"حسن شحاتة" مصر حريصة على توفير بيئة عمل لائقة يشارك فيها جميع الأطراف    مخاوف زيادة المعروض تهبط بأسعار النفط 1.4%    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء    مبادرة «100 مليون صحة» تشارك بالمؤتمر الطبي الإفريقي Africa Health Excon    شراكة استراتيجية بين «طلعت مصطفى» و«أبوغالي موتورز» لتقديم خدمات التنقل المتكاملة في مدينتي    حرائق واسعة في شمال إسرائيل.. وعمليات الإخماد استمرت أكثر من 20 ساعة    ماكرون ل نتنياهو: يجب على السلطة الفلسطينية أن تتولى إدارة قطاع غزة    نيمار: فينيسيوس سيفوز بالكرة الذهبية هذا العام    دبلوماسي أوكراني يجدد المطالب بإنشاء نظام دفاع جوي في دول الناتو المجاورة    مؤتمر مبابي: لقد تحررت وانتقلت لأكبر ناد في العالم.. لولا إنريكي لما لعبت الموسم الماضي    تريبيير: جاهز لليورو.. والقرار ليس بيدي    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    مواعيد وقنوات ناقلة.. كل ما تريد معرفته عن دوري أمم أوروبا "يورو 2024"    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة أسوان 2024    حجز محاكمة يوتيوبر شهير تعدى على سيدة بالمقطم لجلسة 25 يونيو    الداخلية تواصل تفويج حجاج القرعة إلى المدينة المنورة وسط إشادات بالتنظيم (فيديو)    «بنت البلد» بالجمهورية    وفاء عامر تحيي ذكرى ميلاد الفنان الراحل محمود عبدالعزيز    "رقصت مع والدتها".. 20 صورة من عقد قران الفنانة جميلة عوض    حتي الأن .. فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحصد 58.8 مليون جنيه إيرادات    أكرم القصاص: إسرائيل تضع نفسها فوق القانون الدولى وإبادتها لغزة فضيحة أمام الجنائية الدولية    محافظ سوهاج يتسلم أرض مستشفى الحروق بناء على تكليفات السيسي    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي الإسلامي لمبادرات الاعتراف بفلسطين ومواجهة الخطابات المناوئة    نقص المياه الصالحة للشرب.. رحلة صراع يومية لسكان غزة    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    الجامعة العربية: عدم الانتشار النووى يعد عنصرا حاسما فى السلم والأمن الدوليين    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    دعاء ليلة عيد الأضحى.. اللهم تقبل منا الطاعات في أيام العيد    ما حكم صلاة عيد الأضحى في البيت؟ ..«الإفتاء» توضح الحكم الشرعي    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    طريقة عمل المبكبكة، لغداء شهي سريع التحضير    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    إصابة 4 أشخاص في حادث سير بالمنيا    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يستعرض جهود مصر في قضايا «الحريات النقابية» من جنيف    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السهروردي شيخ الإشراق.. شهيد مناظرة الفقهاء (أعلام الصوفية 23 30)
نشر في البوابة يوم 10 - 07 - 2015

يلقب أبوالفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، ب"شهاب الدين"، واشتهر بالشيخ المقتول تمييزًا له عن صوفيين آخرين هما: شهاب الدين عمر السهروردي (632ه)، مؤلف كتاب "عوارف المعارف" في التصوف، وصاحب الطريقة السهروردية، أما الآخر فهو أبوالنجيب السهروردي.
وفي الشرق الإسلامي نلاحظ غلبة لقب شيخ الإشراق على بقية الألقاب باعتباره يحمل اسم حكمته التي اشتهر بها، حكمة الإشراق، التي أضحت مدرسة فلسفية صوفية متكاملة ما تزال حتى يومنا، هذا لا سيما في الهند وباكستان وإيران.
وأبوالفتوح فيلسوف إشراقي، شافعي المذهب، ولد في سهرورد الواقعة شمال غربي إيران، وقرأ كتب الدين والحكمة ونشأ في مراغة وسافر إلى حلب وبغداد، حيث كان مقتله بأمر صلاح الدين، بعد أن نسب البعض إليه فساد المعتقد، ولتوهم صلاح الدين أن السهروردي يفتن ابنه بالكفر والخروج عن الدين، وكان مقتله ب قلعة حلب سنة 586 ه.
مع أنه كان من كبار المتصوفة في زمانه، ومن أفقه علماء عصره بأمور الدين والفلسفة والمنطق والحكمة، ويسمى مذهبه الذي عرف به "حكمة الإشراق" وله كتاب بهذا الاسم، ومن كتبه أيضا "رسائل في اعتقادات الحكماء" و"هياكل النور".
