنه لا يريد أن يقضي سنتين من عمره وهو على ظهر جمل في قلب الصحراء. إذا كان بيتر أوتول بدأ مشواره السينمائي في دور عميل للحكومة البريطانية إلا أن حياته الشخصية كانت على النقيض، عشق أوتول التمرد منذ أن كان طفلًا صغيرًا حيث أجاد عن اقتدار دور الثائر، ولد في عام 1932 في ايرلندا لأم تعمل كممرضة وأب يعمل كوكيل للمراهنات، أثناء الحرب العالمية الثانية التحق للدراسة بإحدى المدارس الكاثوليكية في بريطانيا حيث كان يتعرض للعقاب باستمرار بسبب إصراره على الكتابة بيده اليسرى، بعد تخرجه من المدرسة عمل لفترة كصحفي قبل أن يلتحق للخدمة في البحرية البريطانية وفي تلك الأثناء اكتشف عشقه للتمثيل، وبعد مغادرته للبحرية قام بالالتحاق للدارسة بالأكاديمية الملكية لفن الدراما في الفترة من 1952 إلى 1954، أثناء سنوات الدراسة في الأكاديمية الملكية كان أوتول أحد رموز العمل السياسي الطلابي حيث كان يقود المظاهرات ضد تورط بريطانيا في الحرب الكورية، وقد استمر انشغال أوتول بالعمل السياسي إلى جانب شغفه بالتمثيل، وفي أواخر الستينات كان أحد أهم النشطاء المعارضين لحرب فيتنام، تجسدت شخصية أوتول الثورية في عام 1986 عندما أشارت بعض التقارير الصحفية أنه رفض الحصول على لقب الفروسية الفخرية لأسباب تتعرض باعتراضه على سياسة بريطانيا. بدأ أوتول حياته الفنية كممثل مسرحي وظلت خشبة المسرح هي العشق الحقيقي له حيث اشتهر بتقديم مسرحيات شكسبير، ويعتبر أوتول أن أهم لحظة في مشواره الفني كانت عندما وقف على مسرح آبي بالعاصمة الإيرلندية في عام 1970 حيث قدم رائعة صموئيل بكيت (في انتظار جودو)، ظل أوتول يعمل إلى أن اعتزل رسميًا في عام 2012 وتضمن مشواره الفني الكثير من الأعمال الفنية الراقية سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، بل أن السنوات الأخيرة من حياته الفنية شهدت الكثير من الأعمال الفنية المتميزة، فقد شارك في عام 1999 ببطولة مسلسل جان دارك وحصل عن دوره على جائزة الجولدن جلوب، كما شارك في عام 2004 في بطولة فيلم طروادة أمام براد بيت، وفي عام 2005 شارك في بطولة المسلسل البريطاني كازانوفا، كما خاض أوتول تجربة أفلام الكارتون وشارك بصوته في بطولة الفيلم الشهير راتاتوي عام 2007. عاش هذا الممثل العبقري حياة شخصية لا تقل إثارة عن أدوراه بالسينما، في عام 1959 تزوج أوتول من الممثلة البريطانية سيان فيليبس وانجب منها ابنتيه كات وباتريشيا، وقد تطلقا عام 1979 بعد حياة شهدت الكثير من العواصف انتهت بمغادرة سان لأسرتها من أجل الارتباط بعشيقها الذي يصغرها في السن، في محاولة منها للدفاع عن نفسها قدمت سان مذكراتها التي أشارت فيها أن عانت طوال زواجها من أوتول من شخصيته المتقلبة وإدمانه للخمور، بعد طلاقه من زوجته ارتبط أوتول بعارضة الأزياء كارين براون وانجب منها ابنه لوركان عام 1983 الذي احترف التمثيل مثل والده، في مقابل خيانة الزوجة كان هناك الكثير من الشائعات التي تناولت غراميات الممثل الذي وضعته مجلة بريمير ضمن أكثر الممثلين إثارة في تاريخ السينما، لعل أشهر الشائعات التي طاردت بيتر أوتول كانت شائعة علاقته مع الممثلة العالمية كاترين هيبرون التي شاركته بطولة فيلم أسد في الشتاء، ويقال إن ابنته الكبرى كات قد سميت على اسم كاترين هيبرون، من جانبه لم يكن أوتول يخفي اعجابه الدائم بكاترين هيبرون والتي وصفها بأنها أكثر ممثلة استمتع بالتمثيل أمامها، وقد اشتهر أوتول بتناوله للكحوليات والتي كانت سبب في اصابته في منتصف السبعينات بسرطان المعدة والذي يعد من أخطر أنواع السرطانات ولكن أوتول تغلب على السرطان بعد أن استئصل جزءًا كبيرًا من معدته، وقد عانى أوتول في أواخر أيامه من العديد من المشاكل الصحية إلى أن رحل عن عالمنا في بداية هذا الأسبوع تاركا ثراثًا من الأعمال الفنية لممثل كان يرى أن الفنان القادر على الربط بين خياله ومشاعره سيكون قادرًا على توصيل أرقى وأعمق الرسائل للمشاهدين.