التماسيح.. تعلن الحرب! في الوقت الذي تحلت فيه الثورة الشبابية بالروح الرياضية في ميدان التحرير.. نجد أن عملاء النظام البائد قد أهدروا هذه الروح الرياضية في ستاد القاهرة. المظاهرة المليونية التي اجتاحت ميدان التحرير والمحافظات يوم الجمعة الأول من أبريل 2011 والتي رفعت شعار «جمعة إنقاذ الثورة».. لم تكن كغيرها من المظاهرات المليونية التي عرفناها منذ شهر يناير الماضي. المظاهرة المليونية الأخيرة.. كانت مختلفة.. وأتصور أن تاريخنا الحديث سوف يتوقف أمامها طويلا.. باعتبارها نقطة التحول الكبري في المعركة الدائرة بين النظام السابق وحزبه.. ورموزه.. وبين الثورة التي تسعي للتغيير وبناء المستقبل علي أسس عصرية تقوم علي تبادل السلطة وسيادة القانون وتواكب الزمن. ويعود الإحساس.. بأنها نقطة تحول.. لكونها جرت في ظروف عالمية وعربية ومحلية تختلف عن المرات السابقة. ففي هذه المرة.. لم تكن مياه نهر النيل العظيم.. بالهدوء الذي عرفناه من قبل. كانت مياه النيل تتحرك بفعل مجموعة كبيرة من التماسيح المتربصة.. تطل برءوسها في موكب يتصدره التمساح الكبير. التماسيح المفترسة.. تتحرك تحت المياه.. وتدبر.. وتتآمر.. ولا يظهر علي السطح سوي رأس التمساح الكبير.. الذي يكشف.. ربما للمرة الأولي.. بمثل هذا الوضوح.. عن الخلل الواضح في توازن القوة.. بين تماسيح تهدد.. وتتربص.. وتتآمر.. وهي متسلحة بتجارب الدول المجاورة.. ومتسلحة بعناصر دولية لها مصالحها في الإبقاء علي الأوضاع القديمة. وبين شعب أعزل.. لا يملك سوي الشعارات التي تنادي باحترام مطالبه المشروعة في حياة آدمية وإنسانية كريمة.. ومحاكمة الفاسدين والقتلة.. وعصابة اللصوص. الموقف الآن يتلخص في معركة غير متكافئة بين الشر والأشرار الذي تمثله التماسيح المتربصة.. بكل أدوات الغدر والقوي والشراسة.. وبين أمة تسعي للتحرر. اهدار قيم الثورة في المرات السابقة شهدنا معارك البغال والجمال والخيول.. وشهدنا سقوط أكثر من 800 شهيد وآلاف الضحايا.. الذين تعرضت حقيقة أعدادهم للتلاعب الرسمي.. أما الآن فالموقف يبدو مختلفا، وبات أمام الثورة دعوتان: الدعوة الأولي هي المصالحة.. أي المصالحة بين التماسيح التي لا تبدو منها سوي الأنياب! الدعوة الثانية.. هي التلويح بأن للصبر حدودا.. وانظروا إلي ما يجري في الدول المجاورة.. وفي ليبيا وسوريا علي وجه التحديد (!!) والدعوتان هما تطبيق ساذج لفكرة العصا.. والجزرة.. ولا يمكن أن تصدرا إلا عن عقليات أدمنت خيانة الأوطان. فالثورات علي مر التاريخ.. لم تعرف المصالحة.. لسبب بسيط هو أن الثورات تعني رفض الشعوب لأن تحكم بالطريقة القديمة. الثورات تعني الإطاحة بالنظم القديمة.. ومحاكمة أصحاب السلطة الذين أفسدوا الحياة السياسية.. ولا تعني المصالحة إجراء مفاوضات تصالحية.. والجلوس حول موائد المفاوضات والوصول إلي حلول وسط.. في إطار ما يسمي بالحوار الوطني. ولذلك فإن فكرة.. تنازل لصوص النظام القديم عن الأموال التي نهبوها في مقابل العفو عن الجرائم السياسية التي ارتكبوها تنطوي علي إهدار للقيم النبيلة التي تقوم عليها الثورات. وبالتالي فإن هذه الدعوة لا تقوم علي المبادئ التي قامت عليها الثورة المصرية المجيدة.. وقد تم الإعلان عن رفضها.. وكان ذلك واضحا في المظاهرة المليونية الأخيرة التي طالبت بمحاكمة حسني مبارك ورجاله.. وأعلنت رفضها لما يسمي ب «الحوار الوطني» الذي يستهدف كسب الوقت وإتاحة الفرصة لفيالق التماسيح كي تعيد تنظيم صفوفها والانقضاض علي أهداف الثورة في الوقت المناسب. وفي