نحن علي الطريق بين آسفيوالصويرة حيث حافة وعرة للمحيط الأطلسي.. درجة الحرارة ستة وعشرون وبعد ساعة سنكون في المدينة الشهيرة بمهرجان قناوة الموسيقي وبزيت الأرجان الذي بدأت رائحته تفوح علي مشارف المدينة مختلطة برائحة البحر. كانت هذه بداية الرحلة إلي الجنوب المغربي الساحر بغاباته المعلقة ووديانه وساحله. الصويرة محطة أولي علي طريق الجنوب، مدينة عريقة بها قلعة وحي قديم وسوق يعتبر الأفضل لشراء المنتجات المغربية التقليدية ولوازم الحمام المغربي من (الكيس) والطمي والغسول والصابون البلدي المصنوع هنا من زيت الأرجان حيث تنبت شجرته فوق جبال هذه المنطقة وتمتد غاباته حتي ما بعد أغادير. في السوق القديم كل نادر من منتجات يدوية وأعشاب وعطارة لها نكهاتها الخاصة. الحي القديم كان في الماضي سكن اليهود وبه بيوت وحوانيت قديمة تضيف للطابع السياحي للمدينة ذات الفنادق الفخمة والشواطئ المميزة. وفي السوق القديم بالصويرة التقيت بالفنان المغربي محمد بوناصر وهو نحات يقوم بعمل تماثيل بديعة من الحديد الخردة، حيث تتحول المخلفات المعدنية علي يديه إلي عازفين وشخوص وحكايات من لحم ودم. وكان مهرجان (قناوة) للموسيقي قد أنهي فعالياته قبيل وصولنا وهو مهرجان موسيقي صاخب يذهب إليه مهاويس الموسيقي من أنحاء العالم. ومن الصويرة ذهبنا إلي شاطئ سيدي كاوكي الذي يأتي له المصطافون من أوربا لتميُّزه وموقعه بين غابات الأرجان وله طريق خاص بين الغابات وفي هذه المنطقة تنتشر تعاونيات نسائية تقوم بجمع بذور الأرجان وطحنها وعصرها لتستخرج الزيت الذي يعتبر هوسا عالميا وتقبل عليه شركات التجميل، ويباع في المنطقة بسعر يبدأ من مائتين وخمسين درهما للتر الواحد ويصل إلي ثلاثمائة وخمسين، وهو سعر منخفض مقارنة بالمحلات التجارية والماركات المعبأة آليا، ولزيت الأرجان طعم مميز وإن كان يشبه بعض الشيء خليط زيتي الفول السوداني والسمسم، ولونه يشبه زيت بذرة القطن أما حباته فتشبه البندق واللب الداخلي يشبه بذور دوار الشمس وطعم البذور به قليل من المرارة، ويستخدم الزيت الفاخر في الطعام، كما يصنعون منه منتجا يسمي (آملو) يصنع يدويا في التعاونيات أيضا وهو عبارة عن خليط زيت الأرجان ومسحوق اللوز ويشبه الطحينة بعض الشيء لكن قيمته الغذائية مرتفعة وسعره أيضا إذ يصل الكيلو منه إلي ثلاثمائة وخمسين جنيها في مكان التصنيع، وعادة يؤكل مع الخبز المغربي المسمي (بطبوط) في الإفطار أو مع خبز الشعير ويسمي (محراش)، وعادة يقدم لك باعة الأرجان المنتشرون علي الطرق الخبز لتتذوق الزيت وتتأكد من جودته. أما أمسوان فهي مدينة صغيرة جدا علي حافة المحيط بين الصويرة وأغادير، لكن الوصول إليها مغامرة حقيقية، فطريقها علي حافة الجبل المتعرج بالكاد يتسع لسيارة وتقريبا تضطر للتوقف لتمر سيارة مقابلة، تشاهد المحيط من أعلي جرف وعر وتقترب من المدينة لتفاجأ بصغرها، وبأن عشاقها قدموا من مناطق بعيدة لزيارتها، تكاد المدينة تكون ميدانا واحدا يري المحيط وتتفرع