"لو أنك تعلمين كم يزعجني هذا العالم، أريد الفرار، أن أمضي بعيداً عن هذه القذارة، ولست أدري إلى أين يا أمي" ألهذا السبب التافه رحلت يا ماركيز.. هل اكتشفت الآن فقط كم هو مزعج وقذر هذا العالم.. هل لكل هذا الإزعاج والقذارة القدرة على جعلك تقرر الرحيل تاركا وراءك "فيرمينا داثا".. ألست أنت الذي انتظرها أكثر من خمسين عاما لتتخلى عن العابرات وتهنأ بما تبقى لك من عمرك بجوارها؟! هل اخترت الرحيل لأن جنرالك ما زال غارقا في متاهته أم لأنك متطمئن على " أورسولا" التي وصفتها بما لا تستحقه حين قدمتها للعالم بوصفها المرأة الجبارة، مانحة الحياة لكل من حولها فرأيتها أنت الزوجة الآن والأم غدا والجدة فيما بعد، "أورسولا" ليست كذلك يا "جابو"، كان يجب أن تعرف ذلك منذ البداية، لكن هذا لا يهم الآن، ما يعنينا هو كيف ترحل بعد أن اصطحبتنا إلى عالمك السحري واخترت لنا الإقامة في "ماكاندو" قريتك السعيدة، فلم نخش الكوليرا لأن الحب كان كافيا لينجو منها "فلورنتينو أريثا". ربما اختارت الرحيل يا "جابو" لأن عطبا قد أصاب ذاكرتك أو لست أنت القائل:" الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان"؟!. ربما رفضت الاستمرار في هذا العالم القذر الذي فقدت فيه قدرتك على تذكر وقائع الموت اليومية وقصص الغرام البائسة لأنك تؤمن بأن:" الحياة ليست ما يعيشه أحدنا وإنما هي ما يتذكره" ربما اكتشفت في الوقت الضائع يا "جابو" أن "أورسولا" ليست كما ظننتها أو أن "فيرمينا داثا "لم تكن تستحق أن تنتظرها خمسون عاما حتى يرحل غريمك لتهنأ معها بليلة واحدة على سطح مركب. "جابو". كنا نظنك أقوى من ذلك وأن عوالمك السحرية كانت كافية لتثنيك عن الرحيل، لكن بما أنك اخترت عالما ربما يكون أكثر سحرية من عالمنا فلا بأس لكن عليك أن تعلم أنه على الرغم من الكوليرا ووقائع الموت المعلن والغيبوبات والاحتضارات الطويلة والمتواصلة والعاهرات الحزينات لكنها ومعها كل عوالمك تركت لنا ميل إلى السعادة!