يقول المولى تعالى: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج»، لكن دولة ولى الفقيه ومن يشايعها، مصممة على تحويل فريضة الحج إلى مظاهرات صاخبة ترفع فيها صور، تهتف بشعارات معادية تفرق المسلمين، يريد الولى الفقيه فرض رؤيته السياسية للحج على العالم الإسلامى، وحينما تصدت المملكة، بحكم تشرفها بمسئولية الحرمين الشريفين والإشراف على تنظيم الشعيرة العظيمة وتأمين الحجاج، ورفضت الرؤية الفوضوية لإيران، منعت دولة الولى الفقيه حجاجها، وحرمتهم من الفريضة، وشنت حملة واسعة على المملكة. لماذا تريد إيران تسييس فريضة الحج؟ إيران في حكم الولى الفقيه، تحولت إلى دولة دينية مذهبية «أيديولوجية» ومن طبيعة الدولة الأيديولوجية أن التسييس طال كل شأن في إيران، لم يبق شيء في إيران إلا وقد وظف لخدمة أهداف الثورة الإيرانية ومشروعها التوسعى في المنطقة العربية والعالم، لم يسلم شيء في إيران من أوحال السياسة: المدارس، المعاهد، الجامعات، المراكز البحثية، المؤسسات الثقافية والإعلامية والدينية والأمنية والعسكرية، بل حتى المصانع والشركات التجارية والبنوك، المساجد والمزارات الدينية، تحولت إلى منابر سياسية لمهاجمة الدول التي لا تدور في فلك السياسة الإيرانية، هذه طبيعة كل دولة أيديولوجية، ولذلك تسعى إيران ومنذ الثورة بكل جهد إلى تسييس فريضة الحج وفرض رؤيتها على المسلمين جميعًا، ونجحت في مرات سابقة في دفع حجاجها لاستغلال موسم الحج في تظاهرات سياسية أدت إلى حوادث أليمة راح ضحيتها المئات من الحجاج، وكانت المملكة في ذلك الوقت تراعى اعتبارات عديدة، وتتخذ الإجراءات التنظيمية للحد من أضرار هذه المظاهرات، لكن التجاوزات تسببت في حوادث أليمة، كما في الموسم الماضى، فكان لا بد للمملكة أن تتخذ قرارًا حازمًا وحاسمًا ونهائيًا بوضع حد لهذه التصرفات العبثية الفوضوية ومنعها، وقد أحسنت بذلك، لأن الإجراء التنظيمى لا يجدى مع من قدم حاملًا توجيهات الولى الفقيه بضرورة توظيف الحج لترويج مفاهيم الثورة الإيرانية، وإيصال رسالة الجمهورية الإسلامية إلى جميع الحجاج في مكة، هذا المعتقد الدينى السياسي، راسخ لدى قادة إيران من الخمينى إلى خامنئى، الحجاج الإيرانيون مكلفون بنشر مبادئ الثورة خلال الحج، يدربون عليه باعتباره أفضل موسم لتصدير الثورة وأدبياتها، ترسل إيران المئات من المترجمين من عناصر الحرس الثورى ممن يجيدون اللغات، لعمل حملة دعائية لصالح النظام الإيرانى ونشر فكر ولاية الفقيه وتوزيع المنشورات السياسية بين الحجاج. ختامًا: التسييس الدينى، الآفة الكبرى في حياتنا، أفسد الدين وأفشل السياسة، وعوق النهضة والتقدم والتنمية، وما نراه اليوم على امتداد الساحة العربية من مشاهد العنف والإرهاب والمجازر والدماء وتشريد وتهجير الملايين من البشر، ما هو إلا تجليات هذا التوظيف السياسي للدين، وإحدى ثماره المُرة، لقد طال التسييس المساجد، وأصبحت منابر بيوت الله تعالى، منابر حزبية متناحرة في دول ومجتمعات عربية، تحول كل ما هو نفيس وغالٍ في نفوس المسلمين إلى ميدان للصراعات والمصالح الضيقة، وتلوث بأوحال السياسة، شيء واحد استعصى على محاولات التسييس، الحج، بقى استثناء إلهيًا معجزًا في حياة المسلمين، بعيدًا عن الصراعات السياسية، بقى الحج المكان الآمن، يلجأ إليه المسلم ليخلو إلى نفسه ويناجى ربه ويطهر نفسه ويقوى إيمانه، بقى الحج أملًا وإلهامًا، ولأن المولى تعالى أعلم حيث يضع بيته الحرام، فقد فضل مكةالمكرمة في جزيرة العرب مكانًا، وسخر لخدمته والقيام على شئونه، دولة محصنة من التسييس الدينى، لا تفرق بين ضيوف الرحمن بحسب معتقداتهم، تقدم لهم أرقى الخدمات التي يمكن أن تقدمها دولة لضيوفها، تخيلوا، مجرد تخيل، لو كان الحج في رعاية دولة الولى الفقيه أو الجماعات التي تدور في فلكها أو حكومة أيديولوجية مسيسة، ماذا كان وضع الحج؟ وماذا كان حال الحجاج؟! هل كان الحج سبيقى على صفائه الروحى؟ كان الحج قد سينقلب إلى موسم للمزايدات الحزبية وتحولت المشاعر المقدسة إلى مسرح للشعارات الطائفية وتصفية الحسابات السياسية.