بضائع على كل شكل ولون تغييرات عدة طرأت علي المجتمع المصري منذ الإطاحة بالمخلوع مرورًا بتولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية كونه أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية كاملة. »شعبية« تلك الكلمة تحمل في طياتها الكثير من الفئات المجتمعية المتبانية سواء كانوا مثقفين أو عمال أو أميين أو فنانين أو حتي "الباعة الجائلين" الذين حلموا في عصر مبارك بأن يكون لهم سبيل في عيشة كريمة يأتيهم منها رزق حلال ولكن لم يهيئ لهم ذلك، ف"شرطة المرافق" طالما عاكست أحلامهم وحولتها لاتهامات باتت عالقة في ظهورهم لا يستطيعون محوها بقدوم رئيس جديد. ارتبط وجود الباعة الجائلين بهذا الشكل بالانفلات الأمني الذي شهدته مصر وغياب الرقابة علي تلك الأماكن، مرورًا بضيق الحال، وهجرة بعض المواطنين من المدن الساحلية والريفية للقاهرة إبان الثورة، وبذلك تفشي وجودهم أكثر مما كان عليه في السابق، ولم يكترث لتلك المشكلة سوي الدكتور هشام قنديل وحكومته التي جاهدت لمحو تلك الظاهرة التي تحولت لعادة. ولم يكن أمام الحكومة الجديدة سوي تبني مشروع »أسواق اليوم الواحد« الذي سوف يقضي علي تواجد هؤلاء الباعة في الطرق، مما يزيد من الأزمة المرورية وأعمال البلطجة. اليوم الواحد بدأ مشروع أسواق اليوم الواحد منذ عدة أيام بحيث يتم تحديد أيام معينة لعمل كل سوق وذلك لتغطية جميع المناطق المحددة في المرحلة الأولي، " بولاق والموسكي والعتبة وعابدين والوايلي وحي وسط القاهرة" علي ان يشمل المشروع أحياء أخري بالقاهرة. وسوف يتم تقسيم الأسواق إلي أقسام بحيث يحتوي السوق الواحد علي تنويعات مختلفة من احتياجات المواطنين التي تضم جميع الباعة بالمنطقة التي يعمل سوقها بهذا اليوم، كما سيتم عمل لوحات إرشادية داخل السوق مع ترك مساحات لتسهيل عملية التنقل والحركة داخله، علي أن يتم التعامل بالقوة الجبرية مع كل بائع يرفض الامتثال لهذه الإجراءات ويخالف القواعد وسيتم مصادرة البضاعة التي يقوم ببيعها. ومن جانبه قال اللواء إسماعيل عز الدين مدير شرطة المرافق بالقاهرة إن خطة نقل الباعة الجائلين إلي أسواق اليوم الواحد التي توصل إليها مسئولو محافظة القاهرة يتم تطبيقها حاليا علي المناطق المتفق عليها مع الباعة الجائلين وفي حالة عدم التزام أحدهم بالمواعيد والأماكن المتفق عليها يتم ضبطه ومصادرة البضائع المعروضة وتحرير محضر بالواقعة إلي جانب مراقبة الباعة الجائلين الذين يقومون بسرقة التيار الكهربائي. وأضاف عز الدين أنه سبق أن طلب من رئيس الوزراء السابق الدكتور كمال الجنزوري تغليظ عقوبة الباعة الجائلين الذين يتم ضبطهم حيث إن العقوبة الحالية غرامة 100 جنيه بينما كان من المقترح تغليظها إلي غرامة ألف جنيه وحبس 3 شهور وفي حالة الضبط مرة أخري تصعد العقوبة إلي 5 آلاف جنيه وحبس 6 أشهر وأنه من المنتظر أن يصدر قانون بالمقترحات السابق ذكرها. واعترض علي شكري، نائب رئيس الغرفة التجارية، علي مشروع سوق اليوم الواحد والذي طرحته الحكومة ليكون البديل للباعة الجائلين، مشيرًا إلي أن هذا المشروع ليس حلا لمشكلة القضاء علي الباعة الحائلين، خصوصًا أن تلك الفئة من التجار مصدر رزقهم اليومي من تلك التجارة ولا يستطيعون الاستغناء عنها يوما واحدًا. وتابع: علي الرغم من أن تلك