ألقى د.محمد عثمان الخشت المستشار الثقافي المصري، مساء أمس، محاضرة بعنوان (الديكارتية وأثرها بين الفكر الغربي والفكر العربي) بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. وأدار الندوة الأكاديمي السعودي د. محمد أبو الخير، بترجمة فورية إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، وذلك في إطار الاحتفالات بالفرنكوفونية بالتعاون بين السفارة المصرية ومركز الملك فيصل والسفارة الفرنسية. وكان على رأس الحضور السفير المصري عفيفي عبد الوهاب ود. يحيى بن جنيد الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية والقنصل العام د.اشرف شيحة والمستشار الثقافي الفرنسي جان لوي لافي، وكوكبة من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي وأساتذة الجامعات والمفكرين السعوديين. وصرح السفير المصري عفيفي عبد الوهاب بضرورة تضافر الجهود من أجل التنسيق بين المؤسسات المصرية والسعودية من أجل تجديد الخطاب الديني والتعاون العربي والدولي للقضاء على الإرهاب. وذكر أن هذه المحاضرة تأتي في إطار جهود السفارة المصرية بالرياض على مستوى العمل الثقافي المشترك مع المؤسسات السعودية والسفارة الفرنسية. كما أشاد بالمستوى الذي خرجت به المحاضرة، وإحاطة المحاضر العلمية والفكرية التي جمعت بين الفكر الغربي والإسلامي، ووجه الشكر لكافة الأطراف التي شاركت في تنظيمها. وصرح المستشار الثقافي الفرنسي جان لوي لافي أن هذه الحاضرة تأتي في إطار الشهر المخصص للّقاءات الفرانكفونية بالرياض وحضرها جمع غفير من الجمهور، الذي أبدى إقبالًا كبيرًا على المحاضرة وموضوعها الجاد المتخصص. وقد تناول المحاضر باقتدار ما كان لفكر ديكارت من تأثير على تاريخ الفكر الغربي والعربي، مذكرًا بأهمية تحاور الثقافات ما بين العالم العربي والغربي في إطار السياق الراهن. وأكد د.محمد عثمان الخشت فضرورة تجديد الخطاب الديني في مصر ليس فقط لدحر التطرف، ولكن لأننا فعلا في أمس الحاجة لافتتاح عصر حداثة جديد في مصر. وذكر أن الإصلاح الديني في أوربا في عصر النهضة هو الذي أنتج الرأسمالية وفتح الباب للتجارة العالمية. وأكدت المحاضرة على أن ميزة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أنه قبل أن يأتيه الوحي الإلهي مارس التفكير المنهجي، ورفض الواقع القديم بناء على هذا التفكير، لكنه لم يكتف بهذا مثل التفكيكين والشكاك الجذريين ونفر من الثوريين الذين لا يملكون سوى الثورة على واقع موجود لا تأسيس واقع جديد، ولا يستطيعون إلا الرفض والهدم، لكنهم غير قادرين على بناء واقع بديل، فيكون ضررهم أكثر من نفعهم، بل انطلق عليه السلام بعد الشك المنهجي وهدم القديم، إلى اليقين وبناء واقع جديد. واستعرض الخشت ضرورة الدعوة للتفكر وإعمال العقل النقدي كدعوة قرآنية أصيلة في مقابل العقل الجامد الحاضن لنصوص القدماء والمفسر لها حرفيا بعيدا عن الواقع المتجدد، وبعيدا عن النظر في الآفاق وفي الأنفس وفي الكتاب. وتوقفت المحاضرة عند أهم ملامح الديكارتية ودورها في تجديد الخطاب الديني في الغرب، وكيف انقسمت بعد ديكارت -وبسبب منه- إلى عقلانية لاهوتية وعقلانية نقدية في الفكر الأوربي، لكن الغلبة كانت لتيار العقلانية النقدية التي سارت بعيدا عن درب لاهوت العصور الوسطى المكرس لسلطة رجال الدين وملاك الحقيقة المطلقة. ثم أوضح الخشت كيف تم استقبال ديكارت في الفكر العربي الحديث. وأيضا كيف انقسمت الديكارتية في الفكر العربي إلى تيارين: عقلانية لاهوتية وعقلانية نقدية، لكن الغلبة هذه المرة كانت للعقلانية اللاهوتية التي ارتمت في أحضان المتعصبين والعقول المغلقة. وأضاف الخشت: إن المشكلة التي واجهها أبو الأنبياء إبراهيم في عصره كانت مشكلة التقليد والاتباع الأعمى للآباء وكبار القوم؛ ومنهجهم القائم على اليقين المطلق بصحة أقوال السابقين وسدنة الدين والتاريخ. والمشكلة التي واجهها ديكارت وعصره هي أيضا سيادة أقوال الكهنة وتفسيرهم الأحادي للكتاب المقدس. وكيف رفض إبراهيم عليه السلام إسكات عقله، ورفض ديكارت ورفاق عصره إسكات عقلهم. مع إبراهيم بدأ دين جديد يرفض التقليد، ومع ديكارت ورفاق عصره تم الشروع في تأسيس عصر جديد وخطاب ديني جديد تراجع فيه لاهوت العصور الوسطى الذي كان يحتكر فيه المتعصبون في أوربا الحقيقة الواحدة والنهائية. وفي ختام المحاضرة قام الحضور بفتح حوار حول أهم القضايا التي أثارتها المحاضرة، ومن أبرز المداخلات مداخلة د. عبد العزيز آل الشيخ، ود. إبراهيم الشتوي، ود. عبد الكريم السمك، ود. طلال الشهري