لا اختلاف على أن الأطفال هم الأكثر سعادة بقدوم العيد، هم هكذا جبلوا على البحث عن مصادر السعادة ما داموا صغارًا؛ ودليلهم إليها براءتهم، التي تحدو بهم نحو الفرح. ففي الصباح الباكر من أول أيام العيد يستيقظ أفراد الأسرة فرحين مسرورين بهذه المناسبة المباركة، وكان أول من ينهض هم الأطفال؛ لأن هناك العديد من المفاجآت تنتظرهم وربما لا ينام بعضهم طوال الليل يحسبون الوقت كي تشرق شمس العيد. والفرح بمجيء العيد تتقدمه "العيدية"، ذلك هو عند الأطفال، ومن دون ذلك فالعيد لا حلاوة له، بل أن الكبار لا يشعرون بحلاوة العيد إن لم يشاركوا الأطفال فرحتهم، ويتسببوا بإدخالها إلى قلوب الصغار، حين يوزعون عليهم "العيديات". و"العيدية" التي يقول عنها النحاة: إنها "مصدر صناعيّ من عِيد، وهي هِبة تُعطى يوم العيد"، طقس متوارث لدى المسلمين في كل أرجاء المعمورة، إذ يستعد الأطفال لتلقي "العيدية" من الكبار، بدءًا بالوالدين. والعيدية يفضلها الصغار نقودًا، في حين كان في السابق غالبًا يعطى الأطفال حلوى، كما أنه لا تحديد لمبلغ معين للعيدية، التي تبدأ بأقل قطعة نقدية، بحسب المستطاع، ثم ترتفع لتصل إلى أرقام عالية بالنسبة للميسورين. وبالرغم من أنه لم يرد في الشريعة الإسلامية ما يربط العيد بتقديم العيدية، إلا أن ارتباط العيدية بصلة الرحم، وتقوية أواصر العلاقات بين الناس، وإدخال الفرحة والسرور على قلوب الصغار، كل تلك أشياء يدعو إليها الإسلام، وهو ما يتحقق في إهداء العيدية، بحسب متخصصين. و"العيدية" عادة قديمة، ففي عصر المماليك، كان السلطان المملوكي يصرف راتبًا بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومن يعملون معه، وكان اسمها "الجامكية" وتم تحويرها إلى كلمة العيدية. وكانت قيمة العيدية في ذاك العصر تتفاوت تبعًا للراتب، فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة وإلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة، غير أنه وفي العصر العثماني أخذت العيدية أشكالًا أخرى فكانت تقدم نقودًا وهدايا للأطفال واستمر هذا التقليد إلى العصر الحديث. ويستطيع الكبار معرفة غاية الأطفال في أيام العيد بسهولة، فالأطفال يتعمدون إلقاء التحية على الكبار من أقاربهم أو جيرانهم أو معارفهم، فهم يطمحون بتحيتهم إلى أن يمدّ هؤلاء الكبار أيديهم إلى جيوبهم واستخراج شيء من النقود، وإهدائها للصغار. فالكبار فعلوا هذا في طفولتهم، هم أيضًا حين كانوا صغارًا يطمحون في نيل العيدية من الكبار، لذلك فإن من أسباب حب الكبار لإعطاء العيديات للصغار لكونها تذكرهم بطفولتهم وبراءتهم، التي دائمًا تعد أجمل الأيام في حياة الإنسان. وتتشابه البلدان الإسلامية بطقوس "العيدية" وفي دول الخليج كانت الطقوس موحدة بتلقي الأطفال لعيدياتهم، إذ كان الصغار أولادًا وبناتًا يتجمعون في "الفريج" يأخذون العيدية، ويمرون على بيوت الأهل في "الفريج" يجمعون العيديات أيضًا. وفي اليوم الأول يجمع الصغار أكبر مبلغ من العيديات، حيث يتزاور جميع أهالي الفريج، في حين يبقى من يسكنون في مناطق بعيدة يفدون لاحقًا، وبالتأكيد سيكون الأطفال بانتظارهم لينالوا نصيبهم من العيديات.