يتوقف كثير من أفراد الأمة مندهشين أمام الأحداث الجارية في مصرنا الحبيبة حيث الهرج والمرج والتخريب وسفك الدماء وإشاعة الفوضي ومحاولة تغيير الهوية وموالاة أعداء الأمة. في الوقت الذي كان من المتوقع أن تفرح بذكري المولد والبعثة. وبذكري النصر والعزة. وربيع الثورة والصحوة. وكل ذلك من الله فضل ونعمة. وعون ورحمة. وقد أذن الله لنا معها بالفرحة فقال: "قُل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا" "يونس:58". لكن هؤلاء المندهشين ينسون ما حدث لنبينا القدوة بعد نصر الله له وخروجه من مكة إلي دار الهجرة. حيث واجه قوي الثورة المضادة ممثلة في المشركين والمنافقين واليهود وأصحاب المصالح الخاصة. واستطاع حيي بن أخطب تجميع هذه القوي في غزوة الأحزاب تلك التي يصفها رب العزة في قوله: "إِذ جَاءُوكُم مِن فَوْقِكُم وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُم وَإِذ زَاغَت الأَبْصَارُ وَبَلَغَت الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً" "الأحزاب:10-11". فماذا كان التحرك علي صعيد الواقع؟ .لقد ظهر المنافقون الذين تعلموا علي يد اليهود وأصحاب القلوب المريضة الذين يرغبون في انتهاز الفرص ليحصلوا علي المغانم والمكاسب وأشاعوا في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم إعلاما شيطانيا يهز ثوابت دينهم قائلين: "مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً" "الأحزاب:12" "يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُم فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقى مِنْهُم النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةى وَمَا هِيَ بِعَوْرَةي إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً" "الأحزاب:13". هذا كان موقف الثورة المضادة. فماذا كان تصرف الطائفة المؤمنة؟ لقد ظهر أثر الإيمان واليقين في رفض هذا الإعلام الكاذب إذ ردوا عليهم: "هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً" "الأحزاب:22". لم يعد الله المؤمنين بالنصر دون بذل وصبر وجهاد ومقارعة للباطل» إذ بين سبحانه أن طريقهم مملوء بالأشواك وليسوا بدعا في ذلك وَكَأَيِّن مِن نَبِييّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرى فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" "آل عمران:146". وحرك هذا الإيمان جند الحق أن يستخدموا كل طاقاتهم في إفشال مخططات العدو فاستبقوا وصول كتائبهم بحفر الخندق واشترك معهم سيد الخلق يضرب بالمعول في الصخر فيخرج منه شرر يضيء جهة الروم وجهة الفرس فيبشر جنده بأن الله سيفتح عليهم هذه البلاد. في وقت لا يملك أحدهم أن يخرج إلي الخلاء وحده. وصمد الرجال ومعهم سيد الرجال. وجاء حث الأمة علي ضرورة اقتدائها برسولها صلي الله عليه وسلم في كل ما يأتي ويذر. وبخاصة في مواقف الخطر في هذا السياق: "لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةى حَسَنَةى لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" "الأحزاب:21" ومع تحصيل القوة العسكرية يبرز الجهد الدبلوماسي الرائع في موقف سيدنا نعيم بن مسعود الذي قام بفك الارتباط بين اليهود والمشركين بحيلة كانت أقوي من قبيلة. إذ استطاع بصلته السابقة بكل من قادة اليهود وقادة المشركين أن يشكك كلا منهما في الآخر. وبذلك الجهد المزدوج الذي لم يكن الدافع إليه سوي رفع راية الإسلام نزل نصر الله: "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِم لَم يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِم الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً" "الأحزاب:25-26". وما أحوجنا الآن أن نقتبس من سيرة صاحب الذكري كيف نقضي علي ما نراه من فتن بتحصين الأمة ضد كل الأخطار الخارجية والداخلية التي تتهددها والتي لم تعد سرا ولا ادعاء بل انفتح بفضل الله صندوقهم الأسود طافحا بتخطيط مدروس لتفكيك وحدة هذا الوطن إلي أربع دول بشراء بعض الذمم التي لا ترقب في مؤمن إلاَّ ولا ذمة . تحرق وتخرب وتسفك بقلوب قاسية ودوافع مُغْرَاة بتمويل سخي ووعود بالمناصب العالية في هذه الدويلات المنتظرة التي تخضع في النهاية لسيطرة الصهيونية العالمية. لقد شرع الإسلام عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه بترويع الآمنين وسفك دماء الأبرياء وسلب أموال الشرفاء وما حدىّ الحرابة بمجهول. فمن قطع الطريق وروّع الناس وقتل فجزاؤه القتل والصلب. ومن روّع ونهب فجزاؤه قطع الأيدي والأرجل من خلاف ومن روّع فقط فجزاؤه النفي والطرد أو السجن والاعتقال. لقد خاطب رب العزة نبيه صلي الله عليه وسلم مبينا خطورة هذه الشرائح الثلاث: المنافقين الذين يوالون أعداء الله. وأصحاب القلوب المريضة التي تسعي إلي المتعة الحرام وإلي المصالح الخاصة. ومن يشيع البلبلة ويثير الشائعات ويستخدم الإعلام في تثبيط الهمم فقال سبحانه: "لَئِن لَم يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضى وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً" "الأحزاب:60.61". للحديث بقية في العدد القادم ان شاء الله تعالي