"لأصبحت الإنسانية سعيدة منذ زمن لو أن الرجال استخدموا عبقريتهم في عدم ارتكاب الحماقات بدل أن يشتغلوا بإصلاح حماقات ارتكبوها" أهم ما تفوه به الكاتب الكبير برنارد شو الذي تحل اليوم الذكري ال 66 على وفاته، عرفت أعماله المسرحية بالسخرية وخفة الظل، من أفضل مسرحي القرن العشرين، الذين ضاءت أعمالهم المسارح العالمية، الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل في الأدب للعام 1925 وجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو "عن سيناريو بيجماليون" في نفس العام، أحد مفكري ومؤسسي الاشتراكية الفابية، كانت تشغله نظرية التطور والوصول إلى السوبرمان وفكريا كان من اللا دينيين المتسامحين مع الأديان، ألّف ما يزيد عن ستين مسرحية خلال سنين مهنته. أعماله تحتوي على جرعة كوميديا، لكن تقريبًا كلها تحمل رسائل اتهامات أمِل برنارد شو أن يحتضنها جمهوره. ولد برناردشو في مثل هذا اليوم 26 يوليو عام 1856 في دبلن بايرلندا من طبقة متوسطة واضطر لترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل موظفًا. كان والده سكيرًا مدمنًا للكحول مما شكل لديه ردة فعل بعدم قرب الخمر طوال حياته، كما كان نباتيًا لا يقرب اللحم الأمر الذي كان له أثرًا في طول عمره وصحته الدائمة. تركت أمه المنزل مغادرة إلى لندن مع ابنتيها ولحق بهم شو سنة 1876، ولم يعد لايرلندا لما يقرب الثلاثين عامًا. ورث من والديه الظرف والسخرية من المواقف المؤلمة والجهر بالرأي وعدم المبالاة بمخالفة المألوف والتمرد على التقاليد السائدة. رغم تركه للمدرسة مبكرًا إلا أنه استمر بالقراءة وتعلّم اللاتينية والاغريقية والفرنسية وكان بذلك كشكسبير الذي غادر المدرسة وهو طفل ليساعد والده ومع ذلك لم يثنه عدم التعلم في المدارس عن اكتساب المعرفة والتعلّم الذاتي، فالمدارس برأي برناردشو "ليست سوى سجون ومعتقلات"، كان مناهضًا لحقوق المرأة ومناديًا بالمساواة في الدخل. سنة 1925 مُنح جائزة نوبل في الأدب فقبل التكريم ورفض الجائزة المالية ساخرًا منها بقوله:"إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ". كما أنه سخر من نوبل مؤسس الجائزة الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت حيث يقول: "إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل". فقد عاش برناردشو حياة فقيرة وبائسة أيام شبابه وعندما أصبح غنيًا لم يكن بحاجة لتلك الجائزة التي تُمنح أحيانًا لمن لا يستحقها، ولأن حياته كانت في بدايتها نضالًا ضد الفقر، فقد جعل من مكافحة الفقر هدفًا رئيسيًا لكل ما يكتب وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق. ويظهر ذلك جليًا في مسرحيته "الرائد باربرا" التي يتناول فيها موضوع الفقر والرأسمالية ونفاق الجمعيات الخيرية. عندما غادر إلى لندن بدأ يتردد على المتحف البريطاني لتثقيف نفسه الأمر الذي كان له الفضل الكبير في أصالة فكره واستقلاليته. بدأت مسيرته الأدبية في لندن حيث كتب خمس روايات لم تلق نجاحًا كبيرًا وهي:" عدم النضج " و"العقدة اللاعقلانية" و"الحب بين الفنانين" و"مهنة كاشل بايرون" و"الاشتراكي واللااشتراكي". لكنه اشتُهِر فيما بعد كناقد موسيقي في أحد الصحف، ثم انخرط في العمل السياسي وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية، وانضم للجمعية الفابيّة، وهي جمعية انجليزية سعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية. كان شو معجبًا بالشاعر والكاتب المسرحي النروجي هنريك إبسن، الذي يعتبر أعظم الكتاب المسرحيين في كل العصور. وكان السبّاق في استخدام المسرح لمعالجة القضايا الاجتماعية، فكان تأثير إبسن واضحًا على شو في بداياته. بدأ سنة 1885 بكتابة المسرحيات. كتب ما يزيد على الخمسين مسرحية، أهمها:" بيوت الأرامل "التي تصور النظام الرأسمالي فتنتقده، وتسخر منه،"العابث"، "مهنة السيد وارن"، "السلاح والإنسان"، "كانديدا"، "لن تستطيع أن تتنبأ"، "ثلاث مسرحيات للمتطهرين". عاش برنارد شو أربعًا وتسعين سنة في قراءة الوعي والتساؤل والتبصر يقول: " لقد كسبتُ شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه، وحين أكتب مسرحياتي أقصد أن أحمل الشعب على أن يصلح شئونه وليس في نفسي باعث آخر للكتابة إذ إننَّي أستطيع أن أحصل على لقمتي بدونها". وظلّت مواقفه إلى آخر عمره، كما كانت في بدايتها، فهو الذي رفض أن يزور الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى لا يرى سخرية القدر بوجود تمثال للحرية في بلدٍ يمتهن الإنسان أينما كان.. ذلك البلد - أمريكا- الذي انتقل من البدائية إلى الانحلال دون أن يعرف الحضارة.