ولد السهروردي عام 545 - على الأرجح- في بلدة سهرورد، بنزجان في أذربيجان، والذي استمد منها كنيته، بدأ حياته العلمية صغيرا حيث شرع بقراءة القرآن والحديث وقواعد الصرف والنحو، ثم حضر دروس الفقه والأصول والمنطق والفلسفة حتى برع فيها، وهناك تعرف على زميل الدراسة فخرالدين الرازي، وجرت بينهما نقاشات ومباحثات عديدة.
تلقى مزيدًا من الثقافات الإسلامية وغيرها، وكان كثير الأسفار، فالتقى علماء وحكماء متصوفة كثيرين، انتهى السفر بالسهروردي إلى الشام، حيث أقام في مدينة حلب ابتداءً من سنة 579 ه، وكان حينها تحت إمرة الظاهر بن صلاح الدين، ونزل في المدرسة الحلوية فباحث فقهاء، وناظر علماء، وظل في المدينة حتى وافتة المنية، وكتب أهم أعماله التي كانت أن تدمر تمامًا لولا تلامذته المخلصين، وكان من أبرز مؤلفاته: "حكمة الإشراق، والمشارع والمطارحات، وهياكل النور، ورسالة مختصرة، والأربعون اسما، والأسماء الإدريسية، وكتاب البصر، والتنقيحات في الأصول، والرقيم القدسي، ورسالة في اعتقاد الحكماء، ورسالة عقل سرخ، والبارقات الإلهية، والرمز المومي".
كان من كبار المتصوفة في زمانه ومن أفقه علماء عصره بأمور الدين والفلسفة والمنطق والحكمة.
وصفه ابن أبي أصيبعة بقوله: "كان أوحد في العلوم الفقهية والحكمية والأصول الفقهية، مفرط الذكاء، جيد الفطرة، فصيح العبارة، لم يناظر أحدا إلا بزه، ولم يباحث محصلا إلا أربى عليه، وكان علمه أكثر من عقله".
وقال عنه الشيخ فخر الدين الرازي: "ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، لم أجد أحدا مثله في زماني، إلا أنني أخشى عليه من كثرة تهوره".
تأثر السهروردي بفلاسفة اليونان- خاصةً أفلاطون- ثم بالعقائد الفارسية القديمة، وفلسفة زرادشت، وقد مزج هذا كله بالدين الإسلامي وآراء الصوفية المسلمين.
وبالتأثر بما كتبه اليونان القدماء، نقل السهروردي إلى المسلمين مذهب "الإشراق"، ويقوم في جملته على القول: "إن مصدر الكون هو النور، وهو يعبر عن الله سبحانه وتعالى بالنور الأعلى، ويصف العوالم بأنها أنوار مستمدة من النور الأول".
و"المعرفة الإنسانية في مفهوم الإشراقيين "إلهام" من العالم الأعلى، يصل بواسطة عقول الأفلاك، وهو ما يسمى بالكشف أو الإشراق، أي ظهور الأنوار العقلية بعد تجردها".
وبهذه الفكرة، حاول السهروردي تفسير الوجود ونشأة الكون والإنسان، كما أنه حاول إبراز الفلسفة الزرادشتية القديمة من خلال فلسفته النورانية، والتعويل على فكرة النور وإشراق الأنوار لتبديد ظلمة الأجسام والمادة.
نظم في العشق الإلهى أبياتًا تقول:
"أبدًا تحنّ إليكمُ الأرواحُ
ووصالكمْ رَيحانُها والراحُ
وقلوبُ أهل وِدادكمْ تشتاقكمْ
وإلى لذيذ لقائكمْ ترتاحُ
وارحمتا للعاشقين! تكلّفوا
سترَ المحبّة، والهوى فضّاحُ
بالسرّ إن باحوا تباحُ دماؤهم
وكذا دماءُ العاشقين تُباحُ"
ويرى السهروردي أن الإنسان يستطيع الوصول إلى الغاية القصوى التي ينشدها الصوفية عامةً، وهي الوصول إلى ما اسماه "عالم القدس"، أي الحضرة الإلهية، عن طريق الرياضة الروحية ومجاهدة النفس، وأنه عند وصوله إلى هذا المقام الأخير السامي، يتلقى من نور الأنوار (الله) المعارف.
وقد ذكر السهروردي أنه وصل إلى هذه المرحلة عندما فارق جسده، واتصل بالملكوت الأعلى.
لم يكن عصر السهروردي (القرن السادس الهجري/ الثالث عشر الميلادي) عصر تسامح فكري، بل كان عصر صراعات سياسية ومذهبية حادة، وكان حلقة من من حلقات الصراعات الممتدة في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
نظر الفقهاء والحكام بعين الريبة إلى أفكار السهروردى وأحالوها إلى الدعاوى الباطنية، إلا أن السهروردي كان معتدًا بذاته، واثقًا من علمه، شجاعًا وتحدى الفقهاء في سائر المذاهب، وعجزهم، وصار يكلّمهم كلام من هو أعلى قدرًا منهم، فتعصّبوا عليه، لا سيما أن طموحه كان بلا حدود.
