أثار فيلم "براءة المسلمين" المسيء للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، موجة غضب عارم اجتاحت العديد من البلدان العربية والإسلامية عقب انتشار مقطع من الفيلم علي مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية والترويج له في الولاياتالمتحدة بيد أقباط المهجر في تحد سافر لمشاعر المسلمين والاستهانة بها.. فاشتدت عاصفة التظاهرات والاعتداءات علي السفارات الأمريكية في كل من مصر والسودان وتونس واليمن، حتي اشتعل فتيل الأزمة بمقتل السفير الأمريكي في ليبيا وثلاثة دبلوماسيين آخرين.. فدخلت تداعيات الغضب الشعبي الذي فجره عرض الفيلم منعطفاً حاداً وأثيرت الشكوك والتساؤلات بشأن الأغراض السياسية لهذا العمل "الشائن" في لعبة الانتخابات الأمريكية.. وحول إعادة التفكير في سياسة واشنطن مع دول الربيع العربي؟ وهل تمثل هذه الأزمة اختباراً لحكام هذه الدول؟ ولماذا يغفل قانون الاضطهاد الديني الأمريكي معاقبة وتجريم الإساءة إلي الإسلام؟ بدأت الأزمة عندما دعا "موريس صادق"، المحامي القبطي المقيم بالولاياتالمتحدة والذي أسقطت عنه الجنسية المصرية، ودعاة تقسيم مصر وإقامة دول قبطية، منهم عصمت زقلمة المعروف برئيس الهيئة العليا للدولة القبطية المزعومة وإيليا باسيلي وإيهاب يعقوب وتيد جيت وايتني ساب وأسامة دقدوق إلي ما اسمه "يوم المحاكمة العالمية لمحمد" في ذكري 11 سبتمبر، وذلك بعرض الفيلم المسيء للرسول بكنيسة القس تيري جونز، الذي قام بإحراق المصحف الشريف، بولاية فلوريدا، بهدف التشكيك في الإسلام وأنه يحرض علي الكراهية وسفك الدماء. ومن الواضح أن محتوي الفيلم، يظهر بأنه عمل عدواني عنصري من إنتاج وتمويل إسرائيلي وتشترك فيه شخصيات يهودية والمروج له من أقباط المهجر المصريين، وكذلك القس جونز، لذا فإن كل هذه المعطيات توضح الأهداف البشعة التي يهدف هذا الفليم إلي إثارة الفوضي في أنحاء العالم الإسلامي من خلال المساس بمقدساتهم. وذكرت وكالة الأسوشيتد برس وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الفيلم الذي تسبب في هذه الأزمة، أنتجه سام باسيلي 56 عاماً، وهو أمريكي، يعمل في المجال العقاري، ويقيم في كاليفورنيا. ووفقاً لباسيلي فإن الفيلم مدته ساعتان، مشيراً إلي أنه جمع خمسة ملايين دولار من 100 يهودي من بريطانيا وفرنسا واسكتلندا وهولندا وألمانيا يودون فضح مساوئ الدين الإسلامي، علي حد قوله، وأن عنوانه التجاري "براءة المسلمين" أو "محمد نبي المسلمين"، وأوضح أنه عمل مع 60 ممثلا وفريق من 45 شخصا لإخراج الفيلم خلال ثلاثة أشهر العام الماضي، ومضي يقول إنه يحارب سرطان الإسلام بأفكاره وأفلامه السياسية، وقال إنه فيلم سياسي وليس فيلماً دينياً. وعرض الفيلم قبل ثلاثة أشهر في لوس أنجلوس ولم يلق نجاحا رغم الترويج له ولكنهم كان يطلقون عليه اسم "براءة بن لادن" لأنهم كانوا يريدون جذب المسلمين المتشددين لكن العرض لم يجذب أحدا، فأصيب باسيلي باكتئاب إلا أن الفيلم حصل علي دعم القس جونز الذي قال إن الفيلم لا يهدف إلي مهاجمة المسلمين ولكن إلي إظهار العقيدة المدمرة للإسلام. وظل باسيلي مختفيا عن الأنظار حتي أعتقد البعض أنه استخدم اسما مستعارا، إلا أن إعلانه عن نيته تصوير مسلسل من مئتي ساعة حول