لم تختلف أجواء الانتخابات الرئاسية المصرية في لبنان عن التي نراها في مصر؛ الناخبون يعلقون ملصقات مكتوبا عليها «مصر.. Egypt» ويرفعون لافتات مؤيدة لمرشحهم التي كانت جميعها للمشير عبد الفتاح السيسي، يهتفون بعبارات اعتدنا علي سماعها مثل " يا سيسي ياعمهم.. يا حارق دمهم"، يمارسون عملية الاقتراع علي نغمات الأغنية الشهيرة "تسلم الأيادي" بمصاحبة الأغاني الوطنية القديمة لشادية وعبد الحليم حافظ، يرقصون أمام السفارة بعد تصويتهم تأكيداً علي المقولة الساخرة: "صوت الناخب باطل إذا لم يرقص أمام اللجنة". مع الرقص والفرحة والبهجة، تابعت "آخر ساعة" العملية الانتخابية بالسفارة المصرية في بيروت، التي بدأت في الخارج يوم الخميس الماضي واستمرت أربعة أيام متعاقبة، لاحظنا أن التصويت يمر بهدوء دون تأثير علي رغبة أي ناخب؛ المؤيدون للسيسي يهتفون ويغنون ويعلقون صوره، والمؤيدون لمنافسه حمدين صباحي صامتون لحد تعتقد أن لا وجود لهم، لكن رفع الجميع علامة النصر، واتفقوا علي أن الأمن لا بديل عنه إذا تولي أحد المرشحين الحكم، وأن رغبتهم في العودة حق مشروع لهم. عاطف عاصم رجل الأعمال المصري المقيم في بيروت، سمعنا ورأينا سعادته من بوق السيارة الفاخرة، ومن شباكها طل برأسه قائلاً إن صوته ذهب إلي السيسي، تقديراً لدوره في إزاحة حكم الإخوان عن مصر ولثقته أنه يعلم ما تريده الدولة في الفترة المقبلة، متابعاً: "هو عمل وخلاص.. وكفاية إنه قضي علي الإرهاب". ورأي صديقه محمد اللوندي الذي يعيش في بيروت منذ 45 عاماً أن الخير متمثل في تولي السيسي لكرسي الحكم، وأن أمنيته الوحيدة هي العودة إلي الحياة في القاهرة، مشيراً إلي احترامه لحمدين لكن "هذا ليس وقته"، علي حد وصفه. حنين طاغ علي وجوه المصريين هناك، إلا أن لهجتهم غابت عنها التوصيفات المصرية، وصاروا يتحدثون بألسنة اللبنانيين، فيعبر حسن إسماعيل الموجود في بيروت منذ 16 عاماً عن أمنياته قائلاً: "انتخبت المشير كرمال جيشنا ووطنا.. ولو بيطلب دمنا بنعطيه.. ولو بيطلب ولد من ولدنا بنبيعه.. إحنا مع الدولة للموت.. والزلمة صادق وصريح"، مضيفاً أنهم يريدون من الرئيس القادم الأمن ووحدة المسلمين والمسيحيين - في إشارة منه إلي رفض العنصرية التي قسمت الشعب اللبناني والطائفية التي غلبت علي حياتهم - مؤكداً عودته إلي مصر بعد تولي السيسي الحكم. "انتخبت المشير عن قناعة لأنه الرجل المناسب في الوقت المناسب" هكذا قال محمد سعيد الدقاق، أحد مسئولي الجالية المصرية، لافتاً إلي أن جميع الشباب المصريين يريدون الرجوع رغم مستوي معيشتهم الجيد وتلقيهم لكل الخدمات، لكن يبقي الوطن رغم مساوئه هو الأقرب لأي إنسان، مطالباً بالاهتمام بالتعليم قبل أي شيء حتي تنهض الدولة سريعاً، إضافة إلي الوقوف في صف الغلابة.. لا الرأسمالية. كان للنساء حضور ملحوظ في السفارة للإدلاء بأصواتهن، ولم تختلف رغباتهن عن الرجال، الجميع يريد العودة، فتقول تيريز سرحان التي تعيش هناك منذ 40 سنة، إنها تتعجب كثيراً من المواطنين الذين يرون أن لا حق لهم في الانتخاب، والتمسك بمرشح معين، مستكملة: "نحن الذين تركنا الوطن ونريد العودة إليه، نحن من يريد الشعور أن مصر آمنة أكثر من الذين يعيشون في أحضانها، ونرغب في الوقت نفسه الاطمئنان علي أهلنا وأقاربنا، لذلك شاركنا في الانتخابات مساعدة منا في رقي مصر"، متطرقة إلي حال المصريات وما يتعرضن له من تحرش وعنف واعتداء، وأن كل هذا يعكس صورة سلبية عن الوطن، لذلك يجب علي الرئيس مهما كان اسمه أن يجعلها تشعر بالحرية والأمان. وفي تصريح خاص ل "آخر ساعة"، قال سفير مصر في بيروت أشرف حمدي، إن عدد المقبلين علي التصويت في الانتخابات الرئاسية غير مسبوق، إذ بلغ في الساعات الأولي 350 ناخبا وهو إجمالي عدد الناخبين في استفتاء الدستور كافة، الأمر الذي يعكس حرص المصريين الذي يقدر إجمالي عددهم نحو 35 ألفاً بلبنان علي المشاركة في اختيار رئيسهم، موضحاً أن هذا يعود إلي الشحن الإعلامي للتصويت وحق المواطن في اختيار الرئيس، وإلي توسيع قاعدة الناخبين ومنح الكثيرون حق الإدلاء بأصواتهم وعدم تقيد الناخب بدائرة محددة، نافياً وجود حصر لمن يحق لهم الانتخاب بلبنان، بجانب الحملات التي قادتها السفارة قبل بدء الانتخابات بأيام التي تمثلت في التعليمات المنشورة بالصحف اللبنانية وهي أن يجدد الناخب بطاقة رقمه القومي، وألا يكتب فيها مقيم في الخارج، وأن يكون جواز سفره "مُميكن"، وأن من يدلي بصوته في السفارة يُمنع من الانتخاب مرة أخري في مصر، قائلاً إن يوم السبت كان الأكثر إقبالاً من قبل الناخبين لأنه يوم الإجازة الرسمي في لبنان. وأشاد السفير بأجهزة «التابلت» التي وزعتها اللجنة العليا للانتخابات للكشف عن أسماء الناخبين المسجلين، قائلاً إن ترتيبات الدخول والخروج إلي اللجنة الانتخابية "جيدة" حيث يستغرق الناخب نحو 15 دقيقة بدءاً من دخوله السفارة وإدلائه بصوته إلي حين خروجه، مشيراً إلي وجود مراقب من الجامعة العربية لمتابعة العملية الانتخابية. وأوضح صبحي إبراهيم المستشار الإعلامي للسفارة المصرية بلبنان أنهم غير مكلفين بإعلان نتيجة التصويت، وأن اللجنة العليا للانتخابات تملك وحدها ذلك الحق، وأن مهمتهم تنحصر في تسهيل العملية الانتخابية وتشميع الصناديق، لافتا إلي وجود جميع الشرائح المصرية في الانتخاب من نساء ورجال وعمال ورجال أعمال ومسلمين ومسيحيين، نافياً حدوث أية عمليات شغب من مؤيدي الإخوان، وأن الجماعة الإسلامية في لبنان تري أنهم فشلوا في الحكم، وهناك إيمان من قبل المصريين بمرور العملية الانتخابية بسلام.