جرى جدل كبير حول مستشفى 57357 لعلاج أورام الأطفال – الذي بدأ نشاطها كمستشفى جامعي عام فى 1983 ثم تحول إلى خيري منذ عام 2007 قائماً على جمع التبرعات – إما بالدفاع عنه باعتباره مؤسسة علمية تقدم خدمات طبية لا غنى عنها ل 11 ألف مريض سنويا ويضم 320 سرير إقامة دائمة و 400 سرير علاج يومي، و نسبة نجاح تصل إلى 73% و بهذا المستشفى مركز أبحاث متطور يتعاون فيه مع جامعة تيلور الأمريكية كما جاء فى الإعلان الذي قام به المستشفى، و قدمته الصحفية نشوى الحوفي، أو الهجوم على إدارته كما جاء فى سلسلة مقالات وحيد حامد بجريدة «المصري اليوم» لسيطرة عائلة واحدة على مناصبه العلمية و الإدارية – عائلة دكتور شريف أبو النجا -، و لحصوله على تبرعات تصل إلى مليار جنيه سنويا ينفق منها على علاج الأطفال 160 مليون فقط، و الباقي يذهب للمرتبات – 281 مليون لعام 2016 و لم تعلن ميزانية 2017 حتى الآن – و الإعلانات – 136 مليونا -. أن كل ذلك من أجل استقبال ألف حالة فقط كل عام – و ليس 11 ألفا – و نسبة الوفيات تصل إلى 25% برغم أن المستشفى لا يقبل المرضى الذين سبق علاجهم فى جهة طبية أخرى. حق الدولة هذا الجدل كشف عن أمور لم نكن نعلمها متعلقة بالعمل الأهلي و التبرعات التي يقوم بها و الأجور التي يحصل عليها العاملون بالمنشآت التي يرعاها. انكشاف تلك الأمور لابد أن تثير لدينا تساؤلات : هل العمل الأهلي القائم على التبرعات هو الإنقاذ من عدم قدرة الدولة على الإنفاق على قطاع الخدمات من صحة و تعليم ؟. هل قادر فعلاً على حل المشكلات التي تعاني منها تلك القطاعات، و إذا كان قادرا لماذا لم نجد اختفاءً لمشاكل تلك القطاعات أو الأقل نقصا لها، و الحقيقة تزداد يوما بعد آخر. لكن الدولة تراه أملا فى الحل مما جعلها تستنفر أجهزتها لقفل باب التساؤلات حول الإنفاق المالي لمستشفى 57357، و تدخل رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الأستاذ مكرم محمد أحمد لوقف النشر فى تلك القضية معتديا على سلطة النائب العام المختص بذلك و تعرضه للمساءلة أمامه فى سابقة لم تحدث من قبل. هل من الأجدى أن نلح على رجال الأعمال و الأثرياء فى التبرع، و نصل إلى الاستجداء، أم نحصل على حق الدولة منهم بالضرائب عن دخولهم الحقيقية، و نشكرهم و لا نريد مليما زائدا منهم. بل التبرع أصبح وسيلة للتقليل من حجم الضرائب المطلوبة منهم بالمبالغة فى حجمه. الشفافية المفقودة هل هناك قواعد تحكم جمع التبرعات وأوجه الصرف.. أم عملية حرة تخضع لتوجه مسئولي المكان الجامع للتبرع فى الجمع و الصرف، و بذلك يصبح من حقهم إعطاء أعلى أجر لمن يدير المكان. هل استلام المبالغ بإيصالات و الصرف بمستندات أم هي متروكة لضمير من يجمع. هل من حق كل منشأة خيرية الحصول على تبرعات خارجية من دول أخرى. وما حدود تدخل تلك الجهات المانحة فى المنشأة و مطالبها. هل هناك اشراف من الدولة على تلك المؤسسات الخيرية.. أم الدولة أبعدت بحجة أن ذلك تدخل فى المجتمع المدني. يبدو أننا أصبحنا نتبنى التوجه الغربي فى استقلالية تلك المؤسسات ولا نعرف مخيرين أم مجبرين. توجهات الغرب معادية لدور الدولة منذ بداية تكون المجتمع الرأسمالي الذي قام على تحجيم دور الكنيسة والحكام الملوك و الأمراء و طبقة الاقطاع. قامت فلسفته على آراء الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632 – 1704)، و استمد منها الأمريكيون وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكية فى 4يوليو 1776 و هي المبادئ التي قام عليها الدستور الأمريكي بعدها ب 11 عاماً. يرى جون لوك وفقا لما قاله د. زكي نجيب محمود أن قيام الدولة لابد أن يكون برضا الأفراد، و الإنسان الحر المستقل يتنازل عن بعض حريته و استقلاله للدولة ليحمي شخصه و أملاكه من عبث العابثين، و لا يكون من حق الدولة حرمان الفرد من ملكه إلا بموافقته. و المبرر الوحيد أذن لوجود حكومة هو حماية الملكية. سياسة الأجور ما الأجور المناسبة التي يجب أن يحصل عليها العاملون فى الجمعيات الخيرية هل هي كما يحصل عليها العاملون فى مثيلتها فى المنشآت الخاصة حتى نحافظ على جودة الخدمة، أم هي أقل باعتبار أن هذا عمل خيري ليس هدفه المكسب و الخسارة، و أن العاملين به يجب أن يتبرعوا بجزء من رواتبهم كما تبرع أهل الخير. عن الأجر العادل يبدو أن 57357 اختار أعلى الرواتب للعاملين بها بالذات أطباء المتفرغين للعمل به، و من يديره – فى دفاع نشوى الحوفى – يحصل على 59 ألف ليعطي كل وقته لها باعتبار أن هذا الأجر هو العادل للطبيب. هذا المنطق يفتح بابا كبيرا ما الأجر العادل للطبيب ؟. المشكلة أن لدينا أجورا متدنية جدا بوزارة الصحة – برغم الزيادات المتتابعة على مدى السنوات الماضية قبيل و بعد ثورة يناير ليصل الحافز و البدلات إلى ستمائة فى المائة من أساس الرتب بعد أن كان لا يزيد على خمسة وسبعين فى المئة -، و أخرى منفلتة فى المنشآت الخاصة سواءً فى الفحوصات و الجراحات، و يصل فى بعضها الكشف ما يتجاوز الخمسمائة جنيه و يقترب من الألف. فأيهما يمثل الأجر العادل فإذا كان لا هذا ولا ذاك و الأجر الذي وضعه 57357 هو العادل فهل نصدق أن الجراح الذي يجري عمليات استئصال أورام يحصل فى الواحدة على مبلغ لا يقل عن 30 ألف جنيه يرضى أن يبقى متفرغا ليحصل على مبلغ خمسين ألف جنيه شهرياً بمبلغ لا يغطي عمليتين ؟!. الطبيب الذي يكشف عشرة كشوفات بخمسمائة جنيه يوميا بمتوسط دخل 150 ألف جنيه شهريا يرضى بالمبلغ الذي توفره 57357 برغم ضخامة حجمه ؟. و هل نحتاج لتفرغ الاستشاري و الذي يكفينا منه أن يضع خطة العلاج، و يتابع تنفيذها طبيب آخر مقيم ؟. المدرسة اليابانية إذا كنت لن تستطيع حل مشاكل المراكز و المنشآت الحكومية فألجأ إلى البقع المضيئة.. من هنا كانت فكرة إنشاء 34 مدرسة يابانية وسط 55 ألف مدرسة حكومية منحدرة المستوى يتهرب منها الطلبة إلى الدروس الخصوصية، و تأتي 5757 فى هذا السباق.. لكن هل هذا حل لمشاكلنا فحتى من واقع الأرقام التي أعلن عنها فى سياق الدفاع عن المستشفى أنه يعالج 11 ألف حالة سنوياً – و ليس ألف كما يقول وحيد حامد – وإذا كانت اللجنة القومية للأورام بوزارة الصحة أعلنت أن هناك 456 ألف جديدة سنوياً – طبعا تلك الحالات المرصودة.. هناك آلاف الحالات أخرى يتم علاجها بالمنشآت الخاصة و لا يتم الإبلاغ عنها، و أخرى لم يتم اكتشافها أو تم تشخيصها خطأً – فإن ما يقوم به 57357 لا يتجاوز 2% باعتبار أن المركز يعالج أيضا حالات قديمة أو استمرت فى العلاج من العام الماضي. فهل تستطيع تلك المراكز المضيئة حل مشاكلنا الطبية و التعليمية أم تبقى مجرد بؤر فى الظلام. د. هشام قاسم