** سأل خالد احمد : لقد قرأت بعض الفتاوي لعلماء داخل ليبيا وخارجها بعدم جواز الخروج علي ولي الأمر لأن طاعته واجبة كما لايجوز التظاهر ضده وما رأيكم دام فضلكم في هؤلاء الذين لايسمعون إلا أهل الفتوي من خارج ليبيا؟ * أجاب الشيخ الصادق عبدالرحمن الغرياني من كبار علماء ليبيا : في هذا الوقت العصيب الذي تمر به بلادنا ووطننا الحبيب ليبيا. أحب أن أزيل اللبس الذي ربما شوش علي بعض الناس بسبب فتاوي مسيسة من داخل ليبيا وأخري مرتبطة بدول تخشي أن يأتيها الدور من خارج البلاد بحجة طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليها. ولذلك فإنني أبين : أولا : إن هذا الاستدلال استدلال خاطيء وفي غير موضعه. فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة لولي الأمر. ولكنه بين في أحاديث أخري عديدة صريحة صحيحة طبيعة هذه الطاعة وحدودها وذلك بقوله : "إنما الطاعة في المعروف" و"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وما يأمر به النظام الآن ويفعله من الاستعانة بالآلاف من المرتزقة الأجانب جلهم من غير المسلمين لتسفك الدماء وتنتهك الحرمات. أمر لايختلف اثنان في حرمته كمعصية من أكبر المعاصي والآثام والخطايا. ولا يجوز لأحد من الجنود والقوات الأمنية طاعته وتنفيذ أوامره. لأن الطاعة في المعروف فقط. وكل من يطلق رصاصة واحدة علي أبناء وطنه يعد قاتل نفس عمدا عدوانا. والله عز وجل ويقول : "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها". ولا يعفيه من المسئولية اعتذاره بأنه مكره من قبل النظام. أو يقول إنه يخشي علي نفسه الموت. لأن الإكراه بقتل النفس غير مباح. وإن أباح الشرع النطق بالكفر لحفظ النفس إلا أنه من غير الجائز أن تقتل نفساً أخري خشية أن تقتل أنت. لأنك مكره علي ذلك. ثانيا : إن الناس خرجوا مسالمين يطالبون النظام بحقوقهم. وهو من المعروف. يأمرونه وينهونه. فهم التالي لم يخرجوا علي النظام الخروج المنهي عنه في الحديث. فهل مسألة نهي النظام عن المنكر وأمره بالمعروف صار أمرا محرما في فهم هؤلاء الشيوخ! أمر النظام ونهيه من أعظم القربات بنص الأحاديث المستفيضة. ومن قتله الحاكم بسبب أمره ونهيه كان في أعلي درجات الشهادة. فقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. وورد عنه صلي الله عليه وسلم أن سيد الشهداء حمزة. ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله. هذا هو المشهد في ليبيا وما حصل بعد ذلك من رد فعل المواطنين فإنما هو موقف دفاع مشروع عن النفس. فمن قتل دون نفسه أو ماله أو عرضه فهو شهيد. كما جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم. وقول هؤلاء المشايخ إن أمر الحاكم بالمعروف ونهيه عن المنكر يكون سرا بين الحاكم ومن يأتيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يكون علنا. مردود عليهم لأمرين : نستشهد للأمر الأول بواقعة عمر حينما قال له الصحابة : لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحد السيف. وكان ذلك علنا بحضور الصحابة ولم ينكره لا عمر الخليفة الراشد ولا أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم. الذين كانوا مجتمعين. وهذا اتفاق منهم علي أن ذلك مشروع. أما الأمر الثاني فإنه لا يوجد حاكم من الحكام المستبدين يسمح اليوم بأن يقول له أحد من رعيته شيئاً يخالف رغبته. وإن فعل ذلك فإن مصيره في غياهب السجون. إن هذه الفتوي تصدر عن المشايخ الذين يتظاهرون بأمر الحاكم ونهيه. وهم يقبلون كتفيه ويديه ولا يخاطبونه إلا بألقاب الفخامة والسيادة ويجلسون علي موائده ويتحفهم بأمواله وهداياه. هل هذا هو أمر الحاكم ونهيه المأذون به شرعا يا أصحاب الفضيلة! هذا بعينه هو الذي استحق به بنو إسرائيل اللعنة. كما أخبر القرآن وجاء في السنن عن النبي صلي الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالي "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داوود وعيسي ابن مريم". فإنهم كانوا يأمرونهم وينهونهم. ولكن كانوا يجالسونهم ويؤاكلونهم ويميلون إليهم. ولذلك استحقوا اللعنة. الأمر الثالث : الذي أريد أن ألفت إليه أذهان شبابنا الذين لا يسمعون الفتاوي إلا من خارج البلاد. أقول لهم : الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ الألباني رحمهما الله تعالي قد قالا كلمتهما فيمن أنكر السنة واستهزأ بالنبي صلي الله عليه وسلم علنا في كثير من خطبه ومدون في بعض كتبه. مثل قوله : "محمد ليس إلا ساعي بريد". فهل هذا هو ولي الأمر الذي تجب طاعته؟! والله أعلم.