التقيت بها فى أحد محال التسوق الكبيرة، فتاة شابة جميلة تعمل ك "مندوبة مبيعات"، تعرض على العملاء عينات من إحدى الشركات المعلنة، لاحظت حزنها، فسألتها عن السبب أجابتنى "كرهت شغلى جدا".. سألتها عن السبب وكان ردها "كل يوم مضايقات، لسه من شوية اللى واقف هناك ده خصم لى يومين من المرتب رغم إنى مغلطتش ولكن لأنى برفض أسلوبه وحركاته".. أجبتها من حقك تقدمى شكوى.. أجابتنى بتهكم "أقدم شكوى لمين ده المدير بتاعه مش سايب بنت فى حالها"!!. الأخرى تعرفت عليها منذ فترة بإحدى الندوات الثقافية، كاتبة شابة طموحة جدا، ثم لاحظت اختفاءها عن الوسط الثقافى حتى التقيت بها مصادفة فسألتها عن سبب اختفائها أجابتنى "أنا كرهت الوسط ده كله، وقررت أنهى كل حاجة"، سألتها عن السبب وسأكتبه بإيجاز فلا يمكننى نشر التفاصيل، وحتى لو نشرتها لن تنشر من قبل الموقع، أجابتنى فيما معناه "كرهت الوسط ده كله نتيجة ما تعرضت له من تحرشات معنوية ومادية منها الضمنى ومنها الصريح وأكثر ما أصابنى بالاكتئاب أن يصدر من شخصيات معروف عنهم النزاهة بجانب روعة وثقل ما يقدمونه من كلمة وفكر، بالنهاية وعندما وجدت من لا يملكن أى موهبة وخاويات الفكر والموهبة يصلن لما أطمح إليه، كرهت الوسط بأكمله بعدما فقدت ثقتى فيما كنت أقرأ من كلمة كما فقدت إيمانى بكل مبدأ تعملته ممن راودونى عن نفسي". أما الثالثة أرسلت لى مشكلتها؛ تعانى من اكتئاب ويأس مصحوب بنص الحديث بينها وبين صاحب إحدى الشركات، ملخص الرسائل طلبها للعمل فهى حاصلة على شهادة متوسطة، تسكن بإحدى المناطق الشعبية، أرملة شابة – جميلة - تعول ثلاثة أطفال، طلب منها رجل الأعمال إرسال سيرتها الذاتية بالطبع مصحوبة (بعدة) صور.. ثم وعدها بفرصة عمل ثم عبارة "أكيد الدخل مش هيكفى لمصاريف بيتك وأطفالك، لكن ممكن تزودى دخلك.. المهم فكرى إزاى وإنتى صغيرة وحلوة وأنا تحت أمرك"، ردها عليه كان حازما.. فلم يمنحها فرصة العمل أو حتى استقبل رسائلها. أنوثتك مقابل عملك.. أو ما يمكن أن نطلق عليه التحرش المهنى أو الوظيفي، استغلال المنصب الوظيفى واستخدامه ك قوة إغراء وفي بعض الأحيان قوة استغلال وضغط على المرأة العاملة يعد من أخطر أنواع التحرش، تكمن خطورته فى عدة عوامل أهمها التكتم عليه سواء من الضحية أو التغافل المتعمد من المجتمع بالإضافة لعدم وجود لوائح أو قوانين موضوعية تحمى المرأة من الانتهاك أو مساعدتها للحصول على حق انتهاك أنوثتها مقابل عملها. حسب تقرير الأممالمتحدة للمرأة لعام 2015 نسبة 99.3% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش يوميا وأن 50% من تلك النسبة تعرضن للتحرش فى أماكن عملهن.. بمعنى أن تلك الأنثى يومها هو سلسلة من التحرشات تبدأ بالتحرش من قبل ذكور قليلى الوعى والثقافة بالطرقات ووسائل المواصلات حتى تصل لمكان عملها ليبدأ تحرش من نوع آخر من قبل ذكور المفترض بهم الوعى والثقافة والمراكز العلمية والأدبية، فلو افترضنا أن الجهل وبساطة المستوى الاجتماعى والثقافى من ضمن عوامل زيادة التحرش العلني، فماذا عن التحرش المخفى داخل مكاتب ومؤسسات هى ذاتها المسئولة عن نشر الوعى والثقافة بالمجتمع.. وإدارات مهمتها النهوض بجميع المقومات الحيوية بالدولة؟ وهم أنفسهم من يستنكرون ظاهرة التحرش باعتباره تصرفا غير آدمى حتى أن البعض منهم طالبوا تطبيق أقصى العقوبات على المتحرش لانتهاكه جسد وقدسية المرأة. بل على العكس التحرش المعلن بالطرقات ووسائل المواصلات أخف وطأة فهو تحرش أبعد ما يكون عن الاستغلال أو الابتزاز... استغلال حاجة المرأة للعمل وابتزاز أنوثتها، استغلال معنوى (فكريا وعاطفيا) ومادى (لجسدها وأنوثتها). بالإضافة إلى أن ضحية التحرش بالطرقات تعترض وقد تشتكى أما الموظفة قليلا ما تتحدث.. مخافة السلطة.. تخاف المجتمع الذى غالبا سيراها المتهمة.. تخاف على عملها .. فهى كلما زادات حاجتها للعمل كلما كان التحرش بها أقوى وأجرأ.. تختلف أنواع التحرش الوظيفى.. البند السابع من قانون الحقوق المدنية لعام 1964 ( Title VII of the Civil Rights - CRA ) وهو قانون اتحادى يحظر على أصحاب الأعمال التمييز ضد الموظفين على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الأصل الوطنى ووضعت المحاكم فئتين من التحرش الجنسى فى أماكن العمل. الفئة الأولى، البيئة المعادية أو ما يمكن أن نطلق عنه "التسلط الجنسي" حيث تكون بيئة العمل غير مريحة للمرأة العاملة، لا يشترط حدوثه من قبل أرباب العمل أو الشخصيات المسئولة لكنه قد يحدث من زملاء العمل المحيطين بالمرأة باختلاف مناصبهم.. حيث التحرش لا يكون بصورة مباشرة أو مادية فقط ولكن عن طريق اللفظ، النكات الجنسية أو التلميحات الجسدية، النظرات الموحية أو الحركة كالتدخل مع قدرة المرأة على التحرك بحرية وحتى عن طريق الإغواء.. بل يكون حتى بوضع الشروط على المرأة فى العمل بأن تكون صغيرة وأحياناً جميلة وغير محجبة.. وببعض الأحيان يشترط أن تكون عزباء (مطلقة أو أرملة) ولا يشترط وجود أي خبرات سابقة. والفئة الثانية ما يمكن أن نطلق عليه (الابتزاز الجنسى) أو المساومة الجنسية، عادة هذا النوع من التحرش الجنسي، بحكم طبيعته، يحدث بين شخص فى موقع سلطة (واصل فى شغله) ومرءوس، فتكون المساومة باستغلال حاجة المرأة للعمل أو طموحها وببعض الأحيان قلة خبرتها فيكون (هذا.. مقابل ذلك) طبعا ليس بتلك الصورة الواضحة لأنه ليس كالمتحرش بالعلن قليل الوعى والثقافة ولكنه غالبا ما يكون شخصا ذا عقلية واعية مثقفة (راقي) فى موقف قوة لديه القدرة على منح العمل والكثير من مزاياه فيكون الابتزاز فى البداية بصورة بسيطة خفية كالإيحاءات بالرغبة فى علاقة أو إطلاق عبارات توحى بالتساهل والانفتاح ثم يتدرج حتى يصل للنوع الثانى من أشكال التحرش الوظيفي. (الاستغلال الجنسى باستخدام السلطة)، حيث التهديدات السلبية من عواقب رفض قديم تنازلات جنسية أو مقاومة التحرشات العابرة، على سبيل المثال التهديد بفقدان الوظيفة، أو النقل لمكان عمل آخر، تخفيض الراتب بفرض جزاءات أو خصومات، تقديم تقارير أداء سيئة، فيكون الاختيار ما بين الرفض أو الاستسلام والقبول للتمتع بمزايا العلاوات، تقديم تقارير ممتازة للمسئولين عن الترقيات، لا يمكن أن ننكر أن ما تتعرض له المرأة العاملة من تحرش جنسى وظيفى من قبل رجال المناصب أو الأعلى وظيفيا يمثل خرقا للثقة وسوء استخدام للسلطة. لو حاولنا تحليل المشكلة للوصول لأسبابها لوجدنا أنها تبدأ أولا من الأسرة وما ينشأ عليه الرجل من عادات ومفاهيم اجتماعية شكلت نظرته للمرأة أنها أداة للاستخدام الجنسى بالمقام الأول، تلك العوامل جسدت إشكالية سيكولوجية وسوسيولوجية عند الرجل، فهو ينظر دائما الى المرأة كأنثى لا يرى أو لا يريد أن يرى أن كونها امرأة لا يمنع كونها إنسانا قادرا على الإبداع والتفوق والعطاء بمجالات مختلفة، كتبت من قبل "أن الرجل العربى ومهما كان منصبه أو ثقافته يرى أى إبداع للمرأة من خلف الستائر الحمراء".. خاصة لو كان الرجل صاحب منصب ما يزيد من إحساسه بالقوة عليها فيحاول الاستفادة من أنوثتها، ثم يأتى دور وسائل الإعلام العربية وما تقدمه من صور مسيئة للمرأة العاملة بمناصب معينة كالسكرتيرة أو مديرة المكتب، الخادمة أو عاملة المصنع، أو المرأة العزباء كالمطلقة أو الأرملة.. فالأولى امرأة سهلة نتيجة احتياجها لرجل، والثانية تحتاج للدخل المادى ولرجل أيضا. يتبع الجزء الثانى (رجال ضحايا الإغراءات والتحرش الجنسى الوظيفي) شيرين فؤاد [email protected]