بقلم: عبد الستار حتيتة تنتهي صباح الأربعاء 25-12-2019 ،المهلة التي أعطاها الجيش الوطني الليبي المؤيد من البرلمان، لقوات مدينة مصراتة. فقد طلب الجيش الذي يحاول منذ الرابع من أبريل الماضي دخول طرابلس، من قوات مصراتة، الانسحاب من العاصمة ومن مدينة سرت. فمن هي مصراتة؟ ولماذا تحظى بكل هذه الأهمية؟ وماذا إذا لم تستجب لمهلة الجيش؟ تقع مصراتة على البحر المتوسط، وعلى بعد مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، ويحدها من الجنوب الشرقي مدينة سرت. تعد مصراتة ثالث مدينة كبيرة من حيث عدد السكان في ليبيا، بعد كل من طرابلسوبنغازي. يعيش في مصراتة الآن خليط من المتطرفين الدينيين والمتطرفين الجهويين، مع خليط من رجال الأعمال الكبار، حيث يرتبط كثير من أطراف هذا الخليط بالشركات المملوكة لعائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالقصر الأميري في قطر. أثناء تدخل حلف الناتو ضد نظام معمر القذافي، تمكنت قوات مصراتة من الاستيلاء على نصيب كبير من العتاد الحربي الذي كان مملوكا للقوات المسلحة الليبية، خاصة الأسلحة الثقيلة التي كانت في مخازن وزارة الدفاع الليبية في منطقة الجفرة في وسط ليبيا وفي العاصمة أيضا. كما حصلت على عتاد عسكري حديث أثناء قيام قواتها بمحاربة تنظيم داعش في مدينة سرت المجاورة لها في 2016. وعزز من أهمية مصراتة أمام القوى الخارجية الطامعة في ليبيا وجود ميناء بحري كبير فيها، بالإضافة إلى القاعدة الجوية الملحقة بالكلية العسكرية في المدينة. قد يتساءل البعض: كيف كانت قوات مصراتة تحارب تنظيم داعش في سرت، وفي الوقت نفسه أصبحت حاضنة للجماعات الإرهابية في الوقت الراهن؟ في الحقيقة لفظ الليبيون الجماعات الإرهابية وممثليها الذين كانوا نوابا في أول برلمان بعد القذافي. ففي 2014 أسقط الناخبون الليبيون المرشحين الموالين للجماعات الإرهابية، وطردوا من طرابلس حزب جماعة الإخوان وقادته مثل الدكتور علي الصلابي، وقادة من الجماع الليبية المقاتلة، مثل عبد الحكيم بلحاج. ومنذ ذلك الوقت انتقل حزب جماعة الإخوان من طرابلس إلى مصراتة. وهرب كل من الصلابي إلى قطر وبلحاج إلى تركيا. وبدأ مثلث العمل على إنهاك مجلس النواب المنتخب والأجسام المنبثقة عنه، مثل الحكومة المؤقتة والجيش الوطني الليبي. مثلث المتطرفين في مصراتة، وانطلاقا من تركياوقطر، وقف وراء شحن آلاف الأطنان من العتاد العسكري، سواء كان مركبات مصفحة أو دبابات أو أسلحة خفيفة وثقيلة، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الواردة من تركيا. وقام بإعادة تسكين الجماعات الإرهابية في مدينة مصراتة، بمن في ذلك ميليشيا الفاروق القريبة من توجهات تنظيم داعش، إلى جانب الإرهابيين الفارين من مدن بنغازي ودرنة وسبها. مع ذلك ينتشر بضعة آلاف من شباب مصراتة ضمن القوات المحسوبة على المجلس الرئاسي وفايز السراج، لمواجهة الجيش الوطني الليبي ومحاولاته لإقرار الأمن في ربوع ليبيا. ويقف قادة الإرهاب وراء تغذية هذه الحرب. المشكلة أن معظم هؤلاء الشباب غير مدربين بالشكل الذي يؤهلهم إلى التصدي لقوات عسكرية مجهزة. لهذا سقط منهم كثيرون بين قتلى وجرحى. ورغم هذه الخسائر إلا أن أغلبهم تحول إلى وقود لأهداف الجماعات المتطرفة والدول الداعمة لها مثل تركياوقطر. يعيش في مصراتة، وهي مدينة تجارية عريقة، حوالي نصف مليون نسمة. ولم يعد يمر يوم إلا وترى في شوارع المدينة مواكب الجنازات لتشييع من قُتلوا في الحرب في طرابلس. وفي كل مساء ترى خيام استقبال المعزين وهي تنصب أمام البيوت. من الصعب أن تنتصر ميليشيات على جيش نظامي، لكن يمكن أن تتسبب في تأخير حسم المعارك، وفي الوقت نفسه تتسبب في إطالة أمد الأزمة، وفي زيادة الأطماع الأجنبية وتدخل الغزاة في شئون البلاد، وهذا ما يحدث اليوم. أعطى الجيش مهلة لخروج أبناء مصراتة الذين يحملون السلاح مع الجماعات الإرهابية والمارقة، والعودة إلى مدينتهم، وتعهد بعدم قصف قواتهم المنسحبة. أدت مبادرة الجيش التي تنتهي مساء الأربعاء 25 ديسمبر، إلى ارتباك في صفوف أبناء المدينة وقادتها. وبدأ الانقسام، وبدأت عملية الفرز.. فالمتطرفون المرتبطون بكل من تركياوقطر، يريدون استمرار الحرب، ويرفضون المهلة التي منحها الجيش لمصراتة. بينما الفريق الوطني من أبناء مصراتة كانت لديه الشجاعة لزيارة مقر القيادة العامة للجيش في بنغازي، والدخول في أول مفاوضات من نوعها، بين مصراتة والجيش الوطني. لا أحد من الدول الأجنبية – وللأسف معها دويلة قطر – يريد لليبيا أن تستقر. ويسابق الجيش الوطني الليبي – مع قادة من الوطنيين من المدن والقبائل المختلفة – الزمن، للتصدي للمؤامرة الدولية ضد ليبيا والتي بدأت عام 2011 وما زالت مستمرة حتى اليوم. معادلة مدينة مصراتة مهمة للغاية سواء في استمرار الفوضى، أو إنهائها. هكذا كانت أثناء الاحتلال الإيطالي لليبيا والمؤامرات التركية والفرنسية التي واكبتها قبل مائة عام، وهكذا هي اليوم. يدرك الجيش الوطني الليبي أهمية مصراتة، وقدرة أبنائها على المشاركة في بناء مستقبل ليبيا، بعيدا عن الاحتراب وسفك الدماء، ويدرك كذلك أن مصراتة تعد من المفاصل الرئيسية للاستقرار أو الفوضى. ومحور أساسي للتدخل الأجنبي أو التصدي له.