أصبح السياسي اليساري المخضرم جريمي كوربين أكثر السياسيين في بريطانيا اثارة للجدل بعد أن كشفت استطلاعات الرأي مؤخرا عن ارتفاع شعبيته بين مؤيدي حزب العمال، واقترابه من خلافة زعيم الحزب السابق، اد مليباند، الذي قدم استقالته بعد الهزيمة المهينة التي تعرض لها الحزب في الانتخابات العامة أمام حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون. وترشح كوربين /66 عاما/ لقيادة حزب العمال بهدف توسيع آفاق النقاش حول مستقبل الحزب في أعقاب الاستياء الذي ظهر نتيجة انتخابات مايو الماضي، إلا أن أفكار هذا السياسي المثيرة للجدل، وخاصة رغبته في تخليص بلاده من الأسلحة النووية، إضافة إلى انتقاده المعلن لسياسة إسرائيل والغرب تجاه فلسطين، ومعارضته لقرار زعيم حزب العمال الأسبق توني بلير في حرب العراق، والتدابير التقشفية التي تضمنت فرض استقطاعات في الخدمات العامة، تطرح عدة تساؤلات عن انعكاسات ذلك على مستقبل حزب العمال وسياسة بريطانيا الخارجية. ونشأ كوربين في أسرة تهتم بالسياسة، فوالداه تعارفا عندما كانا ناشطين في الحرب الأهلية الإسبانية، وعمل لنقابات عمالية قبل انتخابه عضوا في مجلس العموم في 1983. ولم يحتل جريمي كوربين أي وظيفة رفيعة، لكنه كان في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان والسياسات لمساعدة الفقراء، وأحيانا كان يصوت ضد قيادة حزبه. وأعلن كوربين، نائب إزلينتجون الشمالية، الترشح قبل أقل من أسبوع من اغلاق باب الترشح، حيث كان لا يزال بحاجه لدعم 11 نائبا، للوصول للحد الأدنى، وهو تأييد 35 نائبا من نواب حزب العمال، وتمكن من الوصول إلى العدد المطلوب. ورغم أن كثير من المحللين رأوا أن فرصه قليلة جدا في تولي زعامة حزب العمال، مقارنة بمنافسيه اندي بورنهام وايفيت كوبر وليز كيندال، إلا أن شعبية هذا الرجل النباتي الهادىء تصاعدت بسرعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليصبح الرجل الأوفر حظا لتولي زعامة حزب العمال، والتي سيعلن عن نتيجتها في 12 سبتمبر. وكشف استطلاع الرأي لمركز "يو جوف" لصالح صحيفه "ذي تايمز" أن السياسي اليساري يتجه لتحقيق فوز كاسح في انتخابات زعامه حزب العمال بعد أن ضاعف من تقدمه على منافسيه. وأوضح الاستطلاع أن مرشح أقصى اليسار يتقدم ب32 نقطه مئويه عن اقرب منافسيه بارتفاع 17 نقطه منذ ثلاثه اسابيع، وحصل كوربين على 53%، مقابل 21% لصالح اقرب منافس له وهو اندي بورنهام، مما يعني أنه سيفوز بالانتخابات في الجوله الأولى. وأثار تقدم كوربين في استطلاعات الرأي قلق بعض قيادات حزب العمال، وبعض رجال الأعمال الداعمين للحزب، حيث تعهدت أكبر الجهات المانحة للحزب، ومن بينهم الملياردير المصري عاصم علام، بوقف دعم الحزب بالمال إذا فاز جريمي كوربين، ليتركوا الحزب اليساري للاعتماد كليا على التمويل النقابي. وقال خمسة من كبار المانحين إن انتصار كوربين سيكون "كارثة" يمكن أن تؤدي إلى إبقاء حزب العمال بعيدا عن السلطة لعقود. وهاجم الملياردير المصري عاصم علام - الذي تبرع لحزب العمال مؤخرا بأكثر من نصف مليون إسترلينى - كوربين، متعهدا بالتوقف عن إعطاء المال إذا أصبح كوربين زعيما لحزب العمل، قائلا: "لا أدعم أبدا حصانا خاسرا"، منتقدا الحزب لافتقاده الرسالة التي أرسلها الناخبون في الانتخابات "بأن الأحزاب اليسارية المتشددة تخسر الانتخابات." كما انضم رئيس الوزراء الأسبق توني بلير إلى قائمة مهاجمي كوربين، محذرا من أن حزب العمال سيواجه "ابادة" إذا انتخب الاشتراكي جريمي كوربين كزعيم له، داعيا الناخبين بعدم دفع الحزب نحو "الهاوية" بانتخابه. وقال بلير، الذي يمثل يسار الوسط، في مناشدته عبر صحيفة "الجارديان" إن الحزب في خطر اليوم أكثر من أي وقت آخر منذ أكثر من 100 عام على وجوده."