ثالثا- ظلمات الكون: وردت كلمة ¢ظلمات¢ في القرآن الكريم 23 مرة. وتشير الكلمة إلي معان معنوية متعلقة بالضلالة في كثير من المواضع. كما تشير إلي معان حسية رتبط بظلمات السماء. وظلمات الأرض. وظلمات البحر اللجي. وظلمات البر والبحر. وظلمات متراكبة. وظلمات بطن الحوت الذي إلتقم نبي الله يونس عليه السلام. وظلمات الخلق في بطون الأمهات. وحينما يقترن ذكر الظلمات والنور نجد أن الظلمات تأتي بصيغة الجمع بينما يأتي النور بصيغة الإفراد. وأيضا تتقدم الظلمات علي النور. ويعنينا هنا الآيات التي تتحدث عن ظلمات الكون والتي يمكن تبويبها في الآتي: 1- الظلمات علي إطلاقها في قوله تعالي: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ " "الأنعام: 1". 2- ظلمات من السماء في قوله تعالي: "أَوْ كَصَيِّبي مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتى وَرَعْدى وَبَرْقى يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطى بِالْكَافِرِينَ" "البقرة: 19". 3- ظلمات الأرض في قوله تعالي: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةي إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةي فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبي وَلَا يَابِسي إِلَّا فِي كِتَابي مُبِيني" "الأنعام: 59". 4- ظلمات البر والبحر كما في قوله تعالي: "أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهى مَعَ اللَّهِ تَعَالَي اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " "النمل: 63". 5- ظلمات البحر في قوله تعالي: "أَوْ كَظُلُمَاتي فِي بَحْري لُجِّيّي يَغْشَاهُ مَوْجى مِنْ فَوْقِهِ مَوْجى مِنْ فَوْقِهِ سَحَابى ظُلُمَاتى بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضي إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُوري" "النور: 40". وسورة الأنعام تبدأ بالحمد لله. ثناء عليه. وتسبيحا له. تبدأ بالخلق في أضخم مجالي الوجود.. السماوات والأرض.. ثم في أضخم الظواهر الناشئة عن خلق السماوات والأرض وفق تدبير مقصود.. الظلمات والنور. وفي قوله تعالي: "وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ " قال العلماء: أوجد الله الظلمات والنور لمنفعة العباد في ليلهم ونهارهم بقدرته وعلي وفق حكمته. فجمع الظلمات» ووحد النور لكونه أشرف.واختلف العلماء في المعني المراد بالظلمات والنور» فقال السدي وقتادة وجمهور المفسرين: المراد سواد الليل وضياع النهار. وقال الحسن: الفر والإيمان. قال ابن عطية: وهذا خروج عن الظاهر. وقال أيضا: وجعل هنا بمعني خلق لال يجوز غيره. وبناء علي ما تقدم ذكره نستلهم من النصوص السابقة ما يلي: 1- أن الله لما خلق السماوات والأرض جعل الظلمات والنور. 2- ربما خلقت الظلمات قبل النور. 3- الظلمات متعددة والنور واحد. 4- الظلمات تعم الكون بأكمله» السماوات والأرض والكائنات. 5- هناك من صور المادة والطاقة مالم يبصره الناس. المعالجة العلمية: تسبح الطيور في جو السماء. وتسبح كائنات البحار في الماء. وتسبح كائنات الأرض معها حول الشمس.وتسبح جمبع أجرام السماء في وسط لا نبصره. ويسود الاعتقاد بين علماء الفلك بأن ذلك الوسط يتكون من مادة سوداء» هي شيء ما هناك في مكان ما. تلك المادة أشبه بما يسميه العامة ¢طاقية الإخفاء¢ لا يري لابسها إلا بتأثير أفعاله في الآخرين. ويري العلماء أن تلك المادة لن تفهم فعلا مالم نأت بها إلي الأرض. حينئذ نقول امسح ما لا تبصر. ولو استطعنا رؤية المادة المعتمة لبدت مجرة درب التبانة مكانا مختلفا تماما» حيث يبدو قرصها ملتفا بضباب كثيف من جسيمات تلك المادة المعتمة. ومن العجيب أن علماء الفلك يؤكدون علي أن النجوم ومجراتها وأسوارها الأعظمية وأجرام السماء علي اختلافها لا تمثل سوي 1% من كتلة الكون. وأن الغاز الكوني مع أشكال المادة العادية تمثل أقل من 5%.ومعرفة طبيعة كتلة الكون المتقبية والتي تبلغ 95% معلق علي رصد تلك المادة المعتمة. ويطلق العلماء علي الجسيم المكون لتلك المادة النيترالينو"Neutralino" وليس ذلك الجسيم أبيبا "بروتون" وليس ولا كهربا "إلكترون" ولا المتعادل "النيترون" ولا الجسيم الخفيف الحر الطليق "النيترينو". وذلك الساحر الأسود ما هو إلا جسيم بارد ثقيل مستقر. لال شحنة له. أنه جسيما شديد التحفظ عزوف عن التصادم ومن ثم يسبح في مادته كل الأجرام. والنيترالينوهات متجانسة فائقة التناظر. وتسبح الشمس في المادة المعتمة بسعة 220 كيلومتر في الثانية قاطرة معها أفراد أسرتها كريشة في مهيبالريح. والمادة تلك وفيرة جدا» حتي أن العلماء يقدرون بليونا من جسيماتها متدفقا عبر كل متر مربع في الثانية الواحدة. ولن نجد تعبيرا أدق من وصف القرآن لها انها الوسط الذي يسبح فيه كل شيء "كُلّى فِي فَلَكي يَسْبَحُونَ". وكان الوصف القرآني ليس سابقا علي إكتشاف تلك المادة فقط» بل مخبرا بوجودها. علما بأن العلماء لم يتمكنوا من رصدها حتي تلك اللحظة. وسبحانه وتعالي يقسم بما يشاء. سواء أبصرناه أو لم نبصره.يقول تعالي: "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولي كَرِيمي" "الحاقة 38 - 40".