الانتفاضات العربية غيرت صورة بلادنا وغيرت عرب المهجر كان ما يقدمه الاعلام الالماني عن مصر لسنوات، باستثناء قنوات محدودة، شبه مقصور علي تاريخها الفرعوني .. البرامج التليفزيونية وما تنشره الصحافة ودور النشر اخذتها موجة ما يسمي الاجيبتومانيا .. الاعلام المفتون بالآثار الفرعونية وخاصة الاكتشافات الجديدة، كان موضوع اهتمام شبه يومي .. في غياب شبه تام عن متابعة حاضر مصر وشعبها. وحتي زيارات الرئيس المصري المتكررة لم تكن تحظي سوي ببضعة ثوان علي الشاشة او بضعة سطور في صحيفة .. فيما عدا ذلك اخبار غرق عبارات او حوادث القطارات او لا اخبار علي الاطلاق. رفض رؤية الواقع خلافا للبحث العلمي الجدي الذي واصلته الجامعات الالمانية لفهم التطور الجاري في بلدان الشرق الاوسط عموما ومصر خصوصا لم تنشغل المقالات التحليلية المنشورة في الصحف الكبري او المذاعة في برامج حوارية باحتمالات التطور، رغم الحركات الاحتجاجية التي لم تنقطع في مصر طوال سنوات. موضع الاهتمام تركز في الاغلب علي دور مبارك في ما يسمي "عملية السلام"، وقضايا "مكافحة الارهاب" و"الحفاظ علي استقرار الشرق الاوسط" . أماما تبقي من موضوعات مثل أفاق التطور في مجموعة البلدان العربية فقد سلطت عليها "النظرة الاستشراقية القديمة" التي تعني رؤية موضوع البحث طبقا لترسانة الاحكام المسبقة، والتي تناسب مصالح العالم الغربي. مثال علي ذلك التقييم الايجابي للاقتصاد المصري في العهد المباركي لالتزامه بشروط وخطط البنك وصندوق النقد الدوليين دون محاولة جدية لقراءة التبعات الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية والسياسية الكارثية لتلك الشروط والخطط. حقا لم تخل تقارير الهيئات الدولية عن العالم العربي من نصائح بخصوص "الحكم الرشيد" بل نصت اتفاقيات عديدة، كما هو الحال في الاتفاقيات مع الاتحاد الاوروبي، علي مكافحة الفساد واحترام حقوق الانسان، الا انها كما بينت التجربة التاريخية كانت بمثابة "ورقة التوت" لتمرير الاتفاقيات في هيئات الاتحاد الاوروبي. ومارست النظرة الاستشراقية القديمة وظيفتها في التبرير لسياسات الغرب الداعمة للنظم السلطوية اذ روجت لفكرة ان الديمقراطية لا تصلح او لا تتوافق مع العالم الاسلامي. علي سبيل المثال روج لهذه النظرة العنصرية كتاب في المانيا باع نحو 3,1 مليون نسخة (1300000) واحتفت به عند صدوره كبريات الصحف والقنوات التليفزيونية الالمانية. 25 يناير قدم نموذجا الانتفاضات العربية مارست تأثيرا مهما علي الوعي العام. وكانت ردا الجم دعاة الفكر العنصري الرائج. كتب المفكر اليساري الايطالي انتونيو نيجري عن الانتفاضات العربية "هذه الانتفاضات قامت بعملية تنظيف ايديولوجي سريع وكنست التصورات عن صدام الحضارات... والقول ان المسلمين لا يصلحون للديمقراطية وللحرية". الاعلام الغربي عموما (ووجود استثناءات لا ينفي الموقف الغالب) نظر بتوجس لما يجري. قادة الغرب تلعثموا ازاء الزلزال، وتمنوا صراحة ان ينجح مبارك في استعادة السيطرة علي الوضع.. ثم احتاجوا وقتا ليفهموا ان الحليف القديم قد سقط سياسيا ليس بفعل مؤامرة بل بإرادة الملايين من الناس .. بعدها اعادوا حساباتهم للتعامل مع الوضع الجديد والتخطيط لاستخدام ادوات جديدة تمكنهم من السيطرة علي الوضع الذي بدأ في تونس ثم مصر وامتد الي العالم العربي. ولكن الشرق الاوسط الجديد لم تصنعه كوندوليزا رايس بل افتتحته وبدأت تشيده إرادة الشعوب. . صورة العرب .. صورة مصر والمصريين تغيرت خلال اسابيع قليلة خاصة بعد ان شاهد العالم ميدان التحرير ونطق الناس في كل القارات كلمة "التحرير" بالعربية. صور بنات وسيدات مصر مع الرجال في الميدان .. مشاهد تليفزيونية لفتيات محجبات يرفعن صوتهن بالهتاف من اجل الحرية كان لها تأثير عميق علي المشاهدين الاوروبيين. بعد ان فوجئ الغرب بأن العالم العربي المقهور يفجر الثورات جاءت المفاجأة الثانية وهي تأثير نموذج الثورة المصرية خصوصا علي الحركات الاحتجاجية في الغرب ذاته. نموذج الصمود الطويل .. شكل الاعتصامات أو المظاهرات المقيمة، التعددية السياسية للمشاركين مع التوحد حول الشعارات. تضامن انطلقت المظاهرات التضامنية مع الانتفاضات الثورية العربية في مدن اوروبا. الذين اخافتهم الدعايات العنصرية من العرب والمسلمين رفعوا الاعلام المصرية والتونسية واليمنية والسورية. بعد ثلاثة اسابيع من انطلاقة الشعب المصري شهدت مدينة درسدن الالمانية اكبر مظاهرة ضد النازية والتي شارك فيها عشرات الآلاف .. قيادة المنصة ظلت تهتف "كونوا مصريين .. تمصروا!" وظلت مكبرات الصوت تكرر "المصريون صامدون منذ اسابيع حتي تتحقق مطالب ثورتهم، وقد طردوا الديكتاتور .. علينا نحن ايضا هنا ان نصمد حتي نطرد النازيين من بلدنا". ثم خرج شباب اسبانيا مستلهما تجربة ميدان التحرير ليقيم اعتصاما لعدة اسابيع في قلب العاصمة مدريد ومطلبه "الشغل" و"العدالة الاجتماعية". وأطلق علي الميدان الرئيسي اسم ميدان التحرير. ولكن الثورات العربية كان لها ايضا اثر مهم علي حركات المهاجرين من الدول العربية. المهاجرون المحصورون لسنوات طويلة بين حجري رحي .. من ناحية ظروف المهجر وحرمانهم من حقوق سياسية والتعرض للجو الملئ بالدعايات المعادية للعرب والمسلمين، ومن ناحية اخري الانظمة البوليسية في اوطانهم وتعسف الهيئات الممثلة لهذه الانظمة في التعامل معهم . الانتفاضات العربية اعادت للمهاجرين الثقة بالنفس، بل كسبت لهم احترامهم في مجتمع المهجر، لم يعودوا وحدهم. حركات التضامن مع العالم الثالث ايضا اكتسبت زخما بانخراط العرب في صفوفها.