جورباتشوف يضغط على “الكى جى بى” للتنصت على أحاديث يلتسين رئيس المخابرات كريوتشكوف يسلم لبولدين نصوص التنصت شبح إعدام رئيس رومانيا شاوشيسكو كان ماثلاً أمام الزعيم السوفيتى اقترح الإنقلابيون توقيع مرسوم بإعلان حالة الطوارئ أو تسليم السلطة لنائبه ترجمة: د. نبيل رشوان كان جورباتشوف خلال الأعوام الأخيرة من حكمه، بحسب مذكرات بولدين، يضغط على «الكى جى بى» للتنصت على أحاديث يلتسين. رغم اعتراض رئيس «الكى جى بى» كريوتشكوف، الذى قال إن رجاله يرفضون ممارسة هذا العمل. كان كريوتشكوف يسلم لبولدين نصوص التنصت، وبدوره يقدمها لجورباتشوف مباشرة، وكان الزعيم السوفيتى، يخشى من مجرد إمكانية حدوث تحالف لخصومه السياسيين، الذين كان بينهم ليس فقط يلتسين، ولكن حتى مستشاره الليبرالى، “الأب الروحى للبيريسترويكا” الكسندر ياكوفليف وكذلك العسكريون. وكان يقلق جورباتشوف على وجه الخصوص هو إعدام نيكولاى تشاشيسكو فى رومانيا. وفى ديسمبر، نوقشت إمكانية عمل رقابة رئاسية مباشرة من الرئيس على إدارة الكى جى بى، التى تقوم بحراسة الرئيس. قام جورباتشوف بزيادة عدد الحراسة الشخصية، ورفع رواتبها. وأصبح السكرتير العام يستخدم السيارة المدرعة أكثر مما سبق. فى عام 1991 كان حراسه كما فى السابق يتبعون كريوتشكوف. جورباتشوف وحده من كان يتذكر الأحداث فى رومانيا، كان المسئولون عن أمنه قد وضعوها فى ذاكرتهم، لكن استنتاجاتهم كانت مختلفة تماماً. وفى 18 أغسطس، كان حراس جورباتشوف الذين لم ينتظروا قدوم أحد خرجوا لاستقبال ليموزين، ممسكين أسلحة آلية مجهزة. كان أحد قادتهم الجنرال فياتشلاف جنرالوف قد وصل مع المتآمرين. أعطى أوامر بإنزال الأسلحة، لتجنب السيناريو الرومانى (بذنب حراس شاوشيسكو سالت دماء، مما أدى إلى إعدامه). سمح الحراس للزوار المتطفلين بالمرور عبر نقطة الحراسة. هكذا سقط أول خط دفاعى. غير أنه عندما طلب السكرتير العام الدخول إلى المكتب، لم يكن هناك مكان للجنرال بليخانوف رئيس إدارة الكى جى بى. بالنسبة لجورباتشوف كان الخائن، الذى “من أجل إنقاذ نفسه” ذهب للخيانة. كان يقلق جورباتشوف الذى جلس أمام ممثلى المتآمرين، ليس سلوك الحراس، لكن خيانة هؤلاء الذين كان يثق فيهم. برغم أى شيء حاول أن يكسب المواجهة السياسية، التى كان من الممكن أن تنتهى بمأساة له ولأسرته. وبمجرد أن أصبح واضحاً أن المؤامرة حاكها ليس خصومه السياسيين، ولكن هؤلاء الذين كانوا يتملقونه، هنا شعر جورباتشوف بالراحة، والثقة فى نفسه. “كل هؤلاء الأشخاص، الذين أنا دفعت بهم، والذين خانونى الآن” كما كتب جورباتشوف فى مذكراته. فى السابق كان يمسك بهؤلاء الأشخاص كتابعين له، وحتى الآن طرد بليخانوف من مكتبه. بالنسبة لبولدين الذى حضر لكى يلقى عليه “محاضرة عن الأوضاع فى البلاد”، فقد قاطعه جورباتشوف أثناء الحديث وسبه بكلمة “أحمق”. كان الزوار مصدومين. وكان الخيار المقترح منهم على الوجه التالى: إما أن يوقع جورباتشوف مرسوم إعلان حالة الطوارئ، وإما أن يسلم صلاحياته لجينادى ينايف وأن يبقى فى القرم “لأسباب صحية”، وهم سيقومون بكل “الأعمال القذرة” فى موسكو. كان المتآمرون قد ناقشوا من قبل مع جورباتشوف إعلان حالة الطوارئ، كسيناريو احتياطى، وكانوا يراهنون، على أنه سيوافق على أحد هذين الاقتراحين بالتأكيد. لكن جورباتشوف رفض كلا الاقتراحين. “أنا قلت لهم من مذكرات جورباتشوف إذا كنتم قلقون على الأوضاع فى البلاد بالفعل، تعالوا ندعو مجلس السوفيت الأعلى للاتحاد السوفيتى، ومؤتمر نواب الشعب للانعقاد، ولنناقش ونقرر. لكن يجب أن نعمل فى إطار الدستور والقانون. لكن أى شيء آخر بالنسبة لى غير مقبول”. تبين أن جورباتشوف قد عاد