حين تُكتب فصول التاريخ البريطاني غالبًا ما يُروى عن رئيس الوزراء البريطاني السابق «وينستون تشرشل» بصفته رجل الحرب، خطيب الأمة، وصاحب السيجار الشهير في لحظات الحسم. لكن هناك سردية أخرى، لا تُروى عادة تجرى فى ممرات القصور، في جلسات خاصة وراء الجدران العتيقة، في نظرات متبادلة بين قائد الأمة وملوكها. هنا تحديدًا يدخل أشهر مؤرخي القصور الملكية، الكاتب البريطاني «أندرو مورتون»، ليكشف الستار عن تشرشل الذي لم نعرفه بعد. ◄ سيرة مزدوجة ترصد توازي المصير بين رجل ودولة ◄ وينستون وتاج وندسور.. تحالفات الظل في قلب السلطة ■ كتاب وينستون وآل وندسور في عمله الجديد المنتظر «وينستون وآل وندسور: كيف شكّل تشرشل العائلة الملكية» ينقلنا مورتون إلى قلب علاقة غامضة، تارةً متوترة وتارةً حنونة، جمعت بين الرجل الذي رأي نفسه مقدَّرًا ليحكم، والعائلة الملكية. ليس هذا كتابًا تقليديًا عن بطل الأمة، بل هو سيرة مزدوجة ترصد توازى المصير بين رجل ودولة، بين زئير السياسة وهمس الملكية. فالسيرة هنا مزدوجة، تشبه رقصة بين تاج ثقيل ورجل يرى نفسه منذ شبابه محاطًا بالقدر، رجل لا يرى في نفسه مجرد سياسي، بل بطل على مسرح التاريخ، له صلاته الخاصة بالعرش. يصدر هذا العمل في 21 أكتوبر 2025 عن دار Michael O›Mara Books في المملكة المتحدة، وHarperCollins فى الولاياتالمتحدة. يمتد على 400 صفحة مع الصور، تمنح القارئ ملامح بصرية نادرة للحظات شكّلت القرن العشرين البريطاني. ■ مع الملكة إليزابيث ◄ اقرأ أيضًا | نظارات ونستون تشرشل تعرض للبيع ب80 ألف دولار ◄ ناصح الملوك يبدأ مورتون الحكاية من نقطة غير متوقعة؛ من تشرشل الشاب، الحالم، المتوهج بالطموح، الذي لم يكتفِ بحلم القيادة، بل سعى إلى مقعد خاص في صالون الملوك. كان تشرشل، منذ بداياته، يقترب من الملكية لا كمجرد تابع لمؤسسة، بل كمحاور لرمز. كانت علاقته بإدوارد السابع بمثابة الطقس الأول في هذه السلسلة الطويلة من اللقاءات؛ علاقة لم تُبنَ على المجاملات، بل على فهم مبكر لطبيعة القوة وتوازنها داخل الدولة البريطانية. منذ تلك اللحظة لم يكن القصر بالنسبة لتشرشل مجرد رمز، بل شريك ضمنى فى مشروعه الشخصى لرسم ملامح بريطانيا الحديثة. لم يكن يخشى الدخول فى دوائر التأثير، حتى وإن كانت محفوفة بالبروتوكولات والخطوط الحمراء. ينتقل بنا مورتون عبر الزمن، متنقلًا بسلاسة بين عهد وآخر، ليرينا كيف تغيّرت علاقات تشرشل بالملوك تبعًا للمرحلة السياسية وللتقلّبات الشخصية. مع الملك «جورج الخامس»، كان تشرشل حذرًا كراقصٍ فوق جليد رقيق؛ يعرف متى يقترب ومتى يتراجع. أما مع الملك «إدوارد الثامن»، فقد واجه تشرشل لحظة مفصلية: ملكٌ يتنازل عن العرش حبًا، ومؤسسة رسمية تئن من الضغط، وبينهما تشرشل، الذى اختار الولاء للملك، متحديًا البرلمان والكنيسة وحتى الرأى العام. يُقدّم مورتون هذه المحطة لا كرومانسية عابرة، بل كفصل فى