يبدو أننا فى حاجة إلى إيقاظ كثير منا غَفَوْا وهم يتابعون الفيلم الذى ينتجه ويخرجه، على نحو هزيل ردىء، المجلس العسكرى وجنرالاته ومنافقوه، ويمثل فيه الجميع بأدوار لا تقل رداءة! نوبة الصحيان التى بدت من المشير طنطاوى جاءت متأخرة جدا ومرتبكة تماما، ولا علاقة لها بالمنطق وأشبه ما يكون بكل ما فعله العسكرى منذ جاء، منهج «نفذ واتظلم»، طريقة الأمر الصادر من القائد ولا أحد قادر على أن يقول له إن هذا قرار خاطئ وحيودينا فى داهية، بل الكل يتعامل كما تعودنا فى مصر بطاعة المسؤولين تجاه رئيسهم أيا كان الرئيس، ومن قيادات الحزب تجاه رئيسهم أيا كان الحزب، نفس أسلوب مرشد الإخوان الذى يقول فيطيع الأعضاء ونفس سلوك مريدى حازم أبو إسماعيل، حيث لا يمكن للشيخ أن يخطئ، فما بالك بأن يكذب. هذه الجينات الفرعونية المزروعة فى كرات الدم البيضاء والحمراء فى المصريين تتجه بنا إلى هُوَّة سحيقة وربما قبر عميق عريض سندفن أنفسنا فيه ونتوسل إلى غيرنا أن يردموا علينا، فالثورة العظيمة التى جرت فى 18يوما كانت استثناء على ما يبدو، وحين جاء اليوم التاسع عشر وجدنا شعبا بلا عقل نقدى، وبلا وعى ثقافى سياسى وبلا قدرة على الفرز بين الطيب والخبيث، وبلا مؤهلات نفسية للانضباط وسط الفوضى وللرؤية وسط الضباب، شعبا مجهزا للقشور الدينية وللمظهر دون الجوهر الدينى الأصيل ومهيأً لتصديق الخرافات والبلاهات ومزودا بشبق نهم للتجريح وللطعن فى الجميع، فكانت المحصلة حصيلة بالغة الرداءة للانتخابات البرلمانية ومتنافسين متوسطى الكفاءات على الرئاسة مع احترامنا لهم جميعا، فلا أحد منبهر بهم ولا واحد فيهم يمثل حلما لأحد. لكن صحيح أن المشير طنطاوى لم يطلب فى اجتماعه الأخير تأجيل انتخابات الرئاسة، لكنه قال ما هو أفدح من ذلك، قال -لا فُض فوه- إنه لا انتخابات رئاسية من غير كتابة الدستور، وذلك فى قولة واحدة خلال اجتماعه مع القوى والتيارات السياسية الذى يبدو أن فخامة المكان ورهبة الكاكى ومهابة الطقوس تجعلهم يسكتون ويخرسون تماما عن مناقشة الأوامر العسكرية. وما طلبه المشير يعنى إلغاء الانتخابات الرئاسية، وكون أن أحدا لم يصل إلى هذه النتيجة لا يعنى أنها خاطئة، بل يعنى أن العقول بعافية قوى! مرة أخرى دعنا نشرح لهؤلاء حجم الهرتلة التى يثرثرون بها وحجم المهزلة حين نحوِّل أحلام سيادته إلى أوامر! 18يوما فقط هى ما سوف يتبقى فعلا على انتخابات الرئاسة عقب اجتماع المشير مع القوى السياسية لإقرار معايير اختيار لجنة صياغة الدستور يوم الأحد 22 أبريل، فتصويت المصريين فى الخارج لانتخابات الرئاسة سوف يبدأ يوم 11مايو ولا بد من إقرار الدستور قبل الرئاسة، كما أمر سيادة المشير عساكره وسياسييه. إذن مطلوب 18يوما فقط نختار فيها المئة شخصية بعد الاستقرار على معاييرهم ثم نكتب الدستور ثم نعرضه على الناس فى حوار، اسم النبى حارسه، مجتمعى ثم نحضر الصناديق البلاستيك الجديدة بتاعة المعونة وعبوات الحبر الفسفورى المعونة برضه، ونجهز خمسين مليون بطاقة تصويت ونوقف الدراسة فى المدارس التى تشهد امتحانات نهاية العام كى ندعو الناس للاستفتاء على الدستور بلا أو نعم، ثم نفرز ونجمع ونطرح ونعلن النتيجة، كل هذا فى 18يوما فقط. هنا مشكلتان.. الأولى ماذا لو قال الناس لهذا الدستور المعجزة «لا»؟ ساعتها نعمل إيه ونغيره إمتى قبل انتخابات الرئاسة التى ستبدأ ثانى يوم إعلان نتيجة الاستفتاء؟ الثانية: ماذا لو كانت معايير الترشح للرئاسة قد اختلفت عن الإعلان الدستورى، فتم إلغاء مادة جنسية الوالدين مثلا؟ هل سنفتح باب الترشح للرئاسة من جديد قبل 24 ساعة من انتخابات الرئاسة؟ أم سنلغى انتخابات الرئاسة أصلا، لأنها تجرى على قواعد تم إلغاؤها فى الدستور الجديد؟ لن يكون هناك حل ل«الدستور قبل الرئاسة» إلا بإلغاء انتخابات الرئاسة، وهذا ما يؤكد أن طلب المشير طنطاوى عبثى، لكن الأكثر عبثا أنهم يفكرون فى تنفيذه!