هذا الإطار تطرح العديد من علامات الاستفهام حول التباطؤ في محاكمة رموز النظام البائد.. فيما يطلق عليه «التواطؤ بالتباطؤ».. ونحن هنا لا نتهم أحدا بالتواطؤ.. أو جهة محددة بتعمد التباطؤ.. من باب التواطؤ.. ولكن المراقب لتحركات رموز النظام السابق.. ورجاله الذين أفسدوا الحياة السياسية وكونوا الثروات.. ونهبوا خيرات الوطن لسنوات طويلة.. يطرح هذه الشكوك المشروعة التي يشعر بها عامة الناس.. وتدفعهم للقلق حول المستقبل. ووسط هذه الحالة من القلق.. رفع البعض شعار «لا مصالحة» إلا بعد المحاكمة.. وهو شعار لا نتصور إمكانية تحويله إلي واقع لأن المحاكمات.. في حد ذاتها.. سوف تثبت استحالة التصالح مع أفراد هذه العصابة. وإذا تأملنا المحاكمات التي جرت لرموز النظام البائد في ألمانياالشرقية.. علي سبيل المثال.. وعلي وجه التحديد محاكمة ايريك ميلكة مدير المخابرات الذي كان يوصف بالأسد المرعب.. لوجدنا أن المحاكمات.. وإذاعتها علي الملأ.. كانت الدليل علي استحالة «المصالحة» مع هؤلاء الجبابرة الذين استهانوا بشعوبهم إلي أبعد حدود يمكن أن يتخيلها العقل. صحيح أن هذه المحاكمات لم تتعرض لمسروقات وأموال منهوبة مودعة بالخارج.. علي نحو ما جري عندنا في مصر.. إذ لم يكن الفساد هناك قد وصل إلي الحد الذي شهدناه في مصر.. إذ لم يوزع الزعيم هونيكة الأراضي بالأفدنة.. ويستحل المال الحرام.. إلخ. التلويح بالقوة كانت المحاكمات.. محاكمات سياسية. ومع ذلك فلم يكن من المتصور إجراء أي تصالح مع هذه المجموعة.. بعد الإعلان عن المحاكمات. أعود إلي الدعوة الثانية التي تتردد هذه الأيام والتي تحمل في طياتها ملامح التلويح باستخدام القوة.. علي النحو الذي نراه في الدول المجاورة.. علي أساس الولاياتالمتحدة تسعي لإبقاء رموز النظام السابق بعد تغييرات في الوجوه والأسماء فقط.. كيلا تخرج مصر من التبعية الأمريكية. بما يعني أن الولاياتالمتحدة سوف تساند أي خطوات تقوم بها التماسيح.. للقضاء علي الثورة. والحقيقة أن أصحاب فكرة التلويح باستخدام القوة علي نحو ما يجري «في الدول المجاورة».. يتجاهلون حقائق الواقع المصري. الواقع المصري يختلف جذريا.. عن الأوضاع الثقافية والاجتماعية والقبلية والعشائرية.. المنتشرة في العديد من الدول المجاورة. ما يجري في ليبيا.. لا يمكن أن يتكرر في مصر.. والذين يتصورون إمكانية توجيه الأوامر والتعليمات للقوات المسلحة المصرية بإطلاق المدافع علي المتظاهرين.. بصرف النظر عن الشعارات التي يرفعونها.. هم واهمون.. لسبب بسيط هو أن القوات المسلحة.. ليست مجموعة من المرتزقة وإنما هي شريحة طاهرة من أبناء هذه الأمة. وأنا هنا لا أتحدث عن تاريخ الجيش المصري.. عبر تاريخه الطويل.. وإنما أتحدث عن واقع نعيشه.. اليوم.. وأنا أكتب هذه السطور. شباب القوات المسلحة المصرية.. هم شريحة من شباب مصر.. بكل طبقاتها الاجتماعية.. وثقافاتها.. وتراثها الفكري والحضاري.. ومشاكلها المعاصرة.. ومعاناتها الطويلة في السنوات الثلاثين الأخيرة. شباب القوات المسلحة.. هم أبناء الأسرة المصرية.. التي يكد فيها الأب ويجد لتدبير نفقات المعيشة.. وتكد فيها الأم لتدبير.. الغذاء والكساء.. وتوفير الحد الأدني من المواد الغذائية.. ويسعدها الحصول علي أنبوبة بوتاجاز. العقل الجديد شباب القوات المسلحة.. هم أبناء الأسرة المصرية التي أغلق الرئيس المتخلي حسني مبارك.. طوال سنوات حكمه التي امتدت لما يزيد علي 30 سنة.. أبواب الأمل في المستقبل.. ودفع الغالبية العظمي منهم تحت وطأة البطالة والإحباط للهجرة