القرار المهم الذي اتخذه مؤتمر مراجعة اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية هذا الأسبوع، والذي يطالب إسرائيل بالانضمام إلي الاتفاقية الدولية، يمثل انتصارا سياسيا مهماً لمصر والدول العربية، بعد أن نجحوا أخيرا في ذكر إسرائيل بالاسم في هذا القرار، ودعوتها للانضمام إلي الاتفاقية، لتنفيذ قرار آخر صادر عن أحد مؤتمرات المراجعة عام 1995 والقاضي بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي.دون تحديد أسماء الدول النووية. بالطبع كان مفهوم ضمنيا أن القرار مقصود به إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، والتي اتبعت منذ تأسيس برنامجها النووي عام 1955 سياسية الغموض والإنكار، فلم تنف أو تعترف بامتلاكها أسلحة نووية، وتركت للعالم العربي تحديد خياراته في ظل حقيقة دامغة لا تقبل الشك حول امتلاك إسرائيل ترسانة نووية تضم 300 رأس نووي ومنصات إطلاق صواريخ قادرة علي حمل تلك الرءوس إلي أي مكان في الشرق الأوسط، دون خشية تعرضها لأي ضربة مقابلة. النجاح العربي سيظل بلا أي فاعلية في ظل الرفض الإسرائيلي السريع لهذا القرار، حيث أكدت علي لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو خلال زيارته لكندا أن إسرائيل لن تشارك في تطبيق الاتفاق، بحجة أن هذا القرار يتجاهل الوقائع في الشرق الأوسط والتهديدات الفعلية التي تواجهها المنطقة والعالم أجمع. إسرائيل أصلا لم تشارك في مؤتمرات الاتفاقية النووية التي بدأت منذ عام 1970، وتتابع انضمام دول العالم للاتفاقية النووية حتي وصل عدد الدول إلي 189 دولة، بما فيها الدول النووية والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويعقد المؤتمر، كل خمس سنوات لمراجعة مدي التقدم في تنفيذ الاتفاقية النووية، وكان أهم قرار يتم اتخاذه بشأن الشرق الأوسط في مؤتمر 1995 الخاص بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، في أعقاب معركة دبلوماسية مهمة قادتها مصر حين تقدم الرئيس مبارك بمشروع سنة 1990 للمؤتمر بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية. صحيح أن الاتفاقية لم تمنع الهند وباكستان من امتلاك أسلحة نووية، وكذلك فعلت كوريا الشمالية وجنوب أفريقيا وحاولت العراق وليبيا وسوريا امتلاك برامج نووية متطورة، إلا أن الاتفاقية ساهمت فعليا في كبح جماح السباق النووي، الذي أرهق الدول المتسابقة، وهو ما أدي إلي استنزاف الاتحاد السوفيتي - السابق - حيث كان الانفاق علي السلاح النووي علي حساب التنمية المدنية، فيما كان السباق النووي حافزا للصناعات المدنية والعسكرية في الولاياتالمتحدة، التي وجدت استثمارات بالمليارات التهمتها لتطوير ترسانة في الأسلحة النووية، وتطوير تكنولوجيا متقدمة للغاية وهو ما أدت إلي انتعاش للرأسمالية بشكل عام. كيف تنفذ الاتفاقية؟ عودة إلي الاتفاقية الجديدة التي جاء ذكر إسرائيل فيها بالاسم بمثابة انتصارا عربيا مهماً، فإن السؤال الذي يبرز هنا هو كيفية تنفيذ تلك الاتفاقية؟ وبمعني آخر مباشر هل يمكن إجبار إسرائيل علي الالتزام بالاتفاقية الجديدة!. الجواب هو لا، فلا توجد آلية لتنفيذ قرارات مؤتمر المراجعة، ولا توجد مرجعية ملزمة، فلا تستند تلك القرارات علي الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي جري استخدامه ضد العراق لتجريدها من أسلحة الدمار الشامل، التي لم يعثر عليها أبدا رغم الاحتلال الأمريكي لهذا البلد، ورغم كذب التقارير الأمريكية والغربية وكذلك التقارير الإسرائيلية في برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، فلم تعثر قوات الاحتلال علي أي من هذه البرامج أو مخازن السلاح تلك. ومؤتمر المراجعة يفتح أبواب مفاوضات دولية واسعة، وكذلك مفاوضات إقليمية للتوصل إلي اتفاقيات لإدارة الأزمات الدولية بعيدا عن التلويح أو التهديد باستخدام أسلحة نووية، وقدمت روسياوالولاياتالمتحدة نموذجا مؤخرا بإبرام اتفاقية ستارت - 2 لتحل محل اتفاقية ستارت - 1 التي تم التوقيع عليها سنة 1991 وانتهي سقفها الزمني. وفي ظل أجواء الوفاق الجديدة بين روسياوالولاياتالمتحدة، وانتهاء حقبة المواجهة بين الرأسمالية والاشتراكية، فإن للبلدين مصالح مشتركة الآن في لجم السباق النووي، والعودة إلي أسواق السلاح التقليدية التي يتقاسم البلدان أرباحها وعوائدها التي تقدر بالمليارات سنويا. إيران السبب يبقي أن تفسير التطور الأخير بإدراج اسم إسرائيل يأتي في ظل معارضة أمريكية، لم تصل إلي درجة ممارسة الضغوط التي كانت تمارسها الولاياتالمتحدة في السابق لحماية إسرائيل والحيلولة دون الإشارة إليها. أن تحتاج الولاياتالمتحدة إلي تأييد الدول العربية لها خلال المواجهة مع إيران بسبب برنامجها النووي، وفي هذه الحالة فإن ذكر إسرائيل في قرار مؤتمر المراجعة سيأتي ردا علي المطالبة العربية والانتقادات التي توجهها للولايات المتحدة تحت شعار «الكيل بمكيالين». ويأتي هذا القرار في إطار محاولة إيرانية ذكية للهرب من العقوبات الدولية من خلال الاتفاق الذي أبرمته مع تركيا برعاية البرازيل لمبادلة الوقود النووي، وهو اتفاق لقي تأييدا ملحوظا، وتحاول الولاياتالمتحدة تجاوز هذا التأييد بتشديد العقوبات علي إيران التي تدخل المرحلة الرابعة في سلسلة متدرجة من العقوبات حتي تمتثل إيران للطلبات الدولية. وهكذا كسب العرب قرارا مهماً، ولكنه سيظل قراراً من ورق لا تسانده أي قوة لتنفيذه، بل علي العكس فإن إسرائيل توظف الملف النووي الإيراني وتهديدات نجاد ضدها أفضل توظيف لاكتساب الشرعية لبرنامجها النووي باعتباره برنامجاً دفاعياً في مواجهة محاولات لتدميرها، وهو ما يؤكد عليه نجاد وقادة إيران في ضرورة امتلاك قدرات عسكرية شاملة لمواجهة إسرائيل. وفيما يحتفل العرب بالانتصار السياسي في مؤتمر المراجعة، فإن إسرائيل قد تتحرك للرد بطريقتها الخاصة علي البرنامج الإيراني، وهو ما فعلته سابقا مع البرنامجين العراقي والسوري، فيما تكفلت الولاياتالمتحدة بتصفية البرنامج الليبي عبر اتفاق اكتشفت الجماهيرية فيما بعد أنه لم يحقق لها ما أرادته من رفع كامل للحصار عليها. قرار من ورق يضاف إلي ملفات القرارات التي حصل عليها العالم العربي، وبالتالي فلا جدوي للاحتفال أو حتي للاحتفاء.