الموضوع ذاته، جعلت وكالة أسوشيتدبرس تتبع العنوان المسجل علي رقم الهاتف الذي أجري باسيلي مكالمته الهاتفية معها من خلاله، لتجد نفسها في مفاجأة مذهلة، أنها أمام رجل آخر يدعي نيقولا باسيلي، عمره 55 عاماً. قال للوكالة إنه مسيحي مصري من الإسكندرية، وأنكر أنه مخرج الفيلم، أو أنه يستخدم اسم "سام باسيلي" كاسم مستعار له، لكنه أكد أن له دوراً في إنتاج الفيلم، واتضح أنه أدين في جريمة نصب في وقت سابق، وقضي 21 أسبوعاً في السجن. وأشارت السلطات الفيدرالية إلي أن باسيلي، وجد مذنباً بتهمة الاحتيال البنكي عام 2009 حيث حكم عليه بقضاء عام واحد بسجن "لومبوك". وأشار المتحدث باسم المكتب الإداري للمحاكم الأمريكية، كارين ريدموند في تصريح لشبكة CNN أن باسيلي يخضع حالياً لفترة إطلاق سراح مشروط ولمدة خمس سنوات، تنتهي عام2014. وبين أن باسيلي، وخلال فترة إطلاق سراحه المشروط لم يكن يسمح له بالدخول إلي الشبكة العنكبوتية أو استخدام أي من الأجهزة التي تتيح له إمكانية الدخول إلي الإنترنت إلا بموافقة مباشرة من الموظف المسئول عن إطلاق سراحه، لجأ إلي استخدام اسم مستعار "سام باسيلي" للفرار من هذا المأزق والترويج للفيلم علي الانترنت. ومع التحقيق معه الآن يمكن أن يعاد إلي السجن بسبب انتهاكه شروط إطلاق سراحه المتمثلة في توزيع الفيلم. وبعد أن كان يعتقد البعض أن موريس صادق هو المخرج الفعلي للعمل، فقد استطاع موقع "gawker" الأمريكي، الكشف عن شخصية مخرج الفيلم ، ويدعي آلان روبرتس، ويبلغ عمره 65 عاما، واشتهر بإخراج الأفلام الإباحية. وأكد الموقع أن ما قام به صادق هو ترجمة المقطع المنتشر علي اليوتيوب إلي العربية. ويقول روبرتس إنه مثله كمثل فريق العمل المشارك في العمل، عرض عليه سيناريو الفيلم في صيف 2011 باسم "محاربو الصحراء" من منتج الفيلم ويدعي سام باسيلي، وكان سيناريو "مشوش" يحتاج إلي ضبط، بحسب قوله. ووفقاً للموقع فإن روبرتس ليست له أي توجهات سياسية أو مشاعر معادية للإسلام وقد يكون تم خداعه مثل باقي فريق العمل بأن الفيلم يتناول فترة من تاريخ مصر القديمة. ومن جهتهم قال نحو 80 من أفراد الطاقم المشارك في صنع الفيلم الذي أثار جدلا كبيرا في العالم الإسلامي، إنهم تعرضوا "للتضليل" بشأن نوايا الفيلم، معربين عن أسفهم لأعمال العنف الناجمة عن ذلك، وأنه جري استغلالهم من قبل المنتج، بعد أن وجدوا إعلانا نشر في يوليو 2011 بمجلة "باك ستيج" يطلب ممثلين للمشاركة في فيلم عنوان "محارب الصحراء،" هو مجرد "فيلم حول المغامرة الصحراوية التاريخية العربية، وقالت ساندي لي جارسيا ممثلة في الفيلم، إن السيناريو الأصلي لم يتضمن اسم النبي محمد، مضيفة أنها وغيرها من الطاقم اشتكوا من تغيير النص، وظهر واضحاً أن كل العبارات التي تشير إلي الإسلام لم تأت علي لسان الممثلين ولكن تم إضافتها في عملية المونتاج. وأشارت الممثلة إلي أنها تحدثت مع منتج الفيلم، الذي قالت إنه يدعي سام باسيلي، وأكد لها أنه كتب السيناريو لأنه يريد من المسلمين الكف عن القتل، موضحة أنه لم يكن لديها أي فكرة عما كان يقوم به حتي أنه خلال التصوير والحوار الذي كان يدور بين الممثلين لم يكن هناك اسم النبي محمد نهائياً، بل كانت الشخصية الرئيسية في الفيلم تسمي مستر جورج. ومن