غير الشرعية. والبحث عن عمل شريف في أي بقعة من بقاع العالم. شباب القوات المسلحة يفكر بالعقل الجديد الذي خرج يطالب بتنحي الرئيس المتخلي حسني مبارك ومحاكمته. شباب القوات المسلحة.. هم جزء من شباب ميدان التحرير الذين يقودون الثورة المجيدة.. ولذلك فإنه عندما تحين اللحظة التي يقف فيها بين خيار اطاعة الأوامر وخيار الانضمام لشباب الثورة فسوف يقع اختياره علي الانضمام لابناء جيله الذين خرجوا يضحون بحياتهم من أجله.. ومن أجل أسرته.. وبالتالي من أجل وطنه. أري أن ما يصدر عن قوافل التماسيح.. من تهديدات هذه الأيام تحت جملة (انظروا لما يحدث في الدول المجاورة).. لا ينطوي فقط علي جهل صارخ بواقعنا المعاصر..وإنما ينطوي أيضا علي خطورة استخدام بقايا النظام البائد للعقليات القديمة التي ادارت بها شئوننا السياسية والاقتصادية والاجتماعية طوال أكثر من 30 سنة..وأدت إلي ما نحن فيه من خراب. والقضية هنا لا تتعلق بالرموز السافرة التي ظهرت علي المسرح في الأسابيع الأخيرة.. وانما أعني فيالق التماسيح.. تختفي تحت مياه النيل.. ولا تظهر منها سوي الأفواه.. والأنياب المستعدة للانقضاض إذا أتيحت لها الفرصة. أعني بقايا رموز الحزب السرمدي التي تدير المعارك من مكامنها السرية.. لإثارة موجات من القلق والإحباط وشن الحروب النفسية لكسر شوكة الثورة. وإذا تأملنا أعمال التخريب المدبرة التي نشهدها كل يوم نجد أن وراء كل منها عقولا خططت وإدارات أعمال التنفيذ والتمويل.. بحرفية فائقة .. لا يمكن تصور وقوعها بمحض المصادفة. هل يمكن أن تقع المهزلة التي شهدها ستاد القاهرة أثناء مباراة فريق الزمالك والفريق التونسي الشقيق.. بلا تخطيط مسبق وبلا عقلية مركزية خططت لها؟ أن ما جري في ستاد القاهرة يوم السبت الثاني من ابريل 2011.. وتناقلته أجهزة الإعلام العالمية.. ونقلت صورة لملايين المشاهدين في كل أرجاء الدنيا.. لا يمكن أن يحدث من قبيل المصادفة.. ويكون اختيار الفريق التونسي علي وجه التحديد قد جاء عفو الخاطر. ففي الوقت الذي ضربت فيه الثورة المصرية المجيدة.. المثال المشرف لشبابنا الذين تظاهروا في ميدان التحرير.. نجد أن عصابات من قيادات النظام القديم.. قد خرجت تدبر وتخطط لتشويه هذه الصورة المجيدة.. وتنقل للعالم حالة الفوضي التي آلت بمصر من جراء تخلي الرئيس مبارك عن السلطة. مختصر الكلام وفي الوقت الذي تحلت فيه الثورة الشبابية المجيدة بالروح الرياضية العالية.. نجد أن عملاء النظام القديم الذين دبروا جريمة الاعتداء علي الفريق التونسي الشقيق.. قد أهدروا هذه الروح الرياضية.. في ستاد القاهرة.. أي في المكان الذي يتوقع فيه المشاهد والمتابع للمباريات أن تتسم التصرفات داخله.. بالروح الرياضية العالمية. والمؤسف في الموضوع.. أن تشهد مباريات كرة القدم التي تجري مع الفرق الرياضية العربية الشقيقة هذه المهازل الأخلاقية.. التي تتسم بإهدار القيم التي كان يتعين أن تسود بين الأشقاء الذين تربط بينهم أواصر.. التعاون والحب.. داخل الملاعب وخارجها. اختصار الكلام.. أن التماسيح التي بدت في مياه النيل يوم مظاهرة (انقاذ الثورة) .. قد بدأت الحرب.. فعلا.. ونحن أمام مرحلة تتسم فيها جرائم النظام القديم بالعنف.. الذي جسدته أحداث مباراة الزمالك والفريق التونسي الشقيق. ولذلك.. فسوف يقف التاريخ طويلا أمام هذه المرحلة.. التي نتمني ألا تستمر لشهور طويلة قادمة.. تقوم خلالها تماسيح النظام البائد.. بإجهاض الثورة المجيدة.. والإطاحة بالآمال التي عقدت عليها.. من أجل مستقبل أفضل وحياة كريمة.