«وثقت وسائل إعلام عدة تقارير تؤكد أن جنودًا إسرائيليين استخدموا المدنيين العزل كدروع بشرية وأطلقوا النار عليهم عند نقاط توزيع المساعدات فى غزة» يبدو أن عالمنا لم يغادر جنونه وعنفه ووحشيته، ولم يشعر بالتحضر والدفء الإنسانى، ولم يوقن أن هناك قوانين ومواثيق دولية وضعت لتحكمه، فتتكرر جرائم قتل مجانية لمدنيين عزل وبمنتهى القسوة: رجل يدفع مالا ليقتل طفلا بريئا، امرأة تُغتصب وتقتل كأداة حرب، ورجل يُجبر على حماية من يقتله. هذه ليست مشاهد من اختراع خيالى، بل حقائق موثقة من «سراييفو، والفاشر، وغزة»، ثلاث مدن، وثلاث جرائم، وضحية واحدة: الإنسان المدنى الأعزل. السبت: سياحة قنص المدنيين منذ أسابيع قليلة نشرت إحدى الصحف الإيطالية أخبارا عن عمليات قنص وقتل لمدنيين عزل فى مدينة «سراييفو» خلال «حرب البوسنة»، وتورط مواطنين إيطاليين من اليمين المتطرف فى العملية، وسريعا فتحت السلطات الإيطالية ملفًا جنائيًا حول ما نشر. وزعمت الصحيفة أنه خلال حصار سراييفو (1992-1996)، قُتل أكثر من 10 آلاف مدنى، برصاص قناصة أثرياء أوروبيون دفعوا المال لقنص المدنيين للتسلية فيما أطلق عليه «سياحة القنص»، وقد روت التقارير الصحفية، أنه خلال حصار قوات صرب البوسنة لمدينة «سراييفو» الذى استمر نحو أربع سنوات من «إبريل 1992 حتى فبراير 1996»، ويُعد أطول حصار لعاصمة فى التاريخ الحديث، تعرض سكانها للقصف والقنص، ونقص حاد فى الغذاء والدواء، وزعمت الصحيفة أن أثرياء أوروبيين من دول مثل ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا، دفعوا ما يصل إلى 90 ألف دولار للمشاركة فيما سُمى ب»سفارى بشرية». ولتزكية وقت فراغ الأثرياء السياح الأوروبيين كانوا يُرافقون ضباطًا من الجيش «الصربى البوسني» إلى مواقع القنص، ويُمنحون الفرصة لإطلاق النار على المدنيين العزل المحاصرين، وكانوا يتمركزون فى مواقع مرتفعة حول المدينة، ويستهدفون المدنيين بشكل متعمد، بما فى ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، وكانت الطرق الرئيسية مثل «شارع القناصة» مناطق موت، حيث كان عبور المدنيين يُعد مخاطرة يومية، وتم استخدام الشرفات المطلة على الأحياء السكنية كمنصات للقنص، حيث يتحول الإنسان إلى هدفٍ فى لعبةٍ دموية مدفوعة الثمن. هذا السلوك لم يكن فقط جريمة حرب، بل انحدار أخلاقى غير مسبوق، حيث يُشترى الموت ويُباع الألم. وما نشر فى الجريدة سبق وقد ظهر بداية فى فيلم وثائقى عام 2022، ثم نُشر كاعترافات فى صحف إيطالية ونقلتها «الجارديان» البريطانية، لكن حتى اليوم رغم انتشار الروايات، فإنها لا تستند إلى توثيق قضائى رسمى حتى الآن، وتبقى ضمن نطاق التحقيقات الصحفية والشهادات الفردية. لكن فتح التحقيقات بعد ثلاثة عقود أثار مشاعر متباينة فى العالم وخاصة فى «سراييفو» بين الغضب والارتياح، وسط دعوات لتحقيق العدالة للضحايا. أى جنون هذا وأى عقل يمكن أن يستوعب أن تكون أرواح الأبرياء لعبة سياحية يقتل من يقتل بدم بارد بلا ذنب اقترفه وبلا عقاب للجانى السفاح. الإثنين: اغتصابات ومجازر ومن مدينة «الفاشر» السودانية، لا تأتى غير أنباء عن مجازر واغتصابات مروعة ترتكبها قوات الدعم السريع، ما بين القتل، والسحل بحق المدنيين العزل، بمن فيهم النساء والأطفال. انتهاكات وحشية بلا رحمة وليست مجرد تجاوزات، بل جرائم ضد الإنسانية والمدنيين بهدف تفريغ المدينة من سكانها، وإرهاب من تبقى منهم، وقد وثّقت منظمات حقوقية وشهادات محلية القتل الجماعى للمدنيين على يد قوات الدعم السريع، وسحل وتشويه الجثث فى الشوارع، واغتصاب ممنهج للنساء كوسيلة ترهيب وتطهير عرقى، كل ذلك يعد جرائم ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولى ونمطًا ممنهجًا من العنف الجنسى فى النزاعات المسلحة. ومن أبرز الجرائم الموثقة من قبل المنظمات الحقوقية وتقارير الأممالمتحدة ضد المدنيين فى مدينة الفاشر، الإعدامات الميدانية للمدنيين على أساس عرقى، وعمليات إعدام جماعى استهدفت أفرادًا