وكان الملك الظاهر قد أُعجب بالسهروردي، بل أصبح السهروردي من أصدقائه، ونظرًا لاشتداد الخلاف بين السهروردي والفقهاء، دعاهم الظاهر إلى مناظرة فكرية، وكان من جملة ما دار في المناظرة بين الفقهاء والسهروردي ما يلي:
الفقهاء: أنت قلت في تصانيفك إن الله قادر على أن يخلق نبيًا.. وهذا مستحيل.
السهروردي: ما حدا لقدرته؟! أليس القادر إذا أراد شيئًا لا يمتنع عليه؟!
الفقهاء: بلى.
السهروردي: فالله قادر على كل شيء.
الفقهاء: إلا على خلق نبي فإنه مستحيل.
السهروردي: فهل يستحيل مطلقًا أم لا؟!
الفقهاء: كفرت!
ويبيّن من هذه المناظرة أن السهروردي فرّق بين النقل والعقل، بين الإمكان التاريخي والإمكان العقلي، فليست هناك استحالة مطلقة تعطل القدرة الإلهية، وليس ثمة اعتراض في الوقت نفسه على صحة النص الديني القاضي بأن النبي محمدًا خاتم الأنبياء، أما الفقهاء فقد تمسّكوا بحرفية النص الديني، وأحسب أنهم كانوا أعجز من التحليق في الآفاق الفكرية والفلسفية التي كان السهروردي ينطلق منها.
وبما أن الجرأة كانت طبعًا في السهروردي، وكانت تتفاقم فتصل إلى حد التهور أحيانًا، وقد أشار الشيخ سديد بن رقيقة إلى تلك الخصلة، فذكر: "إن شهاب الدين السهروردي كان يتردد إليه في أوقاته، وبينهما صداقة، وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا: ما أذكى هذا الشباب وأفصحه، ولم أجد أحدًا مثله في زماني، إلا أنني أخشى عليه، لكثرة تهوّره واستهتاره وقلة تحفّظه، أن يكون ذلك سببًا لتلفه".
وقال فخر الدين المارديني: "فلما فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق، وتوجّه إلى الشام، أتى إلى حلب، وناظر بها الفقهاء، ولم يجاره أحد، فكثر تشنيعهم عليه، فاستحضره السلطان الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب، واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين، ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام، فتكلم معهم بكلام كثير، وبان له فضل عظيم وعلم باهر، وحَسُن موقعه عند الملك الظاهر، وقرّبه، وصار مكينًا عنده، مختصًا به، فازداد تشنيع أولئك عليه، وعملوا محاضر بكفره، وسيّروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين، وقالوا: إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك، وكذلك إن أُطلق فإن يفسد أي ناحية كان بها من البلاد، وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك".
وأفاد ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص 167":
" أن الشهاب بحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجزهم، واستطال على أهل حلب، وصار يكلّمهم كلام من هو أعلى قدرًا منهم، فتعصّبوا عليه، وأفتوا في دمه، حتى قُتل ".
وكان صلاح الدين أحوج الناس في ذلك الوقت إلى وحدة الصف في دولته المترامية الأطراف، والتي كانت تخوض مواجهة حامية ضد الفرنج غربًا، وصراعًا خفيًا ضد الزنكيين في الموصل وأطرافها، وضد السلاجقة في الأناضول، بل أحيانًا كانت ثمة خلافات تحت الرماد مع بطانة الخليفة العباسي نفسه في بغداد.
وكان الفقهاء والعلماء والمدرسون هم جيشه الضارب في تحقيق تماسك صفه الداخلي، فهم الذين يمسكون الجماهير من خناقها في كل عصر، ويوجّهونها الوجهة التي يريدونها.
أخذ صلاح الدين كل هذه المعطيات بعين الاعتبار، وأرسل إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتابًا بخط القاضي الفاضل يقول فيه: "إن هذا الشاب السهروردي لا بد من قتله، ولا سبيل أنه يُطلَق، ولا يبقى بوجه من الوجوه".
ورغم أن السهروردي بادر إلى إجابة دعوة الظاهر الأيوبي لمناظرة الفقهاء، ورغم أنه أسكتهم بقوة حجته وبراعة منطقه، إلا أن الأمر انتهى به إلى الحكم عليه بالموت، ويروى أن الظاهر الأيوبي خيّره في أمر موته، فاختار السهروردي أن يحبس دون طعام وشراب حتى يهلك، فكان له ما اختار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.