في العالم الغامض، حيث تتقاطع الدبلوماسية والتجسس ومصائر البشر، ظلت حرب سرية تتصاعد بهدوء منذ أكثر من عقدين؛ نزاع أعاد تشكيل العلاقة بين الولاياتالمتحدةوروسيا بصورة جذرية. هذه هى الحكاية المروعة التى يكشفها كتاب المقايضة: التاريخ السرى للحرب الباردة الجديدة، وهو رواية صاغها الصحفيان «درو هينشو» و«جو باركنسون»، عضوا فريق التحقيقات الحائز على الجوائز في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. بإيقاع مثير وسرد يضاهى أفضل روايات التجسس، يرفع الكتاب الستار عن لعبة وحشية من أخذ الرهائن خطط لها الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، لعبة تحول فيها البشر إلى أوراق رهانات على طاولة البوكر الجيوسياسية. ◄ حرب الرهائن الخفية.. كيف أعادت موسكو تشكيل قواعد اللعبة؟! ◄ «المقايضة».. بين دهاء الكرملين وعجز البيت الأبيض تبدأ القصة بفرضية مروعة؛ حين أعادت أجهزة الاستخبارات الروسية، التى تذكرنا بكفاءة جهاز المخابرات السوفيتى ال KGB فى ذروة الحرب الباردة، زرع نفوذها بعمق داخل الغرب. لم تكتفِ بالتجسس وجمع المعلومات، بل بدأت بشكل علنى فى اعتقال مواطنين أمريكيين بتهم ملفقة أو مبالغ فيها. لم تكن هذه الاعتقالات حوادث فردية، بل استراتيجية مدروسة لإجبار الولاياتالمتحدة على اللعب وفق قواعد موسكو القاسية. كانت لعبة ابتزاز لا رحمة فيها، تتمحور حول مصائر البشر، وتقوض قواعد الدبلوماسية التقليدية، لتعيد واشنطنوموسكو إلى ديناميكية صفقات باردة تعيد إلى الأذهان صراعات الحرب الباردة. ◄ مقايضات مظلمة في قلب هذه الحرب الخفية تقف قصص أفراد تورطت حياتهم فى هذه المقايضات المظلمة؛ نجمة كرة السلة الأولمبية المحتجزة فى روسيا «بريتنى جراينر»، ومراسل وول ستريت جورنال «إيفان جيرشكوفيتش» المعتقل بتهم تجسس، وجندى مشاة البحرية السابق «بول ويلان» المتورط فى شبكة اتهامات استخباراتية؛ جميعهم تحولوا إلى بيادق بارزة فى مباراة شطرنج قاتمة. اعتقالاتهم، التى جرى التعتيم عليها فى معظم الأحيان، كانت جزءًا من صراع مخفى يختبئ وراء قشرة الدبلوماسية. عائلاتهم، مواطنون عاديون وُضعوا فجأة فى ظروف استثنائية، أصبحوا جبهات نضال أمامية، يخوضون متاهات القنوات الدبلوماسية لتحرير أحبائهم. بلغت الرهانات ذروتها فى الأول من أغسطس 2024، حين جرى أكبر وأعقد تبادل أسرى فى الذاكرة الحديثة. أربعة وعشرون شخصًا موزعون عبر سبع دول جرى مبادلتهم فى عملية محفوفة بالمخاطر، شملت مجموعة مذهلة من السجناء: ثمانية جواسيس روس، مهربين، قراصنة، وحتى قاتل مأجور محترف. لم يكن هذا التبادل مجرد خبر مثير، بل تتويج لسنوات من المناورات السرية، والتحقيقات المضنية، والمفاوضات العنيدة؛ ملحمة خفية صاغها دهاء السياسة الدولية ويأس البشر. وراء هذه التبادلات البارزة، برز أبطال مجهولون من الصحافة الاستقصائية والاستخبارات. الصحفيان درو هينشو، جو باركنسون، وحتى جيرشكوفيتش نفسه كشفوا الطبقات المستترة لهذا الفصل الجديد من الحرب الباردة. عملهم فضح كيف نشر المسئولون الروس عملاء متخفين فى عواصم الغرب، وكيف تعقبت وكالات الاستخبارات مثل CIA وMI6 وحلفاؤها