يميل معظم الباحثين الغربيين إلى عقد مقارنة تاريخية بين الهندوباكستان فيما يتعلق بنظام الحكم، ومدى تطبيق الديمقراطية في كلتا الدولتين، ويرجع السبب الرئيسي لهذه المقارنة إلى أن كلا من الهندوباكستان كانتا دولة واحدة حتى عام 1947، ووقتها نالت هذه الدولة استقلالها من الاستعمار البريطاني قبل أن يقوم محمد علي جناح بتأسيس جمهورية باكستان والانفصال عن الهند، ليختلف مسار الدولتين منذ ذلك الحين. فالهند الآن تعد من أعرق النماذج الديمقراطية في العالم، بينما لا تزال باكستان تتخبط بين انقلابات عسكرية وحكومات غير مستقرة، ويشير هؤلاء الباحثين إلى أن الهند انتهجت مسارها الحالي بفضل قادتها التاريخيين أمثال المهاتما غاندي وجواهر نهرو وغيرهم ممن آمنوا بإمكانية التعايش بين مختلف الهنود بغض النظر عن اللغة أو العرق أو الدين، كما قاموا بفصل الجيش عن السياسة، على العكس فشل النموذج الباكستاني- بحسب هؤلاء الباحثين- يعود إلى وجود جيش باكستاني قوي سعى على الدوام إلى تعزيز وجوده في السلطة، وكذلك وجود تيار إسلامي لم يؤمن بفكرة التعددية، وبالتالي دار صراع بين الطرفين طوال العقود الماضية أثر في النهاية على قيام ديمقراطية حقيقية في باكستان. السؤال هنا: هل يوجد تشابه بين مصر وباكستان بشكل يمكن من خلاله التكهن بما ستصبح عليه مصر بعد 50 عاما على سبيل المثال؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد أن نذكر هنا أن كثيرين عقدوا المقارنات بين مصر “,”بعد الثورة“,” وباكستان، حتى إن الإدارة الأمريكية قامت بتعيين آن باترسون- سفيرتها السابقة في باكستان- كسفيرة في مصر لمحاولة تطبيق نظام للتعايش المشترك بين الجيش والإخوان على غرار الوضع في باكستان، بحيث يضمن للطرف الأول استمرار المساعدات العسكرية، فيما يضمن للطرف الثاني الهيمنة على صناعة القرار السياسي في مصر، كما كتب المفكر الأمريكي الشهير توماس فريدمان مقالا في نهاية العام الماضي حذر فيه من أن استمرار ثنائية تبادل الأدوار بين الجيش والإخوان أو الاعتقاد بأن الديمقراطية تعني فقط أصوات الصناديق فقط يدفع مصر نحو المصير الباكستاني. إذا طرحنا السؤال بشكل آخر.. هل تدخل الجيش وقيامه بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وإبعاد جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي إلى نكسة في مسيرة الديمقراطية على غرار التجربة الباكستانية؟ الإجابة قطعا هي “,”لا“,” لعدة أسباب، أولها: أن الديمقراطية تنبع من إرادة شعبية حقيقية، ولا تستطيع أي قوة مهما كانت أن تقف أمامها طالما وجدت بالفعل هذه الإرادة. أيضا بنظرة سريعة على فترة حكم الإخوان خلال عام كامل، سنجد أن الجماعة سعت لتعزيز نفوذها وسيطرتها على كافة مؤسسات الدولة بغض النظر عن تحقيق الديمقراطية التي كانت بالنسبة للتنظيم مجرد شعار أو سيلة لتحقيق غاياته، ولا يوجد نظام ديمقراطي في العالم يسيطر فيه فصيل أو حزب معين على سلطات الدولة المختلفة، ووجدنا الإخوان يسيطرون تماما على السلطة التنفيذية من أعلى المناصب حتى أدناها في المحليات، كما سيطروا على السلطة التشريعية من خلال البرلمان المنحل وإعلانات الرئيس الدستورية، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على السلطة القضائية من خلال تهديدات مستمرة من التيار الإسلامي تتوعد القضاة وتحاول ابتزازهم، أو من خلال تعيين وزير عدل ونائب العام اختصما