ناحية أخري قال ستيف كلاين أحد المستشارين الذين أسهموا في صنع الفيلم، ناشط مسيحي إنجيلي متطرف، إن الهدف وراء الفيلم هو وقف زحف المسلمين إلي أمريكا بعد أن وصل تعدادهم إلي10٪ خوفاً من اتحادهم والقيام بأي عمل يهاجم بلاده. ويمضي كلين المعروف بنشاطه ضد المسيحيين الكاثوليك والمسلمين، وبتنظيمه مظاهرات معادية للإسلام وإقامة المساجد، وهو ذو علاقة وطيدة بالمنظمات الصهيونية وبالجمعية الوطنية القبطية الأمريكية، التي تجمع متطرفي أقباط المهجر، قائلاً إن الولاياتالمتحدة خسرت الكثير من الأموال والأرواح في حروب العراق وأفغانستان من أجل محاربة الإسلام إلا أنه من وجهة نظره أن الحرب يجب أن تكون فكرية. وعاني كلاين من هذه الحروب خاصة وأن لديه واحداً من أبنائه اشترك في غزو العراق أصيب إصابات بالغة والآن يعاني من مرض عقلي. كما تشير بعض المصادر الأمريكية إلي صلة المشتبه بهم بالقس زكريا بطرس وبعصمت زقلمة الذي دعا لإقامة الدول القبطية. وهناك تخوف حقيقي لدي الغرب من الزحف الإسلامي السلمي الهاديء. فلم تصمت الولاياتالمتحدة يوماً والغرب بوجه عام عن انتقاد بعض الدول التي يرونها مصدر قلق بسبب الاضطهاد الديني دون أن يسمحوا لأحد بانتقاد إسرائيل أو انتقادهم. ولذا عمل التيار اليهودي واليمين المسيحي المتطرف الأمريكي علي إصدار قانون الاضطهاد الديني عام 1995 ووقع عليه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998 وشكلت ردود الفعل التي اجتاحت الشارع الإسلامي صدمة قوية للإدارة الأمريكية، التي ظهرت علي لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية والتي قالت كيف يمكن أن يقتل سفيرها لدي دولة عربية ساهمت واشنطن في تحريرها من ديكتاتور كان يحكمها. فهذه التداعيات قد أحرجت حلفاء واشنطن الجدد في المنطقة، وخصوصاً في بنغازي والقاهرة وتونس، وتصاعد الانتقادات ضد الرئيس محمد مرسي لعدم اتخاذه موقفاً حاسماً تجاه ما حدث، وغيرها من اتنقادات تملأ الشوارع العربية خاصة مع صمت بعض الدول الإسلامية من الانتقاد والاعتراض بتصريح رسمي. فيما أثارت الصحف الأمريكية المزيد من الشكوك حول الأغراض السياسية للفيلم في لعبة الانتخابات الأمريكية، خاصة مع الحملات الدائمة التي يشنها المرشح الجمهوري ميت رومني، المعروف بعدائه للإسلام والمسلمين، ضد منافسه الديمقراطي باراك أوباما، واتهامات الأول للرئيس الأمريكي بأنه متساهل مع العالم العربي والإسلامي ومساندتهم، وتحذير الشعب الأمريكي من الإرهاب المحيط بهم. وأكدت هذا التحليل أيضاً مجلة "دير شبيجل" الألمانية موضحة أن الهدف من تصعيد الأزمة هو التأثير علي اتجاهات الانتخابات الأمريكية، لافتة إلي أنه تم نشر المقطع المسيء بشكل متعمد لينتشر في المنطقة العربية والعالم الإسلامي عبر موقع "يوتيوب"، بالإضافة إلي إثارة الشائعات حول دعم الحكومة الأمريكية لصناع الفيلم ونيتها عرضه علي التليفزيون الرسمي ودور العرض في ذكري 11 سبتمبر. وعلي غرار صمت بعض الدول الإسلامية عما حدث، قال موقع يوتيوب المملوك لشركة جوجل إنهم لن يزيلوا المقطع المسئ للنبي محمد، إلا أنه نظراً للموقف البالغ الصعوبة في مصر وليبيا فتم حجب الوصول إليه في هذين البلدين.. فماذا عن باقي الدول العربية والإسلامية؟؟