من مجموعات عرقية معينة، وحالات من اغتصاب جماعى ضد النساء، بعضها داخل المرافق الصحية أو أثناء عمليات النزوح، مما يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وعمليات القتل واسعة النطاق للمدنيين بعد السيطرة على «الفاشر»، واستهداف مناطق سكنية بالقصف والحصار، واختطاف مقابل فدية، واعتقالات تعسفية، واختطاف مئات المدنيين، بينهم أطفال ونساء، واحتجاز فى ظروف غير إنسانية، وطلبات فدية مقابل إطلاق سراح، وشملت الانتهاكات هجمات على المستشفيات، واعتداءات على الطواقم الطبية والعاملين فى المجال الإنسانى، مما أدى إلى انهيار الخدمات الصحية فى المدينة، وأكثر من 260 ألف مدنى، نصفهم أطفال، حوصروا داخل المدينة، واضطر بعضهم لتناول علف الحيوانات بسبب انعدام الغذاء، و»الفاشر» اليوم تقف شاهدة على الانهيار الكامل للعدالة والرحمة فى ظل صراعٍ عبثى لا يرحم على تولى السلطة بالبلاد. الأربعاء: أبرياء دروع بشرية وفى قطاع غزة، أقر ضباط فى الجيش الإسرائيلى باستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية خلال العمليات العسكرية، خاصة فى اقتحام الأنفاق والمناطق الخطرة. هذا الاعتراف الصريح يمثل صفعة على وجه القانون الدولى، ويكشف عن سياسة ممنهجة فى تجاهل حقوق الإنسان، حيث يُجبر الأبرياء العزل على الوقوف فى وجه الخطر لحماية الجنود الإسرائيليين ممن يحملون السلاح. وقيل إن الاستخبارات الأمريكية جمعت معلومات فى أواخر عام 2024 تفيد بأن مسئولين إسرائيليين ناقشوا إرسال فلسطينيين إلى أنفاق يُعتقد أنها مفخخة، لحماية الجنود الإسرائيليين. وقد وثقت وسائل إعلام عدة تقارير تؤكد أن جنودًا إسرائيليين استخدموا المدنيين العزل كدروع بشرية وأطلقوا النار عليهم عند نقاط توزيع المساعدات فى غزة، كل هذا وقع وقت تصاعد العمليات العسكرية فى غزة، حيث تتزايد الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وحتى اليوم لم يصدر حتى رد رسمى من الحكومة الإسرائيلية ينفى ذلك. أخيرا ما يجمع هذه الوقائع الثلاث هو الاستخدام المتعمد للمدنيين كأدوات فى الحرب، سواء عبر القنص المدفوع، أو الاغتصاب كسلاح، أو تحويلهم إلى دروع بشرية. فى كل حالة، يُنتزع من الإنسان حقه فى الحياة، ويُعامل كوسيلة لا غاية. الجمعة: مجازر قتل الأطفال حتى الأطفال لم يفلتوا من القتل، فما يزيد على 12 ألف طفل قُتلوا أثناء الحروب أو أُصيبوا العام الماضى، هذا ما جاء فى تقرير أخير لمنظمة «أنقذوا الأطفال» (Save the Children) البريطانية، وأوضح التقرير أن الأسلحة المتفجرة كانت سببا رئيسيا فى مقتل وإصابة أطفال أبرياء غير مشاركين فى الحروب وذلك مع انتقال النزاعات بشكل متزايد إلى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، ولفتت المنظمة أن العدد ارتفع بنسبة 42% مقارنة بعام 2020، ما يجعله الحصيلة الأعلى منذ بدء تسجيل هذه البيانات. المثير أن الأطفال كانوا قبل ذلك أيضا فى مناطق النزاعات أكثر عرضة للوفاة بسبب سوء التغذية أو الأمراض أو انهيار الأنظمة الصحية، لكن فى السنوات الأخيرة أصبح العنف المباشر هو العامل الأكثر فتكًا، وقد شهد التقرير أن أكبر عدد من مجازر قتل الأطفال الأبرياء خلال الحروب تم رصده فى غزة والضفة وسوريا فى عام 2024، وفى بورما وأوكرانيا، وهكذا وسط عالم بلا قلب أصبح الأطفال فى قلب ساحات القتال، وليسوا مجرد ضحايا جانبيين. ما باحت به المنظمات البريطانية يشير إلى أن العام الماضى هو الأكثر دموية للأطفال منذ نحو عقدين، وأن النزاعات الحديثة لم تعد تقتل الأطفال عبر الجوع والمرض، بل بشكل مباشر عبر القصف والقتال. مما قيل فى الحرب: «أسوأ ما فى الحرب، هو تحولنا إما لقاتل أو قتيل، قتيل لا يعرف وجه صاحبه، وقاتل سيتذكر دوما وجه القتيل...! ما زلت أكره الحرب، وأقف ضدها بكل ما أوتيت من قدرة على الرفض، أقف ضدها لأنى أعرف أننا مهزومون فيها منذ اللحظة التى خضناها، مهزومون ولو انتصرنا! مهزومون فى إنسانيتنا على الأقل، أو على الأكثر!».