منه عدة شوارع معظمها يؤدي للشاطئ، ويوجد بها مرسي لمراكب الصيد الصغيرة زرقاء اللون، وتزدهر بها رياضات الشراع والتزحلق علي الماء وركوب الأمواج، وبالمدينة ملمح غربي بمذاق جزيرة في الكاريبي. ونصل إلي أغادير تلك المفاجأة المغربية في الجنوب، وهي سياحية من الدرجة الأولي، ويمكنك الاستمتاع في ليلها بأماكن ترفيهية وملاهٍ علي البحر أو بالفرق التي تعزف الطبول علي الكورنيش، كما يوجد مرسي لليخوت. وقد قمنا برحلة سفاري إلي ما يعرف بوادي الجنة ويبعد حوالي عشرين كيلومترا بين الجبال الخضراء، حيث تبدأ رحلة علي الأقدام عابرا سهولا علي حافة الوادي والبحيرات الصغيرة ثم تصعد عبر مدق علي حافة غابة تطل علي الوادي في الأسفل، وحيث ستجد البعض يجلسون علي مقاعد في المياه الضحلة يتناولون الطاجين المغربي وسط الطبيعة، ثم تكمل الرحلة لتجتاز طرقا أكثر وعورة وارتفاعا لتشاهد في القاع البعيد الماء المنساب وشباب وفتيات يسبحون أسفل الغابة بمئات الأمتار وتتعجب كيف وصلوا إلي هذا المكان، لكن حيرتك تتبدد عندما تواصل السير لتهبط إلي الودي من منطقة يسهل النزول منها وحيث ستجد تجمعات شبابية حول المياه المتجمعة في الأحواض الصخرية وحيث يحلو للبعض أن يصعد فوق جرف ويلقي بنفسه في الماء وسط صرخات التشجيع، وتستغرق رحلة الذهاب حوالي ساعتين أو ثلاث حسب سرعتك، وبإمكانك أن تجرب في طريق العودة تناول الطعام داخل الماء وستكتشف أن هناك أسماكا صغيرة تأتي لتأكل زوائد أقدامك وأنت تتناول طاجين الخضراوات باللحم أو كفتة السردين. مير اللفت مدينة في الجنوب قبيل الصحراء المغربية الشهيرة، وقد توقفنا قبل الوصول إليها بنصف ساعة في مدينة تزنيت الصحراوية وبها سوق مميّز للمنتجات التقليدية، كما توجد بها الفضة، ويسمونها (نوقرا) وبسعر يقل حوالي النصف عن سعرها في مصر، وبعد تناول طاجين لحم الماعز بالبصل والزبيب وبسعر ثلاثين درهما وهو نصف أو ثلث سعره في أي مدينة أخري توجهنا إلي مير اللفت لتتوالي المفاجآت، فالطبيعة هنا تستعرض بتشكيلات وتكوينات غاية في الروعة والغرابة، الكهوف العملاقة علي حافة الجرف القاري الأفريقي وأقواس حجرية عملاقة صنعتها الطبيعة بعضها علي الشاطئ وبعضها نصفه في البحر، والأغلبية هنا من المصطافين المغاربة الصحراويين وهنا تلمس رقي وتهذيب الشعب المغربي وحبه للسائحين وتقبله للآخرين. أما المدينة فبسيطة ويغلب عليها الطابع الريفي لكن أسعارها مرتفعة بعض الشيء، وينتشر بها باعة (البيني) وهو نوع من الخبز المقلي المحلي. معظم الفنادق هنا بسيطة، ويمكنك أن تجد غرفة معقولة بثلاثمائة درهم أو تستأجر بيتا بأربعمائة درهم في الليلة يصل إلي ستمائة علي البحر. إنها رحلة استغرقت شهرا في بلد ساحر وفريد، سمح الوقت فقط بمشاهدة الساحل المغربي علي البحر والمحيط، وأملنا أن نعود لنكتشف باقي المدن والبلدان في الداخل حيث مدن الأساطير من مراكش إلي بني ملال ومن فاس إلي ورزازات، ومن وجدة إلي إفران، إنها بلاد تستحق وجديرة بالزيارة.