عندما أُعلن في وسائل الإعلام البريطانية دعوة الجمهور البريطاني" لأداء قسم الولاء للملك تشارلز الثالث "خلال تتويجه في 6 مايو، تبع ذلك بعض ردود الأفعال العنيفة والرافضة لهذه الدعوة. عَبَر الكثير من المراقبون والسياسيون عن استيائهم تجاه صيغة الدعوة، ثم أوضحت الحكومة البريطانية لاحقا أنها كانت دعوة للمشاركة بالصيغ الملكية المتعارف عليها ليس إلا، وأنها كانت مبادرة لمنح المواطنين العاديين دورًا للمشاركة في التتويج. أكد هذا الجدل على وجهات نظر البريطانيون المعقدة تجاه النظام الملكي. منذ وفاة الملكة إليزابيث الثانية العام الماضي، استمرت المؤسسة الملكية في التمتع بدعم واسع. ومع ذلك، أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة الاستطلاع البريطانية أن تأييد الأسرة المالكة قد انخفض من 62 ٪ إلى 58٪. ووجد استطلاع آخر من المركز الوطني للبحوث الاجتماعية أنه في حين أن 55 ٪ من الجمهور البريطاني يعتبرون الملكية مهمة، فإن أولئك الذين يقولون إن الاحتفاظ بها "ضروري ومهم" بلغ 29 ٪ فقط، وهي أدنى نسبة مسجلة بهذا الصدد. تشير هذه الأرقام إلى درجة من عدم الاهتمام لدى عدد كبير من البريطانيين عندما يتعلق الأمر بالالتزام تجاه النظام الملكي والعائلة. مشكلة الملك تشارلز يعتقد معارضو النظام الملكي أن الوقت يعمل في صالحهم، فالنظام الملكي منظومة بالية تعاند التاريخ من وجهة نظرهم. لقد كانت الملكة إليزابيث نجمة العائلة المالكة التي حظيت بإعجاب واسع النطاق من قِبل الملكيين والمناهضين للملكية على حدٍ سواء. وعلى الرغم من تحسن تصنيف قبول الملك تشارلز لدى الجمهور مؤخرًا إلى 62 ٪، إلا أنه يصعب عليه منافسة شعبية الملكة الراحلة. يقول غراهام سميث، الرئيس التنفيذي لمجموعة "الجمهورية: مناهضة للملكية" ومؤلف كتاب :" إلغاء الملكية" أن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة إلى تشارلز، فهو ليس الملكة إليزابيث. تنبُع مشكلات تشارلز من عدد من الاختلافات الرئيسية بينه وبين والدته. في حين أن الملكة احتفظت إلى حد كبير بآرائها الشخصية حول معظم الأمور لنفسها، فإن مواقف تشارلز بشأن العديد من القضايا، من تغير المناخ وصيد الثعالب إلى العمارة الحديثة والطب البديل، كانت منذ فترة طويلة مُعلنة ومتداولة في المجال العام بالمملكة. كما أن بقائه كوريث للحكم لفترة طويلة عرض الكثير من تفاصيل حياته الشخصية للجمهور، من انكشاف خيانته الزوجية أثناء زواجه من الأميرة ديانا، بل ورواج اتهامات واسعة له بتدبير اغتيالها، إلى علاقته المضطربة بابنه الأصغر، الأمير هاري. يقول "ريتشارد فيتزويليامز"، الخبير بشئون العائلة المالكة البريطانية منذ فترة طويلة: "كانت الملكة هي هذه اللوحة الفارغة الرائعة"، حيث تمكن للبريطانيين من عرض آرائهم عليها دون تصورات مسبقة عن ما تعتقده هي. بالنسبة لتشارلز، لدى البريطانيين صورة أكثر تعقيدًا—صورة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها معيبة ومثيرة للجدل. يسعى المناهضون للملكية مثل سميث إلى الاستفادة من ضعف شعبية تشارلز، حيث تهدف الحركة نحو الجمهورية لاستغلال هذا الوضع لانتقاد النظام الملكي، والحجة الرئيسية في ذلك هي عدم جدوة بقائه. بينما يعترف سميث أن كثير من البريطانيين ما زالوا يفضلون النظام الملكي، فإنه يعتقد أن هذا التأييد فاتر. يقول:" نحن لسنا بلد الملكيين…نحن بلد غير مبال إلى حد كبير، لكننا نشهد انتشار لأراء نقدية كبيرة في المجتمع البريطاني تجاه هذه القضية… أعتقد أننا سنرى أن استطلاعات الرأي ستستمر في الانخفاض". في الواقع، خضعت التكاليف المالية للنظام الملكي لتدقيق أكثر كثافة في السنوات الأخيرة سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي، وهو ما يرجع الفضل فيه لنقاد العائلة المالكة من داخل البرلمان البريطاني وخارجه. تظاهرات يوم التنصيب يوم السبت الماضي أثناء حفل التنصيب الملك تشارلز الثالث، قالت