فلسفة تشرشل السياسية. لم يكن الدفاع عن التاج فعل عاطفة، بل رؤية سياسية ترى فى الملكية صمّام أمان لبريطانيا العميقة. حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، احتاج الملك «جورج السادس» إلى أكثر من رئيس وزراء؛ كان بحاجة إلى شريك فى الخوف، فى المسئولية، فى القرار. يصف مورتون هذه الشراكة كما لو أنها وُلدت من قلب العاصفة: ملكٌ متردد، وصاحب قرارٍ لا يهدأ. فى الظلال، تشكّلت بينهما علاقة نادرة، محكومة بالصمت أحيانًا أكثر من الكلمات، قائمة على الاحترام المتبادل والخوف المشترك من الفشل أمام شعب جريح. ■ وينستون تشرشل ◄ علاقة رمزية حين اعتلت الملكة «إليزابيث الثانية» العرش، كان تشرشل قد بلغ ذروة مجده واختفائه فى آنٍ واحد. لكن علاقته بالملكة الشابة لم تكن علاقة سياسى بزميلة فى الدولة، بل علاقة تشبه الأبوة الرمزية. قدّم لها من تجربته ما يشبه الشعلة التى تنتقل من جيل إلى آخر، من رجلٍ تكسرت عليه أمواج القرن، إلى ملكة تستعد لحمله على عاتقها. ليست براعة مورتون فى جمع الوثائق أو فك طلاسم المراسلات الخاصة فقط، بل فى قدرته على إحياء الشخصيات من بين الأسطر. يجعل من القصور أماكن تنبض بالحوار، ومن الوثائق لحظات نابضة بالروح. لا يُقدّم تشرشل تمثالًا تاريخيًا، بل كائنًا بشريًا متكاملًا، حادّ الطباع، مثقَلًا بالحكمة، وعاشقًا للدراما السياسية. استند مورتون إلى أرشيف نادر، شمل يوميات ورسائل غير منشورة، ليُعيد تركيب لوحة من العلاقات الملكية والسياسية التى شكّلت بريطانيا الحديثة. لكنه، رغم كل هذا العمق، لا يغفل الجانب الإنساني: لحظات ضعف، مواقف شجاعة، ومفارقات لا تخلو من الدهشة. ◄ رقصة السياسة ليس هذا الكتاب دعوة للتأمل فى ماضٍ بعيد فحسب، بل هو مرآة تعكس كيف تتشكّل الدولة من صراع داخلى بين الرمز والسلطة. يُفكّك مورتون أسطورة «التوافق التام» بين الملك ورئيس وزرائه، ليُظهر التوترات، المصالح، والحسابات المتبادلة التى تحكم العلاقات فى القمم. يُعد هذا العمل أحد أبرز إسهامات مورتون فى أدب السيرة، ويأتى تتويجًا لمسيرة بدأها مع كتابه الأشهر «ديانا: قصتها الحقيقية»، الذى هز المجتمع البريطانى وكشف جوانب خفية من الحياة الملكية. واليوم، يعود ليمنحنا صورة متكاملة عن تشرشل، لا كصانع قرار فقط، بل كفاعلٍ خفى فى مشروع الملكية ذاتها. ◄ التاج والقلم «وينستون وآل وندسور» ليس كتابًا فقط، بل وثيقة حيّة تُعيد سرد التاريخ البريطانى من الداخل، من عمق العلاقات الإنسانية والسياسية التى شكّلت هوية الأمة. وبقلم «مورتون»، المؤرخ الذي يعرف كيف يزرع الحياة فى صفحات أرشيف بارد، يصبح الماضي مادة خصبة لفهم الحاضر. وفي أكتوبر 2025، سيكون القراء على موعد مع هذه الحكاية المزدوجة، التى تُظهر أن أعظم التحولات لا تحدث على المنصات الكبرى فقط، بل فى النظرات الصامتة والمواقف الحاسمة، حيث يلتقى التاج بالقلم، والعرش بالكاريزما.