هذه المرة غير كل مرة..حالات تحرش غير مسبوقة حدثت في ميدان التحرير منذ انطلاق المظاهرات التي أعقبت الحكم علي مبارك وأعوانه. وصلت لمداها بعد الاعتداء علي مظاهرة نسائية انطلقت بعد ظهر الجمعة للاعتراض علي التحرشات المتواصلة في ميدان الثورة الذي طالما أشيد بأخلاقيات المتواجدين فيه وسلوكياتهم. لقد لاحظ عدد كبير من المتواجدين انتشار نسب التحرش بشكل كبير في ميدان التحرير خاصة في المنطقة المحيطة بأحد المطاعم الشهيرة بجانب شارع محمد محمود، وكل يوم كانت تقع في هذه المنطقة حوادث تحرش جماعي مفاجئة لسيدات يسرن بشكل طبيعي علي الرصيف، بعضهن ينقذهن الشباب المتواجدون ويدخلنهم إلي باب العمارة المتواجدة علي ناصية محمد محمود وبعضهن لايتم اللحاق بهن إلا بعد أن تتمزق ملابسهن بالكامل. ويقول محمد فودة أحد ساكني العمارة: "كل يوم نجد سيدات يلجأن إلينا، بعضهن يدخلن بثيابهن وبعضهن بدونها. وينتظرن حتي تهدأ الأمور ليخرجن بعد ذلك في أمان". ويقول عم حسن حارس العقار: "كل يوم تحدث معركة كبيرة، أمام باب العمارة، كل مرة أشاهد 50 رجلا يهجمون علي امرأة واحدة لا أعرف لماذا ولا أعرف من هؤلاء، في مرة من المرات اعتدوا علي سيدة كبيرة وعلي ابنتيها اللتين كانت إحداهما تحمل طفلا صغيرا. بعض الرجال والشباب يتدخلون لتخليصهن ليلجأن هنا للعمارة، ثم نقوم بغلق الباب عليهن، ومع ذلك يقف المعتدون أمام باب العمارة لفترة طويلة في انتظار خروجهن"، وبعد تكرار هذه الحوادث قررت منظمات نسائية عديدة تنظيم وقفة سلمية ضد هذه الظاهرة التي أثرت بالفعل علي تواجد العنصر النسائي في الميدان، وجعلت العديد من الفتيات يفكرن عدة مرات قبل النزول للتظاهر السلمي والتعبير عن رأيهن خاصة أن النساء كن جزءا من الثورة المصرية وشاركن في كل فعالياتها"، وقالت سلمي غالي إحدي المشاركات: "نزلنا لنقول إن من حقنا أن نسير في الشارع بأمان، من حقنا أن نتظاهر ونعبر عن رأينا"، المظاهرة في البداية كانت هادئة، وكانت الفتيات يرفعن لافتات تعبر عن غضبهن مما يحدث في الميدان ويهتفن هتافات مثل "بنت جدعة في الميدان، والمتحرش كلب جبان" و"يا متحرش قطع إيدك".. بعد ذلك قرر المسئولون عن الوقفة عمل مسيرة تطوف الميدان، وتحركت المسيرة حولها كردون من الشباب، لكن نتيجة للزحام الشديد لم يستطع الكردون السيطرة علي الوضع وبدأت الأحداث تتفاقم بعد الاعتداء علي إحدي الفتيات من أحد البلطجية وحدث هرج ومرج ومشاجرات في كل مكان، وتدخل عدد كبير من المتظاهرين وشباب اللجان الشعبية للدفاع عن الفتيات باستماتة، لدرجة أن عددا كبيرا منهم أصيب إصابات بالغة وسرقت متعلقاتهم وتليفوناتهم". وتقول سالي ذهني إحدي عضوات حركة "بهية" النسائية التي شاركت في الفعاليات: "هذه ليست أول مرة نتعرض فيها لمثل هذه الاعتداءات، كل يوم كانت هناك فتاة يتم الاعتداء عليها سواء في مسيرة أو مظاهرة، والهدف واضح هو أن يبعدوا المرأة عن أداء دورها. الوضع كان مأساويا جداً كنت أشاهد شبابا يهتفون معنا "يا متحرش قطع إيدك" وكانوا يمدون أيديهم في أجساد الفتيات. لكن أكثر ما ضايقني واستفزني هو توجيه البعض التساؤلات لنا، لماذا نزلنا للحديث عن التحرش الآن؟ هل هذا وقته؟ وأنا أتساءل كيف تطلب من بنت يهاجمها 20 شابا أن تصمت، كيف تسكت سيدة لا تشعر بالأمان في الشارع وفي العمل وفي المواصلات وفي المظاهرات. لا هذا وقته ولا مكانه، ويجب أن نجد حلا لهذه المشكلة وأن تركز وسائل الإعلام حديثها عن هذه الظاهرة وأن يتحمل نواب البرلمان مسئولياتهم ويضعون تشريعات رادعة لهذه الظاهرة". وتري شيرين ثابت الناشطة النسائية وصاحبة مبادرة "قطع إيدك" أنه لايمكن أن يكون هذا الهجوم الشرس علي السيدات طبيعيا، هناك مخطط لإبعاد السيدات عن المشهد الثوري، هناك من يريد أن يبعد السيدات عن ميادين الثورة وعن سلب حقوقهن في التظاهر والمطالبة بحقوقهن بشكل سلمي". وعلي إثر عمليات التحرش التي تمت للسيدات في ميدان التحرير وعدد من ميادين الثورة وقعت 20منظمة حقوقية أبرزها تحالف المنظمات النسوية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت) ومؤسسة قضايا المرأة ورابطة المرأة العربية ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف ومراكز أخري بياناً أعربوا فيه عن قلقهم البالغ من ارتفاع وتيرة التحرش الجنسي والعنف ضد المتظاهرات في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة في أعقاب إعلان الحكم في قضية مبارك يوم السبت الثاني من يونيو 2012. ويأتي القلق من معدلات العنف غير المسبوقة، والتي أجمع شهود العيان علي حدوثها، دافعاً البعض إلي الاعتقاد أنها ممارسات عمدية لإقصاء النساء من محيط التظاهر والاحتجاج. وللأسف تنجح مثل هذه التصرفات في إبعاد النساء وخاصة أثناء ساعات الليل التي يقل فيها التمثيل النسائي في الميدان بشكل ملحوظ أكثر من جميع المرات السابقة. وتؤكد المنظمات الموقعة أن الممارسات المهينة التي تتعرض لها المتظاهرات، والتي تنتهك حرمة أجسادهن وسلامتهن الجسدية، تمثل عائقا يحد من مشاركة النساء في المجال العام وفي تشكيل حاضر ومستقبل البلاد وتنفي المتظاهرات خارج دائرة الفعل السياسي.