شرطة العاصمة لندن إنها اعتقلت 52 شخصًا خلال الحفل، في الوقت الذي تقدم فيه الشرطة تضييقًا متزايدًا بشأن موقفها من المتظاهرين المناهضين للملكية. تجمع الآلاف في وسط لندن للاحتفال بهذه المناسبة، لكنها مناسبة جذبت المتظاهرين كذلك، حيث كان المتظاهرون يرتدون قمصانًا صفراء ويصرخون "ليس ملكي" طوال الصباح. صرحت حركة الجمهورية في الإعلام البريطاني أن الشرطة – دون تقديم أي سبب-اعتقلت منظمي الاحتجاج المناهض للملكية. في حوالي الساعة 7 صباحًا أوقفت الشرطة ستة من منظمي تظاهرات حركة الجمهورية، حسبما قال قائد المنظمة هاري ستراتون. كذلك تم اعتقال غراهام سميث، الرئيس التنفيذي للحركة، وفقًا لشريط فيديو نشره تحالف الحركات الجمهورية الأوروبية. الجمهورية البريطانية الحركة المناهضة للملكية البريطانية ليست جديدة بأي حال، حيث ترجع جذور الحركة المناهضة للملكية في بريطانيا إلى منتصف القرن التاسع عشر، وُجد بالفعل ميول جمهورية لدى الطبقة العاملة البريطانية. كان النقابيون والاشتراكيون الأوائل جمهوريين بشكل طبيعي لأنهم رأوا أنفسهم ديمقراطيين ومعارضين للنفوذ الأرستقراطي. وكان هناك العديد من الأندية الجمهورية، وخاصة في لندن، وعديد من السياسيين مثل تشارلز ديلك وتشارلز برادلو قد أعلنوا تبنيهم الموقف الجمهوري. وجدير بالذكر أن بريطانيا لم تكن ملكية طوال تاريخها، حين شهدت حكم اللورد كرومويل غير الملكي، الذي أعدم الملك تشارلز الأول واستولى على السلطة عبر الشرعية البرلمانية منذ عام 1653 حتى عام 1658، سرعان ما عاد الحكم الملكي، لكن تمكن كرومويل من أن يضع أحجار الأساس الرئيسية لتقويض الحكم الملكي عبر اضعاف العائلة المالكة، مما ساهم في التمهيد للنظام الملكي الدستوري في عضون الخمس سنوات. على صعيد أخر، تتحلى الحركة المناهضة للملكية في استكلندا بزخم وتأثير كبيرين، يتجاوز هذا الميل الذي نشهده في بريطانيا، حيث تتطابق حركة رفض النظام الملكي الاسكتلندي مع نزعة استقلال البلاد عن المملكة البريطاني. أقل من نصف السكان في اسكتلندا يقولون انهم يؤيدون الحفاظ على النظام الملكي،ستة مواطنون من كل عشرة يرون أن استمرار الملكية ليس ضروريًا. وفق استطلاع الذي أجراه مركز أبحاث المستقبل البريطاني، وجد أن 45٪ فقط في اسكتلندا يريدون الاحتفاظ بالملكية-بينما قال 36 ٪ إن نهاية عهد الملكة إليزابيث تمثل اللحظة المناسبة للانتقال إلى جمهورية. كشف استطلاع آخر عن ضعف تأييد النظام الملكي بين الشباب والأقليات العرقية في جميع أنحاء بريطانيا. أيد 40 ٪ فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما الحفاظ على النظام الملكي ، بينما أيده 37 ٪ فقط من الأقليات التي تعيش في الداخل البريطاني. كما أن ربع عدد المشاركين بالاستطلاع (25٪) يربطون الملكية بالعنصرية والتطرف – بزيادة قدرها 10 نقاط منذ عام 2012. رغم كل ما سبق، لا تكفي هذه المؤشرات للقول بأن العرش الملكي مهدد في بريطانيا على المدى القريب، ربما يكون مهدد بمحاولة استعادة الرغبة في الانفصال الاسكتلندي بدرجة أكبر، لكن على أي حال، يتوقع مراقبون أن فترة تولي الملك تشارلز للعرش البريطاني قد تؤدي لمزيد من انخفاض الدعم الشعبي لبقاء النظام الملكي، بين عموم المواطنين. قبل اعتقاله، صرح سميث الرئيس التنفيذي لحركة لجمهورية، أنه متأكد من أن بريطانيا ستشهد استفتائًا أو اقتراعًا بشأن بقاء النظام الملكي في المستقبل الغير بعيد. الأمر المؤكد هنا هو أن ما يبدو نظامًا راسخًا من بين الأنظمة السياسية المشهورة حول العالم كنظامًا ملكيًا، في أحد أكثر المجتمعات تقدمًا في العالم، في حقيقة الأمر، يتضح أنه ليس بهذا الرسوخ،حين نرى أن الاجماع الشعبي حول التاج البريطاني يتضائل يومًا بعد يوم، كل ذلك يأتي على ضوء توسع نفوذ الحركات المناهضة للنظم الملكية في جميع أنحاء أوروبا، والتي وجدت لنفسها إطارًا للتنسيق فيما بينها تحت مسمى تحالف الحركات الجمهورية الأوروبية.