كيف فعلها مرسي؟.. كيف استطاع الرئيس المصري الجديد، صاحب الجذور والأفكار والتوجهات الإخوانية الخالصة، تغيير قيادات القوات المسلحة، ومن ثم العودة نهائياً إلي ثكناتها، للمرة الأولي منذ سقوط نظام الرئيس السابق، وذلك بعد أقل من شهر ونصف من توليه سدة الحكم، بينما احتاج نظام إخواني مماثل بعض الشيء، في تركيا، لنحو عشرين عاماً ليتخلص من إرث العسكر نهائياً؟ صحفي ألماني: الرئيس مرسي قرر عدم المساس »مؤقتاً« بالامتيازات المالية والاقتصادية التي يتمتع بها الجيش.. وتغيير القيادة العليا للجيش تم بالاتفاق مع جنرالات كبار تساؤلات حائرة تعبر عن صدمة، وربما عدم فهم أيضاً، لدي قطاع كبير من المحللين الأجانب، ممن يراقبون ويهتمون بالشأن المصري الداخلي، وتأثيراته علي استقرار منطقة الشرق الأوسط الملتهبة علي وقع ثورات الربيع العربي، ومسار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. وبينما انبري عدد من المراقبين، وكذا وسائل الإعلام، خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في تصوير تغيير جنرالات الجيش الكبار، وعلي رأسهم المشير حسين طنطاوي، والفريق أول سامي عنان، إلي جانب مدير المخابرات العامة السابق اللواء مراد موافي، باعتبارها انتصاراً للرئيس الدكتور محمد مرسي، في معركة الانفراد بالسلطة، وخطوة مهمة في طريق أخونة أو تديين المؤسسات الكبري في مصر كالقوات المسلحة، ودور واشنطن وإدارة الرئيس أوباما في ذلك، إلا أن مراقبين آخرين ونوافذ إعلامية مهمة، لاسيما في أوروبا، وبالأخص في ألمانيا بما لها من دور غير مرئي بالقرب من مراكز صناعة الأحداث في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، كانت مهتمة بالتنقيب عن الطريقة التي مكنت الرئيس من تغيير قامات عسكرية مصرية، علي هذا النحو، ومن دون حدوث اضطرابات في الشارع، أو انقسام في صفوف الجيش، حتي إن هذه القيادات تقبلت الأمر بصدر رحب، أو هكذا بدا الأمر، بل وقبلت تكريم الرئيس لها، ومنحها أرفع أوسمة الدولة. "فرانكفورتر الجماينة تسايتونج"، أحد أهم الصحف اليومية الألمانية تأثيراً، ومن أكثرها انتشاراً، جزمت بأن تغيير القيادات العليا للجيش بعد أيام قليلة من مجزرة الجنود المصريين في رفح، لم يكن ليحدث إلا علي وقع تفاهم تام مع باقي أعضاء المجلس العسكري، بما يتيح صعود لواء شاب متدين، كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية، هو عبد الفتاح السيسي، ليصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة، ووزيراً للدفاع، بل وينال ترقيتين دفعة واحدة، ومن ثم يحمل علي كتفيه، النسر والنجمتين والسيفين المتعانقين، بصفته بات فريقاً أول، كذلك قطعت الصحيفة الألمانية ومراسلها في القاهرة ماركوس بيكل، أن هذه النقلة المفاجئة داخل الجيش لابد أن تمر، بضمانة واضحة من الرئيس بعدم المساس باقتصاديات الجيش وامبراطوريته المالية الضخمة. مراسل الصحيفة انحاز إلي أن "الثقل الاقتصادي" للعسكر وللجيش في مصر، والمتصاعدة منذ إعلان الجمهورية علي يد جمال عبد الناصر ورفاقه مطلع خمسينيات القرن الماضي، قد حالت دون تغييرات كاملة وجذرية في صفوف قيادات القوات المسلحة، معتبراً أن الرئيس مرسي أرجأ مسألة استحواذ الدولة علي الامتيازات المالية والاقتصادية الخاصة بالجيش، في الوقت الراهن، مع تقليد الحرس القديم في المجلس العسكري مواقع مدنية، ذات ثقل اقتصادي كبير، وارتباط وثيق بماليات الجيش، حتي يتركوا القيادة العسكرية من دون مشاكل، وهو ما تم بالفعل، بحسب بيكل، مع قائد البحرية السابق، الفريق مهاب مميش، الذي أوكلت إليه رئاسة هيئة قناة السويس، بما تتضمنه من مهام ضخمة، ومن ثم يراهن بيكل علي أن مرسي لم يكن ليقدم علي خطوة إخراج المشير ونائبه من المشهد نهائياً، إلا من بوابة التنسيق والاتفاق مع عدد من أعضاء المجلس العسكري. بيكل لفت أيضاً إلي المناصب التي تولتها قيادات أخري كبري في الجيش، إلي جانب مميش، وجميعها في صميم الامبراطورية الاقتصادية للقوات المسلحة، والتي تستحوذ حسب بعض التقديرات علي 01 إلي 04٪ من الاقتصاد المصري بصفة عامة، حيث تولي القائد السابق للقوات الجوية، الفريق رضا محمود حافظ، وزارة الدولة للإنتاج الحربي، بينما ذهبت الهيئة العربية للتصنيع، إلي القائد السابق لقوات الدفاع الجوي، الفريق عبد العزيز سيف. الصحيفة الألمانية قطعت كذلك باستحالة حدوث أي تمرد أو انقلاب علي الجيش ضد مرسي، وقالت إن المصريين لا يميلون لإراقة الدماء، كما أن من لا يقبل تغيير طنطاوي وعنان، من ضباط الجيش، لن يقوموا بأي رد فعل، خاصة أن عقيدة القوات المسلحة المصرية، ليست كنظيرتها في سوريا مثلا، وبالتالي لن تفتح النيران علي المواطنين، ناهيك عن أن استناد مرسي علي تنظيم مدني قوي، له أنصار في الشارع، كالإخوان المسلمين، يجعل من مهمة الانقلاب عليه شبه مستحيلة، وعليه فلا أمل للقوي غير الإسلامية الرامية لاقتلاع الإخوان من قصر الرئاسة إلا عبر صندوق الانتخابات. وفي الأخير تبرر الصحيفة سياسة التغيير التي ينتهجها مرسي، في عدد من المؤسسات، بدأها بالجيش، بأن الدولة المصرية، ومنذ إعلان الجمهورية، كان الجيش والقضاء والأزهر، هم أهم أعمدتها، فيما يري مرسي الآن، أنه قد حان الوقت لابتعاد المؤسسات الثلاث عن السياسية نهائياً، علي أمل صنع فضاءات أرحب للعملية الديمقراطية الوليدة في بلاد النيل. بينما لخصت صحيفة تاجس تسايتونج الألمانية اليومية، المهمة الحالية للدولة المصرية، تحت قيادة مرسي، في كتابة دستور جديد يحظي بتوافق مجتمعي واسع، فضلاً عن تنظيم انتخابات برلمانية نزيهة، بينما لفت بعض المحللين، مثل الخبيرة الألمانية في شئون الشرق الأوسط، مارتينا صبرا إلي أن "مبادئ الديمقراطية تقوم علي تقاسم السلطات، لكن ما يحدث الآن في مصر هو أن هذه السلطات باتت محصورة في جانب واحد، ما يثير مخاوف كبيرة".