غالبية القضاة وفجرا صراعا كبيرا بين السلطتين التنفيذية والقضائية، كذلك تفاقمت مشكلات الأقباط والبهائيين والشيعة في عهد الإخوان وتراجعت الحريات بصفة عامة ومنها حرية الصحافة التي تراجع تصنيفها في مصر حتى عن فترة حكم مبارك وذلك وفقا لمؤسسات غربية مستقلة مثل “,”مراسلون بلا حدود“,”. لذلك فإن تدخل الجيش في هذه الحالة ربما يكون قد أنقذ مصر من مصير لا يحمد عقباه، وسيناريوهات تترواح بين إقامة دولة دينية على غرار النموذج الإيراني يسيطر فيها مكتب الإرشاد على كافة المؤسسات، ويكون فيها مرشد الجماعة هو الحاكم الفعلي للبلاد، أو دخول مصر في حرب أهلية تغرق بالبلاد في صراعات سياسية وطائفية، وتؤدي في النهاية إلى نموذج “,”الدولة الفاشلة“,”، كما هو الحال في العراق أو الصومال أو قطاع غزة بوضعه الراهن، وفي النموذج الأخير قامت حركة حماس بالسيطرة تماما على القطاع في غياب جيش قوي أو قوة نظامية تفرض الأمن، وأدى ذلك إلى رفض الحركة الإسلامية إقامة أية انتخابات منذ ما يقرب من ثمان سنوات وحكم القطاع بالحديد والنار، وحتى بافتراض وجود رغبة شعبية في إزاحة حماس من حكم القطاع ومحاكاة ما حدث في ثورة 30 يونيو بمصر، فإن حدوث ذلك أمر بالغ الصعوبة في ظل غياب قوة نظامية متماسكة تستطيع تحقيق مطالب هؤلاء المواطنين. وفي العراق على سبيل المثال كان خطأ أمريكا الأكبر هو تفكيك الجيش العراقي بالكامل بدلا من إقالة القيادات الرئيسية التي تنتمي لنظام صدام حسين، وأدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية بين طوائف العراق المختلفة، وصراع بين فصائل دينية مسلحة ولا يزال العراق يعاني حتى الآن من عدم الاستقرار السياسي بسبب هذا الخطأ، وهنا في مصر حاول الإخوان مرارا لإضعاف الجيش لتيقنهم أنه القوة الوحيدة المنظمة التي يمكن أن تكبح جماح تطلعاتهم وأحلامهم. للأسف يقوم بعض الناشطين السياسيين ومجموعة من شباب الثوار بانتقاد موقف الجيش وتدخله، ويرون أن قيامه باستخدام العنف ضد الإخوان يعد جريمة ويمهد لوأد الديمقراطية وسيطرة الجيش على الدولة مرة أخرى، ويستنكر هؤلاء موقف أقرانهم من الثوار الذين يؤيدون الجيش الآن رغم الجرائم التي حدثت في عهد المجلس العسكري مثل أحداث محمد محمود أو أحداث مجلس الوزراء، أو تأييد الأقباط للجيش رغم أحداث ماسبيرو، وحقيقة هنا لا بد من الاعتراف بوجود أخطاء وقعت في فترة حكم المجلس العسكري، وضرورة محاسبة من أخطأ من هذه القيادات إذا ثبت ارتكابهم لأي جرم، لكن ليس معنى ذلك الدعوة لهدم الجيش أو إضعافه؛ لأن ذلك يضر بمصلحة الوطن في النهاية. وينبغي أن يدرك هؤلاء السياسيون والنشطاء، بدلا من التباكي في وسائل الإعلام على ما يقوم به الجيش، أن هناك مشكلة كبيرة في تواصلهم مع المواطن العادي الذي أعطى صوته للإخوان من قبل، وربما يؤيد انتخاب أي قائد عسكري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا بد أن يسعى هؤلاء إلى العمل على الأرض والتفاعل مع المواطنين- بدلا من الاكتفاء بالظهور الإعلامي- وتوعيتهم بأهمية الديمقراطية وآلياتها والصبر على النتائج، فالدول لا تتحول بين ليلة وضحاها من الديكتاتورية إلى النقيض. ولا بد أن يفهم هؤلاء أن الربط بين الجيش والديمقراطية ليس دقيقا في أغلب الأحوال، فلا يستطيع الجيش أن يقف أمام إرادة شعب يطوق إلى الحرية والديمقراطية، ولا يستطيع جيش أن يحقق ديمقراطية لا يريدها شعب ولا يسعى إليها.