لقاء عابر بين حزب الحرية والعدالة مع المجلس العسكرى فى الكاتدرائية صدق المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، حين قطع بلا تردد ل"واشنطن بوست"، قبل أيام، بأن "التيار الإسلامي والجيش لم يبرما أي اتفاقيات للدفاع عن بعضهما البعض". لكن رجل الجماعة القوي قدم للصحيفة الأمريكية الشهيرة، تصوراً دقيقاً للعلاقة بين الإخوان والعسكر، خلال الفترة الانتقالية، أو إن شئنا الدقة، فإن الشاطر كشف عن الكأس الذي يمني تلامذة حسن البنا أنفسهم برفعه، في نهاية سباق النفس الطويل مع قيادات المجلس العسكري، لافتاً بكلمات واضحة لا لبس فيها، إلي أن جماعته، وعلي عكس ثوار ميدان التحرير، تنحاز إلي "الانتقال من الحكم العسكري وفق نهج تدريجي"، ما يعني حسب منطق الأغلبية، الذي حازه حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، أن تدين السلطة في البلاد، وبشكل تلقائي للجماعة، بمجرد عودة الجيش إلي ثكناته، وكما هو مفترض، في نهاية يونيو القادم. بينما كان النائب البرلماني الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، أكثر تحديداً من الشاطر، حين نفي بشكل قاطع، وجود صفقة بين الإخوان والمجلس العسكري، مردداً التصريح الإخواني الأكثر تكراراً في المرحلة الأخيرة "نحن أول من طالب العسكر بالرحيل". غير أن علامة استفهام كبيرة تبرز هنا: فإذا كان الإخوان يقسمون بأغلظ الأيمان أنهم غير متحالفين مع المجلس العسكري، فهل يعني ذلك أنهم في صفوف معارضيه؟.. الإجابة علي السؤال السابق تبدو محيرة للغاية. ففي واقع الأمر هناك تماس تام، إن لم يكن اتفاقا بين الجماعة، وحزبها "الحرية والعدالة" من جهة، وبين المجلس العسكري من جهة أخري، فيما يخص خارطة انتقال السلطة، ومدة الفترة الانتقالية، والموقف المتعنت من الحركات والائتلافات الشبابية والثورية، التي ترفع مطالب أساسية خاصة بالحريات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، عبر التظاهر والاعتصام في ميدان التحرير، وغيرها من ميادين ثورة 25 يناير. فيما أن الجماعة تنحاز، في الوقت ذاته، إلي بعض مطالب الميدان الضاغطة علي المجلس العسكري، من ضرورة القصاص الفوري من قتلة الثوار والشهداء، وسرعة الانتهاء من محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، ونجليه ورموز نظامه الفاسد، وربما أيضاً سرعة انتقال الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة، بما في ذلك تقليص مدة المرحلة الانتقالية شهراً، لتكتمل بحلول الثلاثين من مايو القادم، بشرط عدم الإخلال بالإعلان الدستوري، الذي تم إقراره في مارس من العام الماضي، بما في ذلك ترتيب محطات نقل السلطة، وبالأخص مسألة وضع دستور جديد للبلاد قبل انتخاب الرئيس (تتواتر أنباء والمجلة ماثلة للطبع عن إمكانية تراجع الإخوان عن موقفهم الرافض لانتخاب الرئيس قبل وضع الدستور). وفي المقابل يكشر الإخوان عن أنيابهم في وجه المجلس العسكري، إذا ما تعلق الأمر، بوضع مبادئ أساسية أو حاكمة للدستور، أو بطريقة اختيار لجنة وضع ذلك الدستور المنتظر، أو اعتبار أن هناك شرعية أعلي من شرعية مجلس الشعب المنتخب، حيث يحتل الإخوان صفوف الأغلبية، ويستحوذون علي مقعد الرئاسة، ومعظم مقاعد اللجان الفنية والنوعية تحت قبة البرلمان. ورغم ذلك، وعلي أرض الواقع، تماهت الغالبية العظمي من مواقف الإخوان مع سياسات المجلس العسكري في الفترة الأخيرة، إلي حد التطابق، الأمر الذي كلف الجماعة وذراعها السياسية، ثمناً باهظاً، انعكس بوضوح في حالة الغضب التي باتت يواجه بها رموز الإخوان وأعضاؤهم وقواعدهم