عقد جورج ميتشيل (مبعوث الرئيس الأمريكي للمصالحة في الشرق الأوسط) مؤتمراً صحفياً بالاشتراك مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري يوم الخميس الماضي بعد نهاية مقابلته الرئيس الأسد، قال فيه كلاماً عاماً لا جديد فيه ولا تحديد لمفاهيمه، تناول الاهتمام الأمريكي بالصراع العربي الإسرائيلي، وإصرار السياسة الأمريكية علي الوصول إلي حلول وتسويات، وعدم رغبتها في تجاهل الدور السوري، واعترافها بضرورة إيجاد تسوية سورية إسرائيلية، واهتمامها بالسلام والاستقرار في المنطقة، وما يشبه ذلك من العبارات الفخمة التي لا مدلول حسياً لها ولاتقدم التزاماً أو أفكاراً أو خططاً واضحة، أو حتي مواقف محددة من قضايا المنطقة الشائكة، وعلي رأسها الصراع العربي الإسرائيلي. والملاحظ وهذا ما يحمل بعض الغرابة أن تصريح ميتشيل كان مكتوباً، رغم خلوه من أي مفاهيم محددة، مما يشير إلي أن هذا التصريح كُتب للسيد ميتشيل وهو الدبلوماسي المخضرم لئلا يقع في خطأ ما، أو يتلفظ بالتزام ما لا تريد السياسية الأمريكية الالتزام به، أو علي الأقل يؤكد أن مهمة ميتشيل في سورية ولبنان لا تعني شيئاً سوي القول لقيادتي البلدين وربما للرأي العام فيهما، إننا لم ننسكم، وإياكم من ردود الفعل غير المحسوبة، وليبق باب الأمل بدورنا القادم مفتوحاً حتي إشعار آخر. خاصة أن قيادتي البلدين، صرحتا أكثر من مرة خلال السنوات السابقة برغبتهما بل إلحاحهما علي رعاية الإدارة الأمريكية لأي مفاوضات مباشرة مستقبلاً، وحتي القيادة السورية، التي تؤكد كل يوم إصرارها علي استمرار الدور التركي، لم تخفِ رغبتها بمثل هذا الدور الأمريكي فيما إذا تحولت المفاوضات غير المباشرة التي يرعاها الأتراك إلي مفاوضات مباشرة يرعاها الأمريكيون. ولم تكن الأخبار السورية التي تسربت عن مقابلة ميتشيل للرئيس الأسد، والتي نقلت بعض تصريحاته بأقل عمومية من تصريحات ميتشيل، مثل تأكيده علي أهمية السلام ورغبة سورية فيه، وأن إعادة الأرض إلي أصحابها ليست بتنازلات كما تزعم الحكومة الإسرائيلية، وإنما هي اعتراف بحقوق العرب وتعبير عن الرغبة بالسلام. اعتدال سوري وكأن الطرفين السوري والأمريكي كانا متفقين علي عمومية تصريحاتهما، وعدم التحدث بالمحسوس، والقبول المؤقت بالحال القائم، وعدم إزعاج أي منهما الآخر أو إحراجه، في ظروف دقيقة وحساسة، تمر بها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وعلي أبواب الانتخابات النصفية الأمريكية. لقد كانت السياسة السورية الرسمية معتدلة خلال الأشهر الماضية تجاه السعي لعقد مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مباشرة، ثم تجاه مؤتمر الرؤساء المصغر الذي عقد في البيت الأبيض، وأعلن فيه عن استئناف المفاوضات وأخيراً بعد بدء هذه المفاوضات. فلم يتفوه أي مسئول سوري بتصريح معاد لها، ولم يصدر أي بيان رسمي يشجبها، ولوحظ أيضاً اعتدال المنظمات الفلسطينية المقيمة بدمشق والمعادية لها في مواقفها وتصريحاتها. إلا أن الصحف السورية ووسائل الإعلام انتقدتها وشجبتها، ورغم أن معظم إن لم يكن كل هذه الصحف والوسائل رسمية أو شبه رسمية، فإن احداً لم يستطع إلصاق موقفها بالموقف السوري الرسمي، الذي كان واضحاً اعتداله وهدوؤه بانتظار نتائج المفاوضات، التي يؤمن يقيناً أنها ستفشل، وهو ينأي بنفسه هذه المرة عن الاتهام بالمساهمة في فشلها، انتظاراً لموقف الغرب (الأمريكي والأوروبي) اللاحق للفشل، والذي لابد أن يتغير بعد الفشل، ويأخذ موقف السياسة السورية المعتدلة بعين الاعتبار سواء من حيث تحليلها الأحداث أم مفاهيمها أم في التعبير الصادق عن رغبتها بالسلام. قبل زيارة جورج ميتشيل لدمشق، زارها جان كلود كوسران، مبعوث الرئيس الفرنسي للسلام في الشرق الأوسط، وهو خبير في شئون المنطقة، وكان قد عمل دبلوماسياً في مصر وسورية ولبنان وإسرائيل، كما تولي رئاسة المخابرات الخارجية الفرنسية، وقابل بدوره الرئيس الأسد، الذي أبلغه تمسك سورية بالرعاية التركية للمفاوضات غير المباشرة، وقد زار كوسران تركيا وإسرائيل مما أكد أن فرنسا تعمل بدورها للوصول إلي تسوية، ويعتقد المراقبون في سورية وفي غيرها أن فرنسا إنما تعمل كي يكون لها شأن في شئون المنطقة، بما يسوغ لها أن تكون شريكاً في الحل يوماً ما، وأنها بنشاطها هذا إنما كانت منسقة تماماً مع الإدارة الأمريكية. ضجيج التصريحات ورأي البعض أنها تنفذ رغبة هذه الإدارة كي لا تشعر القيادة السورية بفراغ وعدم اهتمام خلال انعقاد المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وبالتالي فإن مهمة كوسران تسعي لتحقيق نجاحات فرنسية، وتلعب بالوقت الضائع. وفي الحالات كلها، مثلما جاء كوسران مثلما ذهب، أي أنه تعامل مع تصريحات عامة، تعبر عن نوايا حسنة، وتصدر ضجيجاً يوحي بالتواجد الأوروبي، ويحاول منع السياسة السورية من اتخاذ مواقف متطرفة من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، خاصة أن السياسة الفرنسية منذ تولي الرئيس ساركوزي السلطة، ساهمت بحنكتها ومرونتها ومنطلقاتها بترويض السياسة السورية، وتحقيق اعتدالها، سواء في لبنان أم في فلسطين، أم في العراق، أم في بنية العلاقات السورية الإيرانية وتبين لها وربما للغرب عامة أن الحوار مع القيادة السورية هو أكثر جدوي من الضغوط والتهديدات، التي تمارسها السياسة الأمريكية منذ عهد الرئيس جورج بوش. يبدو أن السياسة السورية سوف تنتظر وصول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلي طريق مسدود، وعندها قد تنفتح أمامها طرق عديدة.