يحتفل المسلمون هذه الأيام في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحي، أو ذكري طاعة إبراهيم عليه السلام للأمر الإلهي الذي جاءه في منامه بذبح ولده إسماعيل، وطاعة إسماعيل لوالده ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين )، وافتداء الله سبحانه وتعالي لإسماعيل بذبح عظيم جزاء طاعته هو وأبيه. لكن فكرة التضحية والفداء ليست مقصورة علي التراث الإسلامي وحده، فقد عرفتها الإنسانية قبل الإسلام بقرون طويلة كما سنري فيما يلي. في أسطورة عروس النيل في مصر القديمة - مثلاً - يقدم المصريون فتاة جميلة قرباناً لإله النيل ليفتدوا المصريين من الجفاف، وفي التراث اليوناني تتكرر الفكرة، وتقترب كثيراً مما هو موجود في التراث الإسلامي، ففي مسرحية إفيجينيا في أوليس ليوربيديس، الذي عاش منذ ألفين وخمسمائة عام تقريباً، أن اليونانيين كانوا يريدون أن يبحروا نحو اسبرطة للحرب، لكن الإلهة أرتميس منعت الريح التي ستدفع السفن من الهبوب، ثم طلبت أن يقدموا لها أضحية بشرية، فقرر أجاممنون قائد الجيش أن يقدم ابنته إفيجينيا أضحية، غير أن الإلهة افتدتها بحَمَل في لحظة الذبح. الفكرة موجودة في اليهودية أيضاً، إلا أنها تستبدل إسحق بإسماعيل. ففي الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين يأمر سبحانه إبراهيم عليه السلام أن يضحي بابنه إسحق، ويفعل إبراهيم ما يؤمر به، ويضع ولده علي الحطب، ويمسك السكين ليذبحه، وحينئذ يناديه ملاك الرب » لا تمد يدك إلي الغلام ولا تفعل به شيئاً. لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني » ويفتدي الله إسحق بكبش. أما المسيحية فتقوم أساساً علي فكرة الفداء، فالمسيح عندهم جاء إلي الأرض ليفتدي البشر، ويخلصهم، ويغفر خطاياهم. وفي السيرة النبوية، نجد فكرة التضحية بالابن تحدث لوالد النبي قبل الإسلام، حتي إنه صلي الله عليه وسلم وصف نفسه بأنه ابن الذبيحين، إذ نذر جده عبد المطلب أن يذبح واحداً من أبنائه إذا رزقه الله بعشرة أولاد، وحين رزق بالعشرة أبناء كان عليه أن يفي بنذره، وشاءت الأقدار أن يكون عبد الله، والد النبي، هو الذبيح، فافتداه عبد المطلب بمائة من الإبل. ولاتزال الفكرة تعيش بيننا حتي الآن في الأدب المعاصر، كما وجدت من قبل في التراث العالمي، مما يعكس حنيناً دائماً لدي الإنسان للتضحية في سبيل الله أو في سبيل ما يؤمن به.