في الوقت الذي استعرضت فيه وزارة الأوقاف، بقيادة الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، آليات تطبيق الخطبة المكتوبة، وإستراتيجية الفهم المستنير، واصلت هيئة كبار العلماء، وأعدادٌ من الأئمة والخطباء هجومها على الفكرة، معلنين التمرد حال إصرار الوزارة على تنفيذها. وقال «جمعة»، إن دور الخطبة المكتوبة المقروءة، التي بدأتها الأوقاف اختياريًا الجمعة الماضى، ينأى بالمنبر عن محاولات الاستغلال السياسي، ويضبط ميزان الفهم المستنير، وفق منهجية علمية مدروسة وشاملة، تؤدى في النهاية إلى صياغة مستنيرة للعقل، وطرائق الفهم، وتبرز الوجه الحضارى الوسطى السمح للدين الإسلامى الحنيف، وتقضى على الفكر الظلامى غير المستنير. يأتى هذا فيما يواصل أعضاء هيئة كبار العلماء هجومهم الضارى على فكرة الخطبة المكتوبة، حيث طالب الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو الهيئة، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، وزير الأوقاف بالتراجع فورًا عن قراره، معلنًا رفضه بشكل كامل للخطبة المكتوبة الموحدة، موضحًا أن هذا القرار سيضيق الخناق على الأئمة، كما أنه سيحجم من قدراتهم الإبداعية، ولن يحاول أحدُهم الارتجال. وهدد «هاشم»؛ بأنه في حال تطبيق الخطبة المكتوبة، فإنه سيعتزل الصعود على المنابر حتى تتم العودة عن هذا القرار، موضحًا أنه لا يجوز لكبار العلماء أن يلقوا الخطبة المكتوبة، وهم أهل علم، وتتلمذ على أيديهم الكثير من العلماء، وطلاب العلم في العالم كله؛ ومطالبًا الأئمة بالاستعداد التام لإلقاء الخطبة، حتى لا يقول أحدهم إنهم في حاجة لخطبة مكتوبة. واستجاب عددٌ من الأئمة والخطباء، لدعوات «هاشم»، معلنين رفضهم الالتزام بالخطبة المكتوبة، وأكدوا أنهم سيمتنعون عن الصعود على المنابر وإلقاء الخطب، في حال تنفيذ القرار، قائلين: «فلتلجأ الأوقاف لعمال العهدة، لسد العجز في الأئمة والخطباء، الذي سيحدث بعد أن نترك العمل ونسافر». وقال أحد أئمة محافظة البحيرة، طلب عدم نشر اسمه، ل«البوابة»، إن الوزير يتخذ إجراءات متكاملة للقضاء على الإمام نهائيًا، وأصبحت الدعوة مهددة لأن تحل الميكروفونات التي يستخدمها الباعةُ محله، قائلًا: «أصبحنا نواجه مصير أصحاب الأوكازيون؛ وبكره نسمع الخطبة والصلاة مسجلة للجمعة، ونروح على صلاة العصر بقى!». وناشد الإمام بمحافظة البحيرة، شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، العمل على نصرة الدعوة، مما تواجهه من خلال استلام ملفها كاملًا، وتطبيق صلاحيات الأزهر المخولة له دستوريًا، وضم الأئمة إليه، كونه الأقدر على تقدير ما تعلموه ودرسوه في أزهرهم العريق». من جانبه؛ كشف الوزير عن إستراتيجية الوزارة لتحقيق الفهم المستنير، والقضاء على الفهم السقيم، خاصة المتعلق بالعقائد والأديان، والتي تتضمن عدة برامج مدروسة، من أهمها تشكيل لجان علمية متخصصة لتنقية كتب التراث وإعادة قراءتها، وبرامج تأهيل متقدمة للأئمة والخطباء داخل مصر وخارجها، والكتاتيب العصرية لتحفيظ واستظهار القرآن الكريم، ومراكز الثقافة الإسلامية المتطورة، إضافة إلى الخطبة المكتوبة. وحذر «جمعة» في تصريحات له، أمس، من الفهم غير المستنير، وغير العاقل والراشد، المتعلق بالعقائد والأديان، والذي أضر بالفهم الصحيح للدين، بحيث صار عبئًا على الدين والوطن، والدولة الوطنية، والنسيج المجتمعي، بل على صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وعلى مستوى تقدمنا العلمى والثقافى. وأضح الوزير، أن ذلك الفهم عند بعض الجماعات، يفضى إلى ثقافة استسلامية، وثقافة التبعية، بما يجر في النهاية إلى العمليات الإرهابية والتفجيرية والتخريبية، وهو ما يمثل خطرًا على أمننا ومنطقتنا، وعلى أمن وسلام العالم كله. وطالب، بضرورة العمل بأسرع وقت على إحياء دور العقل، وإعطاء الفرصة للتعبير عن الذات والرأي، وبخاصة للنشء، منذ نعومة أظافرهم، حتى يشبوا على ذلك، ويتعودوا عليه لتغيير هذه الصورة، وهذا النمط غير الفكري، أو الاستسلامي، أو نمط الانبطاح الفكري، والهزيمة الفكرية والنفسية، مع التنسيق بين مختلف المؤسسات والهيئات المعنية، لتفعيل الجهود المبذولة في هذا الصدد. وأشار «جمعة»، إلى أن مهمة اللجان العلمية المتخصصة التي ستشكلها الوزارة، ستهتم بتنقية كتب التراث، وإعادة قراءتها، وإخراج مختارات منها، تتناسب وروح العصر، وتغير الزمان والمكان والأحوال، مع الحفاظ على ثوابتنا الشرعية، مما هو قطعى الثبوت والدلالة، في ضوء قواعد الفهم والاجتهاد الرشيد. وشدد الوزير، على أن هدف الكتاتيب العصرية، إضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم، العمل على فهمه فهمًا مستنيرًا، وغرس القيم الأخلاقية والإنسانية، وتعميق روح الانتماء الوطنى في الناشئة، وغلق الباب أمام من يعملون على تجنيد النشء مبكرًا، في إطار تنظيماتهم القائمة على ثقافة الاستسلام، وتأليه أمرائهم ومرشديهم المزعومين. وأوضح، أن خُطة الوزارة لتطوير المراكز الثقافة الإسلامية، تستهدف غرس الثقافة الإسلامية الصحيحة، في إطار مناقشة فكرية وعلمية وعقلية، والقضاء على حالة الاستسلام والجمود الفكري، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التي تدفع في اتجاه التطرف أو الإرهاب. وأشار، إلى برامج التأهيل المتقدمة للأئمة والخطباء داخل مصر وخارجها، والتي تتضمنها الإستراتيجية، من خلال تطوير أكاديمية الأوقاف لتدريب الأئمة وإعداد المدربين باللغات الأجنبية، وفتح أبوابها للأئمة والخطباء من مختلف دول العالم، إضافة إلى فتح مراكز أو فروع لها في بعض دول العالم، لنشر الفكر الإسلامى الصحيح، وتفكيك الفكر المتطرف.