في الوقت الذي يشغل فيه تجديد الخطاب الديني بال الكثيرين لإصلاح ما شاب الساحة الدينية من إساءات ومغالطات حولت دفة الدعوة عن مسارها الصحيح. توافق ذلك ما طالب به رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بتجديد هذا الخطاب لإعادة الامور لنصابها ربما غفل البعض عن أن هناك خطاباً آخر بحاجة إلي إعادة نظر بعد أن فقد هو الآخر هويته وضاعت ملامحه وسط تغيرات العصر ألا وهو الخطاب الاجتماعي.. علاقاتنا ببعضنا وبمجتمعنا. فبنظرة سريعة علي أحوالنا يتبين لنا اختفاء الكثير من القيم التي تربينا عليها وأمرنا بها الاسلام كصلة الرحم والتكافل وإكرام الجار فما الذي أصاب قيمنا الاجتماعية؟ وما هو السبيل لاستعادتها وعلي من تلقي المسئولية؟ أكد الدكتور عبدالصبور فاضل. عميد كلية الاعلام جامعة الازهر. أن الخطاب الانساني يتكون من علاقات متشابكة لا تنفصل إحداها عن الاخري. لكن هناك عوامل كثيرة باعدت بين الخطاب الاجتماعي وبين المجتمع أو الاسرة الواحدة منها التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات وكل ما استجد من وسائل تكنولوجية أثرت علي الخطاب الاجتماعي ليس علي مستوي المجتمع فحسب وإنما داخل الاسرة الواحدة حيث خلق نوعاً من الغربة عند بعض الاسر وهذا غير مقبول دينياً لأن ديننا يحثنا علي الاهتمام بالقيم الاجتماعية وتعميق التواصل بيننا وبين الاخرين. اضاف إن استعادة التواصل الاجتماعي تستلزم بعض الخطوات التي تلعب الاسرة نفسها دوراً محوريا فيها من خلال إعادة الزخم الاجتماعي عن طريق التقارب والتزاور والحصول علي اجازات قصيرة من التليفزيون والانترنت حتي تستعيد علاقاتها وتماسكها وترابطها مشيراً إلي أن انتشار التكنولوجيا خلق نوعاً من العزلة الاجتماعية علي مستوي الأسر رغم خالة التواصل الافتراضي التي تفرضها تلك الوسائل. أرجع الدكتور عبدالصبور اختلال ميزان العلاقات الاجتماعية إلي صراع الحياة وانشغال أفراد الاسرة بتحقيق الحد الأدني للاحتياجات الفردية وما يستتبع ذلك من هجرة رب الاسرة سواء داخلياً أو خارجياً مما يجعل الاسرة تحتاط من القيل والقال فتتغلق علي نفسها. توهان ديني تطرق الدكتور عبدالصبور فاضل إلي الخطاب الديني الذي يري أن مشكلاته قد تعددت بظهور الفضائيات التي أتاحت لبعض الشخصيات غير المتخصصة الافتاء بغير علم. كما أعطت الفرصة لبعض الاعلاميين بالتهجم علي الدين وتسفيه العلماء والتقليل من بعض الكتب الصحيحة والدعوة للإلحاد والفجور علناً كل هذه العوامل أدت لزعزعة الخطاب الديني لأن الناس يتلقون ما يجدونه أمامهم وهذا التناقض الشديد في الفتوي والرؤي جعل الانسان البسيط يصاب بصدمة ويصبح في حالة توهان ديني يريد من ينقذه منها. استكمل قائلاً: لذا نأمل أن تتوحد جهود وسائل الإعلام لتصب في صالح الانسان والقيم الدينية الصحيحة وهذا يستلزم تكاتف جهود الدولة. لأن الازهر وحده لايستطيع أن يفرض الالتزام علي وسائل الاعلام. لكن لديه بالطبع من الآليات ما يساهم في تحقيق هذا الهدف مثل تحديد جهات معينة للفتوي تقتصر عليها بحيث لايصبح الافتاء متاحاً لأي فرد وهذا يستلزم من الدولة تفعيل القوانين. لأن قوانين الصحافة والاعلام تجرم ازدراء الاديان والفتنة الطائفية والتهكم علي الرسل لكننا للأسف لانجد تفعيلاً لهذه القوانين علي أرض الواقع سواء في مصر أو في العالم العربي الاسلامي. ترتيب الاولويات أوضح الدكتور حذيفة المسير أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الازهر أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب تعريف واضح لمصطلح "تجديد الخطاب الديني" مؤكداً أنه أصبح يؤخذ الان علي محملين إما بمعني استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الانترنت والفيس بوك وتويتر ومعطيات العلم وربطها بأمور دينية استغلالاً للواقع الذي نعيشه كأن نستغل ظرفاً معيناً كالموجود في ليبيا أو السودان ونثير بناء عليه قيمة علاقة المسلم بالجار. أو الشق الثاني الذي يطالب بضرورة ترك الحديث في موضوعات معينة بحكم أنها أصبحت قديمة ومكررة ومملة وهنا تبدأ محاولة الالتفاف علي الثوابت والطعن في السنة والامور الثابتة كعذاب القبر ونعيمه فيتم الطعن فيها انطلاقاً من أن الخطاب الديني لابد أن يكون مسايراً للعصر. لذا فنحن إزاء نظرة غير مدروسة ولا منهجية حول الخطاب الديني الموجود: ما هو وما هي مسالبه وسيئاته وما المطلوب لكي يتم تجديده: هل نترك موضوعات قديمة ونعرض أخري جديدة أم نغير طريقة العرض انطلاقاً من معطيات العصر؟ وهذه إشكالية مثارة منذ عدة سنوات. أضاف: نحن لا نفترض سوء النية في الجميع لكن أكثر ما يثار في وسائل الاعلام حول تجديد الخطاب الديني إما للتهجم والوقوف ضد الثوابت أو للمطالبة بالتجديد دون وضع ضوابط لهذا التجديد. أشار الدكتور المسير إلي أن ما يحدث بلبلة لدي الناس هو ضعف كثير من الخطباء والأئمة في الجوانب العلمية الثقافية المرتبطة بواقع الناس. والاعلام للاسف الشديد يساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة حيث يسعي كل برنامج أو صحيفة دينية إلي أن يكون له شيخ خاص به يكون هو مكتشفه ولا يذهب لقناة أخري أو يكتب في صحيفة غير صحيفته.. هذه الكثرة في الوسائل الاعلامية للاسف لا يقابلها كثرة في العلماء الموثوق بهم في الأمة فتكون النتيجة أن يتم استضافة أشخاص يقومون بتحضير الموضوع الذي سيتحدثون فيه في البرنامج لمدة نصف ساعة مثلاً أو ما يوازي مائتي كلمة في المقال الذي سينشرونه في الصحيفة وفقط. لكن هؤلاء الضيوف في الحقيقة لا يصلحون كمرجعيات في علوم الدين لكن تكرار ظهورهم في وسائل الاعلام يصنع منهم مرجعيات دينية وهم لايستحقون ذلك. والمتلقي بالطبع لايدرك هذه الحقيقة لانه لايعرف عن هذا الشخص إلا أنه الشيخ فلان الذي يظهر في البرنامج الفلاني أو يكتب في الصحيفة الفلانية. وأكد أن هناك فرقاً كبيراً بين القدرة علي الخطاب وبين أن أكون مرجعية دينية لذا يفاجأ الناس بالمرجعيات الزائفة التي صنعها الاعلام تخطئ عندما تصبح في موقف المواجهة مع الجماهير التي تبدأ في توجيه أسئلة شائكة تحتاج لعلم حقيقي وليس مجرد بضع كلمات تم تحضيرها لحلقة هنا أو مقال هناك فتبدأ مرحلة الطعن في هذه المرجعيات المزيفة. أي أننا إزاء مشكلتين حقيقيتين في ما يتعلق بطريقة الدعوة لدين الله الاولي هي ضعف الائمة والخطباء والثانية هي صنع الاعلام لنجوم وعلماء دين لا يستحقون أن يكونوا في هذه المكانة. بل ينحصر دورهم في الوعظ أو توصيل معلومات اكتسبوها نقلاً عن العلماء. وهذا ما أخبرنا عنه رسولنا في قوله صلي الله عليه وسلم: إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم يقبض العلماء في إن لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وأشار الدكتور حذيفة إلي أن الحل يكمن في تطوير أداء الخطباء سواء من ناحية العلم أو اللغة العربية. ومن ناحية أخري لابد علي الاعلام ان يخرج من إطار التعالي ورغبة كل قناة وصحيفة في أن يكون لها عالم خاص بها مستبعداً إمكانية تصدي الازهر لظهور غير المؤهلين في وسائل الاعلام حتي لا يتهم بتصدير فكرة كنوت الازهر في الدولة حيث أكد أن مجرد مطالبة مجمع البحوث الاسلامية بمصادرة أحد الكتب المعارضة لثوابت الدين قابلته موجة اعتراضات تؤكد ان مجمع البحوث رأيه استشاري فقط وأن حرية الفكر مكفولة للجميع. وانهي الدكتور حذيفة كلامه مؤكداً أنه علي الاعلام أن يشعر بمسئوليته. وعلي وزارة الاوقاف والازهر كذلك أن يتحملا مسئوليتهما تجاه الائمة والخطباء بوضع مكافآت وحوافز للاطلاع لتشجيع كل من يجيد في عمله بدلاً من توزيع خطبة موحدة يقرأها الكثيرون دون فهم أو إدراك للاساس الفقهي الذي يقف وراءها. "معايير مقلوبة" أرجعت الدكتورة زينب أبو المعالي أستاذ العقيدة بجامعة الازهر اختلال خطابنا الاجتماعي إلي طغيان المادة علي مجتمعنا نظراً لظروف العصر مما أدي إلي موت الجانب الروحي والمعنوي. فقديماً كانت الحياة بسيطة لكن كان هناك في المقابل رضا بمستوي المعيشة. أما الان فهناك صعوبة في المعيشة والكل غير راضِ عن حياته فأصبح كل فرد في الاسرة منعزلاً في ركن وحده فاختفت القيم الاجتماعية وغابت المودة وصلة الرحم وهذا خطأ كبير. اشارت إلي ان استعادة هذه القيم مسئولية المؤسسات التعليمية كالمدرسة والجامعة وليس المسجد وحده خاصة أن كثيراً من الشباب لا يذهبون للمساجد. لذا لابد من الاهتمام بعقد الندوات واللقاءات مع الشباب في المدارس والجامعات والنوادي لمواجهة ما تبثه الفضائيات المأجورة لتحقيق مصالحها الشخصية والتي لعبت بما تقدمه من برامج في عقول وأدمغة الشباب فقلبت لهم معاييرهم الدينية لنصبح إزاء وضع خطير خاصة في ظل عدم انتماء الشباب حالياً لبلده وعدم شعوره بخطورة الوضع الذي يمر به العالم العربي فأصبح يعيش وحده في بؤرة منعزلة.