استضافت البحرين القمة الخليجية الأسبوع الماضى للمرة الثامنة فى تاريخها منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجى قبل 44 عامًا، تلك القمة التى حملت عنوان التكامل الاقتصادى والأمن الجماعى، ورغم غياب أمير قطر عن القمة، فإن «إعلان الصخير» الختامى حمل العديد من الرسائل المتعلقة بآثار الهجوم الإسرائيلى الذى شهدته العاصمة القطريةالدوحة فى التاسع من سبتمبر الماضى، حيث تمسكت دول الخليج العربية بأن أمن واستقرار دول مجلس التعاون كلٌّ لا يتجزأ، مؤكدة مساعيها لتعزيز أمنها الجماعى من خلال حزمة من المشاريع الدفاعية المشتركة، وعلى رأسها القبة الدفاعية الصاروخية المشتركة، هذا المشروع الذى يجرى التفاوض مع الولايات المتحدةالأمريكية لإتمامه، وذلك بحسب ما أعلنه جاسم البديوى الأمين العام لمجلس التعاون. من أبرز ما لفت الأنظار للقمة هو مشاركة سلطان عمان بها، وذلك للمرة الأولى مُنذ 14 عامًا يرتفع مستوى التمثيل العُمانى فى القمم الخليجية، لتعكس مشاركة سلطان عُمان هيثم بن طارق الرغبة العمانية المتنامية فى مزيد من الانخراط فى مجلس التعاون الذى ينظر له كمنظومة إقليمية نجحت فى تثبيت أركانها كلاعب مؤثر فى القضايا الإقليمية والدولية خلال العقدين الأخيرين. اقرأ أيضًا | وزيرا خارجيتي الإماراتوالبحرين يبحثان تعزيز علاقات التعاون وتأتى رئاسة البحرين للقمة الخليجية السادسة والأربعين بعد ختام رئاستها للقمة العربية الثالثة والثلاثين مايو الماضى، لتقود مسيرة التعاون الخليجى خلال عام 2026 الذى تبدأ فيه عضويتها كممثلة للمجموعة العربية فى مجلس الأمن، والذى تسعى من خلاله المنامة إلى حمل رسالة السلام لجميع أنحاء الشرق الأوسط، من خلال تصفير أزمات المنطقة التى تعصف بها المتغيرات الجيوسياسية والصراعات الساخنة. المساعى البحرينية ترجمها وزير خارجيتها د. عبد اللطيف الزيانى بوضوح من خلال الكشف عن أن بلاده ترحب بعودة العلاقات مع إيران التى وصفها بالدولة الجارة، مشددًا على أن بلاده لن تكون عقبة فى سبيل أى تنسيق أو تعاون أو مباحثات مع الجمهورية الإسلامية ومجلس التعاون ككل، كما أن البيان الختامى للقمة حمل إدانة خليجية واضحة للهجمات الإسرائيلية على طهران. قمة البحرين وبيانها الذى وصلت بنوده إلى 162 بندًا، رحب بمخرجات قمة شرم الشيخ للسلام، وعبر القادة الخليجيون عن دعمهم للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى ضمان الالتزام الكامل ببنود اتفاق إنهاء الحرب فى قطاع غزة، وتيسير إيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وتعزيز الجهود والمساعى المؤدية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية وفقًا لحل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى وشعوب المنطقة كافة فى العيش بأمن وسلام. كما أكدوا دعم الخطة العربية بشأن التعافى المبكر وإعادة إعمار غزة المعتمدة من القمة العربية غير العادية «قمة فلسطين» المنعقدة فى 4 مارس 2025م، فى القاهرة، مؤكدين أن مستقبل قطاع غزة يجب أن يكون فى سياق الدولة الفلسطينية الموحدة، وتنفيذ حل الدولتين. ورحب المجلس بقرار القمة بعقد مؤتمر دولى للتعافى وإعادة الإعمار فى قطاع غزة، وحثّ المجتمع الدولى وكل الدول الشقيقة والصديقة على المشاركة الفاعلة والسخية فى مؤتمر المانحين لإعادة الإعمار المزمع إقامته فى مصر. أما بشأن الأوضاع فى السودان فإن القمة الخليجية رحبت بإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عزمه بالعمل مع المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، وشركاء آخرين فى الشرق الأوسط، من أجل وقف الحرب فى السودان، لتحقيق الاستقرار الدائم فيه واستعادة السلم والأمن فى السودان. ولعل من أبرز الرسائل التى حملتها قمة البحرين الدعوة التى أطلقتها ضيفة شرف القمة الخليجية رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى التى كشفت عن العمل إلى عقد قمة تجمع دول الخليج مع دول المتوسط، مشيرة إلى أن البحر المتوسط يعبره 20% من حركة الملاحة العالمية بفضل قناة السويس، مؤكدة أن منطقتى المتوسط والخليج تحتضنان أهم الممرات الاستراتيجية فى العالم: مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس، وجبل طارق، لأنها شبكة وصل بين آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة. الاقتصاد لم يكن غائبا عن القمة الخليجية التى كشفت عن مشروعات تنموية واقتصادية طموحة لدول مجلس التعاون التى تسعى للخروج من دائرة الاقتصاد النفطى، عبر مواصلة مسارات التنويع الاقتصادى والتطلع إلى استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، وتعزيز التجارة والسياحة، وتشجيع الاستثمار فى المشاريع الاستراتيجية، لا سيما فى مجالات البنية التحتية والنقل والطاقة والاتصالات والمياه والغذاء، وتعزيز تكامل البنية التحتية الرقمية، وتيسير التجارة الإلكترونية، ودعم تطوير الأنظمة المشتركة للدفع الرقمى والخدمات السحابية، بما يسهم فى تحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة ودعم التنمية الشاملة والمستدامة. وكشفت مصادر خليجية عن أن البحرين قدمت مبادرة للمرة الأولى على مستوى القمم الخليجية وهى اقتراح برنامج عمل خلال فترة رئاستها للقمة يتضمن مجموعة من المشاريع المتعلقة بالأمن الغذائى والأمن المائى والأمن الصحى والأمن السيبرانى والاقتصاد والتنمية بالإضافة إلى بعض المبادرات التى تعزز المواطنة الخليجية. وأكد الباحث السياسى البحرينى أحمد الخزاعى أن الدول الخليجية أصبحت أكثر نشاطا فى إدارة الأزمات عبر الوساطة وبناء قنوات اتصال مع أطراف متعارضة واستخدام القوة الاقتصادية كأداة تأثير إضافة إلى تبنى الدبلوماسية الوقائية التى تهدف إلى منع الأزمات قبل تفاقمها، منوها إلى أن مبادرات التعاون الأمنى والعسكرى بين دول الخليج رفعت مستوى التنسيق الاستخباراتى وطورت خطط الدفاع الجماعى فيما بينها. فيما أشار د. محمد العريمى رئيس جمعية الصحفيين العمانية إلى أن الصوت الخليجى بات أكثر تناغما وتماسكا فى التعامل مع الأزمات، من خلال التحرك ككتلة واحدة ذات وزن تفاوضى وسياسى أكبر مما انعكس على قدرتها فى التأثير وصياغة اتجاهات التهدئة وخفض التصعيد فى المناطق الملتهبة.