الشبابية، من قبل كافة القوي والتيارات السياسية والثورية، حتي أن هتاف "يسقط يسقط حكم العسكر"، الذي يدوي في ميدان التحرير منذ فترة، علي خلفية مجازر ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وستاد المصري البورسعيدي، بات ممزوجاً بشعار "الشعب يريد إسقاط الإخوان"، ومن ثم حدث تغيير تكتيكي في ردود فعل الجماعة تجاه بعض سياسات المجلس العسكري، في الفترة الأخيرة، ولعل الانتقادات العنيفة التي وجهها المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع مؤخراً للمجلس العسكري، وتحميله مسئوولية كارثة بورسعيد، أبلغ صورة التصعيد الإخواني الكبير تجاه العسكر. القيادي الإخواني السكندري علي عبد الفتاح، يري أن كتالوج الإخوان للتعامل مع المجلس العسكري، معروف للجميع، ولا يتسم بأي غموض "حين يجيد نشكره، وحين يخفق ننتقده ونقومه"، فيما اعتبر أن المنتفع الأساسي من مأساة بورسعيد، هو المجلس العسكري وحكومة الدكتور الجنزوري، بدعوي أن استمرار حالة الفوضي والانفلات الأمني المريب في أرجاء البلاد، من شأنه ضمان استمرار الجيش في سدة الحكم، وعليه كانت اللهجة العنيفة والقاسية التي تحدث بها بديع، غير أن الباحث والناشط السياسي الدكتور عمرو هاشم ربيع، قدّر ذلك الهجوم الناري لرأس الإخوان ضد العسكر، من باب تبييض الوجه، في الشارع الثوري، ومحاولة نفي أي علاقة بين جماعة الإخوان والمجلس الأعلي للقوات المسلحة. إن تتابع المشاهد السياسية التي جمعت الإخوان بمن خُول إليهم حكم مصر، منذ انطلاق الشرارة الأولي لثورة 25يناير، بدءاً من اجتماع قيادات الجماعة سراً مع اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق، قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع، وصولاً إلي مشاركة الحرية والعدالة في الحكم باكتساحه أول مجلس شعب منتخب، بعد الثورة، يكتشف من دون عناء، أن تلاقي مصالح وأهداف، لا صفقة بالمعني الحرفي، جمعت الإخوان بالعسكر، خلال الفترة الانتقالية، فبينما يرفض المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، في لقاءاته العلنية، وغير العلنية أيضاً، مع المسئولين الأمريكيين، تقليص المعونة الأمريكية السنوية للحكومة المصرية، أو تقليلها، تحت أي ظرف، بحسب تأكيد الدكتور مصطفي الغنيمي، عضو مكتب الإرشاد، نجد أن المجلس العسكري يسعي بكل قوة مثلاً لإتمام اقتراض 3.2مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ما سيسهم بلا شك في إنعاش خزينة الدولة المنهكة بعد إتمام انتقال السلطة للمدنيين، حيث سيتولي الإخوان بلا شك، وهم أصحاب الأغلبية البرلمانية، دفة السلطة، علي رأس حكومة ائتلافية علي الأرجح. وفي وقت بات المجلس العسكري أقل صبراً واحتمالاً لانتقادات الثوار اللاذعة لطريقة إدارته المرتبكة، بعض الشيء للفترة الانتقالية، لم يكن بجواره سوي الإخوان، وبعدهم بمسافة ليست بالبعيدة وقف السلفيون، حيث كان التيار الإسلامي، وبالإخص جماعة الإخوان يقاطع كافة المليونيات التي تخرج ضد العسكر، وخاصة بعد أن اكتفت بالمكاسب التي تحققها علي الأرض، مثل السيطرة علي لجنة التعديلات الدستورية التي شكلت بقيادة المستشار طارق البشري، قبل نحو عام، مروراً بإجهاض أي محاولة للقوي الليبرالية لصياغة مبادئ رئيسية للدستور، تحافظ علي مدنية وتعددية الدولة، وصولاً إلي اقتناص مجلس الشعب الجديد، الذي سيقود الحياة التشريعية في المرحلة المقبلة. ومن ثم لم تتردد الجماعة في رفض كل المطالب المرفوعة بضرورة رحيل المجلس العسكري عن السلطة فوراً، باعتبار أن وجوده حتي نهاية الفترة الانتقالية، يمنحها فرصة