التجارة وجدت بالأسواق بشكل عشوائي وغير رسمي إلا أنها تشكل "قنبلة موقوتة"، نظرا لأن هذه الفئة اتخذت من الشوارع والميادين أماكن لافتراش بضائعهم بوضع اليد منذ سنوات بشكل يومي، ولا يمكن أن نخصص لهم يوما واحدًا في الأسبوع. وتابع قائلا، إن الغرفة التجارية تقدمت بدراسة لمحافظة القاهرة بشأن مشكلة الباعة الجائلين مع تقديم كافة الحلول الممكنة، مشيرًا إلي أن الغرفة التجارية هي أكثر دراية بحركة الأسواق التجارية والعمل علي حل مشكلاتها، دون تضرر أيٍ من الأطراف، خصوصًا أن تجار شارع الألفي يعترضون علي قرار إقامة سوق اليوم الواحد فيه، طبقا لما حددته مديرية الأمن مبررين أن هذا الشكل سيؤثر علي تجارتهم أسبوعيًا ولا ذنب لهم في ذلك. الباعة يصرخون لم يلق قرار المحافظة بنقل الباعة الجائلين لأسواق اليوم الواحد ترحيبًا من قبل الباعة ذاتهم، مستنكرين بذلك أن تتحول لقمة عيشهم من يومية لأسبوعية. أحمد عطا أحد الباعة عند سور الأزبكية أكد رفضه لهذا القرار مشيرًا إلي أن دخله اليومي يتراوح بين 40 ل60 جنيها فكيف يمكنه أن يعرض بضاعته يومًا واحدًا فقط في الأسبوع وكيف له أن يعيش وأسرته التي يعولها بهذا المبلغ الضئيل. وقال إبراهيم المعلم أحد الباعة بمنطقة العتبة: هذا القرار خاطئ ولا يناسب العديد من المتواجدين في الميدان لأن كل شخص لديه التزامات واحتياجات فكيف يتحول الرزق لأسبوعي، مشيرًا إلي أنه حال تنفيذ هذا القرار لن تري الحكومة من هؤلاء إلا البلطجة والاعتصام بعائلتهم في أماكنهم القديمة. ووصف إسماعيل مجاهد أحد الباعة هذا القرار بالظالم لأن نقل بضاعته من منزله بكفر الشرفا إلي الأزبكية يوميًا يكلفه 60 جنيهًا فما هو مكسبه ليدفع كل هذه الأموال هباءً . بينما لاقي القرار قبولا من جانب أصحاب المحلات حيث فتح لهم أبواب رزق أغلقها المتجولون ببضائعهم، وقال محمد الشيخ صاحب محل أحذية أن القرار صائب وتأخر كثيرًا فتلك الأسواق الجديدة ستتيح لنا فرصة جديدة في عودة الزبائن لأن هؤلاء الباعة احتلوا الأرصفة وقاموا بتشويه منظر المدن وتعطيل حركة السير والمرور واحتلوا الأماكن التي تواجه المحلات التجارية، مشيرًا إلي أنه لجأ لتلك الوسيلة بعد أن ركدت تجارته. وتابع: قمت بإرسال أحد العاملين لديّ بعدد من الأحذية ليقوم بفرشها أمام المحل لأن الزبائن تفضل سلع الأرصفة عن المحلات. المواطن الحائر من جانبهم رحب المواطنون بالقرار مشيرين إلي أنهم يريدون التخلص من تواجدهم، لما يمثلونه من خطر علي أبنائهم وبناتهم. وقال محسن محمد (من سكان بولاق) نقل هؤلاء الباعة لأسواق خاصة بهم يقلل نسبة الاعتداءات التي تتعرض لها الفتيات في تلك المنطقة، وأشار أيضًا إلي أن تواجدهم بالقرب من المناطق السكنية يشكل خطرًا يتمثل في إلقائهم لمخلفاتهم في الطريق مما يراكم تلال قمامة. وقالت شوقية السيد (ربة منزل) أنها لا تعاني من تواجدهم نظرًا لأن كافة احتياجاتها تحصل عليها من أسواق الرصيف، مشيرةً إلي أنها لم تتعرض لأي اعتداءات من هؤلاء الباعة. وقال أحمد محمود: "أعتقد أنه من الأفضل عمل سوق خاص بهؤلاء الباعة في كل مركز ومدينة يكون له طابع رسمي وشرعي يستطيعون فيه بيع سلعهم وبضائعهم بشكل حضاري بدلا من تجولهم في الشوارع والميادين والمواصلات العامه وملاحقة الشرطة والبلديه لهم في كل مكان".