من جديد لطبيعته: مفاوضات، مناورات، إقناع. طلب جورباتشوف منهم الكشف عن خططهم ووصف ما اتفقوا عليه بأنه قاتل. وقال للزوار مصافحاً ومودعاً إياهم “فكروا وانقلوا هذا إلى الرفاق”. وتوجه بحديثه للجنرال فارينكوف الذى كان مصراً على إعلان حالة الطوارئ بشكل خاص، قائلاً : “من الواضح أنه بعد هذا الحديث، نحن لا يمكن أن نعمل معاً”. بعد أن خرج الوفد، روى جورباتشوف ما حدث لأسرته ولمساعده أناتولى تشيرنيايف الذى يعمل فى الجهاز الحزبى وصاحب القناعات الليبرالية القوية، وصاحب العديد من مبادرات جورباشوف فى السياسة الخارجية. وكما سجل تشيرنيايف، بعد عدة أيام فى يومياته “هادئ، متزن، كان يبتسم”. لكن فى كل الأحوال لم يستطع أن يبتلع أنهم خانوه. لم يستطع تصديق أن كريوتشكوف كان مع المتآمرين فى سلة واحدة، والتفكير فى أن بين المتآمرين المارشال يازوف، كان صدمة. “ممكن أن يكونوا قد وضعوا اسمه بينهم دون أخذ رأيه؟” كان جورباتشوف يتساءل، وكان يعنى وزير الدفاع الموالى له. كان تشيرنيايف يشعر بإحساس رئيسه، لكنه لم يستطع أن يكتم ملحوظته، أن كل المتآمرين من رجاله. غادر الزوار فيلا جورباتشوف فى حالة من الارتباك. فيما بعد روى السائق، أنه فى الطريق إلى فوروس حيث الفيلا، كانوا منتعشين جداً، وكانوا يتحدثون عن الطقس. فى طريق العودة كلهم كانوا غاضبين وصامتين. فيما بعد أعرب «بولدين» عن أسفه أنهم لم يستطيعوا الاستحمام فى البحر، على أساس أن احتمال الحديث مع الرئيس: كان من المفترض، أن يسير بلهجة ودية، وأنه سيوقع إحدى الوثيقتين المعدتين وسيكون لديهم وقت للاستحمام فى البحر. لكن كل شيء اختلف. أثناء العودة قام زوار فوروس برفع الكؤوس أكثر من مرة، محاولين تهدئة الأعصاب التى فقدوها أثناء الحديث مع جورباتشوف. وقبل هبوط الطائرة فى موسكو بعد ساعتين ونصف، كانوا قد شربوا زجاجة ويسكى كبيرة، وكانوا يمزون بشحم خنزير، وخبز وخضرة. توجهوا إلى الكرملين مباشرة. وفى المكتب الواسع لرئيس الوزراء السوفيتى فالنتين بافلوف (فى هذا المكتب كان يعمل ستالين فى السابق) وهناك استقبلهم المتآمرون الرئيسيون: بافلوف نفسه ورئيس الكى جى بى كريوتشكوف، ووزير الداخلية بوريس بوجو ونائب الرئيس ينايف. كما كان كذلك وزير الدفاع دميترى يازوف الذى، الذى أكد جورباتشوف لبوش على إخلاصه له منذ عدة أسابيع، موجوداً. كان الجميع يعرف رفض جورباتشوف أن يتخلى عن صلاحياته : كان الجنرال بليخانوف رئيس الحراسة قد هاتف كريوتشكوف من الطائرة وأبلغه بكل ما حدث فى القرم. والآن كان المتآمرون ينتظرون عودة الوفد، لكى يسمعوا كل شيء من مصادره ويقررون ماذا سيفعلون. بنظارات طبية، أشيب الشعر، نصف أصلع الرأس، يبلغ من العمر سبعة وستين عاماً، فلاديمير كريوتشكوف، كان أقل الجميع يعطى إيحاء بالمتآمر. “عبقرى الأعمال المكتبية”، المعروف بانطلاقاته الوظيفية والحذر، فى بداية الخمسينيات، عمل فى وزارة الخارجية، ثم فى السفارة السوفيتية فى بودابست، حيث وجد نفسه تحت جناح يورى أندروبوف. (أثناء فترة عملهما عام 1956 حدثت انتفاضة فى المجر.) فى الستينيات لحق كريوتشكوف براعيه انتقل إلى الكى جى بى، وفى عام 1974 1984 رأس شعبة الاستخبارات الخارجية. فى عام 1988 دفع جورباتشوف به لرئاسة لرئاسة الكى جى بى. كان لدى كريوتشكوف رعاة مقتدرين، بينهم الصديق المقرب من جورباتشوف، الكسندر ياكوفليف. كان الإصلاحيون يريدون أن يرأس الكى جى بى شخص ليس “لا يتمسك بالإيديولوجية”، كما كان فى السابق، لكن شخص من ذوى الخبرة فى العمل الدولى، ويجيد التصدى للغرب دفاعاً عن الاتحاد السوفيتى. كان كريوتشكوف هو الأنسب لرئاسة الكى جى بى، كيف وصل لمنصبه، وما نقاط ضعفه؟.