لا أعرف سبباً في ثقافتنا العربية يفسر لنا لماذا لانهتم بشكل كاف بأصدقائنا من الشخصيات العامة الغربيين ممن يدافعون عن قضايانا ويتحمسون لتجاربنا الوطنية ويتبنون وجهات نظر مناصرة لنا، فنتركهم يدفعون الثمن وحدهم أمام تغول الميديا الصهيونية ومحركي الدمي الكبار من اللوبيات الصهيوأمريكية، فيصادرونهم في بلادهم ويجرونهم للمحاكم بحجة معاداة السامية ويوقفون أحوالهم ويغلقون مصادر أرزاقهم ويتعهدونهم بالتشهير والاضطهاد مثلما حدث مع المفكر الفرنسي روجيه جارودي، هيلين توماس كبيرة مراسلي البيت الأبيض الراحلة، والمخرج الأمريكي مايكل مور، وحاملي نوبل الألماني جونترجراس والكاتب الإسباني ماريوفارغاسيوسا والتركي أورهان باموق والألمانية هيرتا مولر والكاتب الجنوب أفريقي جون ماكس ويلكويتزي والبرتغالي جوزيهساراماجو والكاتبة الأفروأمريكية توني موريسون والفرنسي جوستاف لوكليزيو، وغيرهم كثيرون لم نعبأ بهم، بينما نحتفي بأعدائنا من الكتاب والفنانين العالميين ونتودد إليهم. إنها عقدة النقص والشعور بالدونية وقدر من الغفلة والحماقة. علي أن واقعة مدوية في أبريل الماضي منيت إسرائيل فيها بخيبة ذات صدي واسع، عندما رفضت نجمة هوليوود الإسرائيلية الأمريكية نتالي بورتمان تسلم جائزة إسرائيلية تبلغ قيمتها 2 مليون دولار، اعتراضاً علي عمليات القتل التي مارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين سلميًا شرق غزة، ورفضت حضور حفل توزيع الجوائز في إسرائيل،ما دفع المنظمين إلي إلغاء الحفل بالكامل. ولم تحرك أي مؤسسة أو هيئة عربية ساكناً وتنتهز الفرصة فتدعو هذه الفنانة وتحتفي بها وربما تعوضها عن جائزتها ببعض مما يذهب لغيرها من المحظيات والفنانات من عطايا وهبات. أقول هذا بمناسبة لقاء الأربعاء الماضي في حزب المحافظين كان نجمه السيد فولكهارد فيندفور مراسل ديرشبيجيل الألمانية وعميد ورئيس جمعية المراسلين الأجانب في مصر التي عاش فيها أكثر من أربعين عاماً وهو محب كبير لهذا الوطن، متحمس لقضايانا ربما أكثر من بعضنا، وهو صاحب نشاط كبير أتصور من لقاءات عديدة سمعته فيها أنه يعرف مصر جيداً. من مآثره أنه اصطحب المراسلين الأجانب إلي سيناء وخرج معهم ليعلن أن سيناء آمنة ويشجع الأجانب ويحفزهم للسياحة في مصر. ألا يستأهل مثل هذا الرجل رعاية أكبر من مؤسساتنا الرسمية وأوسمة وجوائز مصرية وعربية، وهو الذي كلما كانت حادثة علي أرضنا أو استهدافاً إعلامياً لبلادنا كان سباقاً للزود والدفاع عنا. ولما كنت قد كتبت في مقالات سابقة أنعي استاتيكية وشكلانية وقعود أحزابنا المصرية، وهاتفني أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين أكثر من مرة ليناقشني ويشرح باستفاضة عن حيوية حزبه ونشاطه وديمقراطيته وجديته، ورغم معرفتي به كشخصية عامة له مواقف وطنية وسياسية محترمة، إلا أنني لم أتلق الأمر بالاهتمام اللازم، إلي أن دعاني لحضور ندوة جمعية المراسلين في الحزب. قبلت الدعوة وحضرت محتشداً للترحيب بعميد المراسلين وكنت علي استعداد للقيام بالترجمة الفورية. ولتعلموا حصافة الرجل وذكاءه فقد استقبلته مع قيادات الحزب الذين كان أغلبهم من الشباب الذين اتضح لي في المناقشات أنهم مثقفون واعون محبون لبلدهم داعمون لها. بادرت الرجل بالترحيب بالألمانية وبادلنا مجاملات الترحيب، بدأت الندوة وإذا به يفاجئ الجميع بأن يطلب أن تكون لغة الندوة باللهجة المصرية التي يجيدها. ومما جاء في حواره »أن جمعية المراسلين لا يوجد لها موقف سياسي من أي حزب مصري وليس لهم رأي خاص، وأضاف أننا نهتم بكل ما يحدث في مصر والمنطقة، وأن مصر بها أكبرعدد من المراسلين بالمنطقة، وأن مهمة رئيس جمعية المراسلين الأجانب توسيع الأفق المهني لأعضائها وليس مساءلة المراسلين عما يكتبون» وأضاف: إن بعض وسائل الإعلام الأجنبية تنشرأخبارا وتقارير غير صحيحة عن مصر، وأن السبب وراء ذلك ازدياد الضغط الاقتصادي علي الصحافة الأجنبية وقلة توزيعها واعتمادها علي مصادرمحلية،وفي أعتقاده أن هذا وراءه أسباب سياسية وللأموال أيضاً دور فيها. وبادر أنه كان ينتوي زيارة الأحزاب المصرية ليناقشها ويعرفها هو والمراسلين عن قرب، وقال لقد جاء حزب المحافظين الأول في الزيارة لمبادرته بدعوتنا، ثم لعلمي أنكم مختلفون في الشكل التنظيمي للحزب عن الأحزاب الأخري لذلك أريد أن أسألكم عن توجهات الحزب وسياساته وأي الأحزاب الأجنبية هو الأقرب لكم في التشكيل والتوجهات، وموقف الحزب من العلمانية والعلاقات الدولية والمواقف السياسية للدول؟»وللإجابة عليه تحدث عدد من الشبان المسئولين عن الثقافة والإعلام والتنظيم والعلاقات الخارجية والشباب والمرأة والبرلمان، واكتشفت أنهم جميعهم نواب لرئيس الحزب يشكلون مجلساً رئاسياً لا يحتكر رئيس الحزب القرار فيه، وأنه حزب ليبرالي يمثل يمين الوسط، لكنه يتبني سياسات حمائية للبسطاء تذهب به أيضاً إلي يسار الوسط. أرجوكم اهتموا برعاية المراسلين، وافتحوا لأحزابنا مساحة في المجال العام فهذا يقوي النظام ولا يخصم منه.