استكمال حصد المكاسب، وعليه لم يكن مستغرباً أن يرد الإخوان الجميل للعسكر، بالوقوف إلي جانبهم ضد بعض متظاهري التحرير، بل واستخدام نفس مصطلحات التخوين ضدهم، ووصفهم بالبلطجية ودعاة الفوضي، حتي أن بياناً رسمياً صدر عن الجماعة مطلع الشهر الجاري، طالب المجلس العسكري ووزير العدل، بالإسراع باتخاذ الإجراءات القانونية ونشر المعلومات التي تمَّ التوصل إليها من التحقيقات التي طالت مدتها بخصوص – ما أسماهم - هؤلاء الأفراد والمجموعات التي تلقت التمويل والتدريب في الخارج من دول أجنبية، ويتم استخدامها حتي الآن في تمويل عمليات الفوضي والعدوان والتخريب، الأمر الذي اعتبرته وكالة "الأسوشيتدبرس" الأمريكية ، مساندة قوية من الإخوان لموقف الجيش في مواجهة الجماعات الليبرالية والمدنية والعلمانية المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان . إلا أن الاتفاق المؤقت والمتوتر، في بعض الأحيان، بين الفريقين، الإخوان والعسكر، طيلة العام المنقضي، سيفضي حتماً، بحسب تقرير مثير لوكالة رويترز، إلي صراع قوة حول السلطة بينهما، كلما اقتربت المرحلة الانتقالية من نهايتها، صحيح أن الإخوان يتجنبون حالياً الدخول في صراع علي الحكم مع الجيش، كي لا تتسبب في عرقلة عودة مناخ الاستقرار، إلي المشهد السياسي المصري، إلا أنها تلتزم بخطة، حاكتها منذ فترة، في أروقة مكتب الإرشاد، لإخراج العسكر من قمرة القيادة. خطة الإخوان، بحسب رويترز، تقوم علي تقليص اختصاصات الرئيس، في الدستور، ليصبح خلال أربع سنوات، مجرد منصب بروتوكولي وشرفي، علي أن تتحول مصر بقيادة الجماعة إلي النظام البرلماني، ومن ثم تدين السيطرة للبرلمان في قضايا الدفاع والشئون الخارجية والشأن المدني والقطاع المالي، الأمر الذي يرفضه الجيش جملة وتفصيلاً، حيث يعتبر أن الأمور الدفاعية، علي وجه الخصوص، شأن عسكري بحت، لا يجوز طرحه علي المدنيين بأي صورة من الصور، وعليه فإن غياب أي صلاحيات حقيقية للرئيس من شأنه تهديد مصالح العسكر. الخطة الإخوانية، تعتمد علي ترأس الجماعة لحكومة ائتلافية بعد انتهاء الفترة الانتقالية، علي أن تحتفظ الجماعة، بحسب القيادي السكندري، حسين إبراهيم، رئيس الكتلة البرلمانية للحرية والعدالة، بالوزارات التي ترتبط بحياة المصريين مثل الصحة والتعليم والنقل، فيما يبقي سيناريو إطاحة العسكر بالإخوان في العام 1954 حاضراً في ذهنية قيادات الجماعة خلال مباراة الأعصاب والصبر التي يلعبونها مع المجلس العسكري، وعليه يسعي حزب الحرية والعدالة، خلال الفترة المقبلة، وتحديداً قبل انتهاء الفترة الانتقالية، إلي سن مجموعة من التشريعات، التي تحمي الجماعة مستقبلاً، وأهمها بحسب عضو من الحزب في اللجنة التشريعية في مجلس الشعب،، فضل عدم ذكر اسمه، قانون انتخابات رئيس الجمهورية، ومحاكمة الوزراء والرئيس، إضافة إلي قانون منع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والأخير تحديداً تعتبره الجماعة هدفاً رئيسياً لها، خصوصاً أنها عانت منه طيلة سنوات مبارك، فيما تبذل مجهوداً خرافياً الآن، بقيادة المهندس خيرت الشاطر، لإسقاط أي أحكام صدرت ضد أعضاء الجماعة من المحاكمات العسكرية، علي أمل استرجاع أموالها المصادرة. الإخوان لن يضيعوا الوقت، لسن تلك القوانين في أسرع وقت ممكن، فكشف نائب الحرية والعدالة النائب حسن البرنس ، عن أنه تقرر أن تتم دراسة كل تلك القوانين ومناقشتها خلال أسبوعين إلي ثلاثة، لحين استكمال انتخابات مجلس الشوري ، ليتم عرضها عليه ، لأخذ موافقته عليها طبقا لنص الدستور، قبل أن يعتمدها مجلس الشعب في صورتها النهائية.