تلك الشبكات بدقة حتى نجحوا فى تفكيكها. هذا الصراع فى الظل دفع روسيا فى نهاية المطاف إلى تبنى أسلوب أخذ الرهائن، وهو تكتيك أجبر الولاياتالمتحدة على الدخول فى لعبة تبادل الأسرى القاسية. ◄ اقرأ أيضًا | إيفان يواس: بوتين لا ينوي إنهاء الحرب.. وأوكرانيا خسرت الكثير ◄ المكتب البيضاوي يأخذ الكتاب القراء إلى مراكز القرار العالمية؛ المكتب البيضاوى حيث تصارع الرؤساء مع قرارات خطيرة، الكرملين حيث تحدد حسابات بوتين الاستراتيجية الإيقاع، مقار CIA وMI6 السرية حيث تحاك خطط مضادة، بل وحتى غرف المعيشة والمطابخ حيث خاضت العائلات معارك لإعادة أحبائها. كما يكشف السرد عن وسطاء غير متوقعين؛ أباطرة تقنيين ونجوم هوليوود استخدموا شبكاتهم الخاصة للتوسط وتسهيل صفقات إنقاذ أرواح. هذه الشبكة المتنوعة من اللاعبين تؤكد عالمية الرهانات وتعقيد الفصل بين المأساة الشخصية والاستراتيجية الجيوسياسية. ومن معسكرات السجون القطبية النائية إلى مدارج الطائرات المحصنة فى الشرق الأوسط، يرسم الكتاب لوحة واسعة لهذه الحرب المستترة. كل تبادل أسرى كان بمثابة رقصة لوجستية دقيقة، محاطة بسرية قصوى وتوتر شديد، حيث بدا كل تحرك ومناورة مثل أحجية متشابكة. يفكك الكتاب فنون التجسس وتكاليفها البشرية، كاشفًا الحسابات الخفية للقوة فى عصر رقمى. يتجاوز كتاب المقايضة مجرد تسجيل لتبادلات الأسرى، ليقدم تشخيصًا مروّعًا لديناميات القوة فى القرن الحادى والعشرين. إنه يكشف عالمًا تستعمل فيه الأنظمة الاستبدادية أرواح البشر عملة سياسية، وتجد فيه القوى الكبرى نفسها عالقة فى دورة من الإكراه والتنازل. خرج الكرملين ليس فقط كتهديد استخباراتى متجدد، بل كسيد فى التلاعب النفسى والدبلوماسى، ممسكًا بكل الأوراق فى لعبة البوكر القسرية. ◄ تحديات حديثة كما يسلط الضوء على التحديات الحديثة التى تواجه أجهزة الاستخبارات فى مواجهة أساليب قديمة داخل ساحات جديدة، حيث تتقاطع التكنولوجيا المتقدمة والتواصل العالمى مع صدام القوة العارية. أظهرت جهود ال CIA وMI6 فى مواجهة هذه التهديدات، غالبًا فى الظل وبعيدًا عن الأنظار، طبيعة التجسس المتزايدة التعقيد. كانت حملتهم الصامتة ذات المخاطر العالية تستند إلى الذكاء وإلى التعاطف الإنسانى، مدركة أن وراء كل ملف واجتماع سرى أرواحًا حقيقية معلقة. في النهاية، يعد الكتاب، المقرر نشره خلال الشهر الجارى، قصة إنسانية عميقة مرتبطة بالسرديات الكبرى للتاريخ والصراع الدولى. إنه يستكشف معانى الولاء والتضحية والصمود وسط خلفية جيوسياسية من عدم الثقة والتنافس. عائلات مزقتها المسافات والانقسامات السياسية رفضت الاستسلام لليأس، صحفيون استقصائيون خاطروا بحرياتهم لكشف الحقائق القاسية، وحكومات واجهت حقيقة صارخة: أن الدبلوماسية قد تنقلب فجأة إلى أزمات رهائن. يحمل الكتاب نداءً صارخًا للاعتراف بالكلفة الإنسانية الكامنة وراء المناورات الجيوسياسية، ولإدراك أن فى عصر التجسس الماكر وصراعات القوى غير المتزحزحة، لم تكن الرهانات يومًا أعلى. يترك المقايضة قراءه مع إحساس عميق بهشاشة وتشابك مصائر الأمم والأفراد العالقين فى نيران حرب باردة جديدة غير مرئية.