فى عزّ أزمة كورونا، كانت سماء العالم تشهد مشاهد أشبه بالأفلام؛ طائرات مُحمّلة بالأمصال واللقاحات تُختطف فى الطريق، ودول كبرى تتصارع لتأمين حصتها، بعدما اكتشفت فجأة أنها عاجزة عن توفير احتياجاتها. الدرس كان قاسيًا، ومصر كانت من أوائل من فهموه. عيون حراس دواء أهل مصر كانت يقظة دائمًا، ولذلك قررت شركة «إيبيكو» للصناعات الدوائية، وهى إحدى شركات «أكديما» القابضة الذراع القوية للدولة فى مجال صناعة الدواء، اتخاذ خطوة جريئة لن يبقى معها المصرى رهينة الاستيراد ولا رهينة تقلبات الأسواق العالمية. جاء التحالف بين «أكديما» والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ليطلق مشروعًا استراتيجيًا عملاقًا: أول مصنع مصرى متعدد الأغراض للخامات الدوائية، مُقام على مساحة 97 ألف متر مربع فى العين السخنة، باستثمارات تصل إلى 120 مليون دولار. المصنع سيُنتج 54 مادة فعّالة تدخل فى صناعة أهم الأدوية: من أدوية القلب وضغط الدم، إلى أدوية السكرى، والمضادات الحيوية التى لا يخلو منها بيت، وصولًا إلى علاجات الجهاز التنفسى، والمسكنات، ومضادات الالتهابات. بمعنى آخر، الدواء الذى كان المريض المصرى يبحث عنه وقت الأزمات سيُصنع هنا فى بلده. وما يزيد عن احتياجات السوق المحلى سيتجه إلى التصدير، ليضيف مصدر دخل جديداً للدولة، ويفتح فرص عمل للمواطنين، والأهم أنه يمنح المريض طمأنينة مُضاعفة حين يقرأ على علبة دوائه: «صُنع فى مصر». وفى الجلسة التشاورية التى عُقدت بالمنطقة الاقتصادية، لم يكن الحماس محصورًا فى هيئة الدواء أو البنوك وحدها، بل امتد إلى المجتمع المحلى فى السخنة. فالجميع أدرك أن ما يُبنى ليس مجرد مصنع، بل جدار حصين يحمى صحة المصريين، ونقلة حقيقية من التبعية إلى الاكتفاء الدوائى، ومن الانتظار إلى المبادرة. اليوم فى مصر وعلى أرض العين السخنة، تُكتب صفحة جديدة فى تاريخ صناعة الدواء المصرية، صفحة عنوانها الثقة، والاكتفاء، وأمل يليق بمصر وأهلها.