فى مشهد قد لا يتكرر كثيرًا فى التاريخ السياسى الأمريكى، وبينما كان صحفيو البيت الأبيض يلتقطون أنفاسهم من حرارة الصيف والسياسة المضطربة، رفعوا أبصارهم ليصادفوا مشهدًا غريبًا.. الرئيس دونالد ترامب يتجول على سطح البيت الأبيض. هذا المكان، الذى يُفترض أن يكون أعلى نقطة فى إدارة البلد، كان مسرحًا لجولة استمرت نحو 20 دقيقة، ولم تكن جولة عادية، بل عرضًا رمزيًا وتجسيدًا للارتباك الذى يعيشه الاقتصاد الأمريكى؛ صورة فخمة على السطح، وتداعيات اقتصادية مضطربة فى الشوارع. ◄ يبدأ تشييدها سبتمبر المقبل وتكتمل قبل نهاية ولايته الثانية ◄ خصومه: رمز جديد للبذخ والتفاوت الطبقى فى قلب السياسة الأمريكية ظهر ترامب، لا لمراجعة خطة أمنية أو متابعة إصلاحات عاجلة، بل للإشراف شخصيًا على مشروع تجديدات يصفه بأنه «استثمار شخصى من أجل البلاد». ترامب، الذى اعتاد أن يكون رمزًا للأعمال التجارية الفاخرة، شوهد متوقفًا بالقرب من قاعة «جيمس إس. برادى» للمؤتمرات الصحفية، معلنًا لمن حوله أن زيارته للسطح «نزهة صغيرة» ضمن مشروع تطويره للبيت الأبيض: بناء قاعة احتفالات ضخمة تبلغ تكلفة إنشائها 200 مليون دولار. وأصر فى حديثه للصحفيين قائلًا: «إنها طريقة أخرى لأنفق أموالى من أجل البلاد». ◄ حفلات الكوكتيل ترامب بدا وكأنه ينقل فلسفته العقارية إلى البيت الأبيض، ليحوله إلى مزيج بين مقر الرئاسة ومكان مثالى لاستضافة حفلات الكوكتيل والولائم المبهرة. ووفقًا للموقع الرسمى للبيت الأبيض، فإن القاعة التى أُعلن عنها فى يوليو 2025، من المقرر أن يبدأ بناؤها فى سبتمبر 2025، على أن تكتمل قبل نهاية الولاية الثانية المثيرة للجدل لترامب 2029. وستكون بمثابة مسرح جديد لفعاليات رئيسية تُبنى فى قلب البيت الأبيض، مما جعل البعض يرى أن المقر الرئاسى يتحول شيئًا فشيئًا إلى قلعة شخصية للرئيس. ووفق شبكة «سى إن إن» الأمريكية، تبلغ مساحة القاعة 90 ألف قدم مربع، أى ما يعادل ملعبين لكرة القدم، وهى مساحة تكفى لاستيعاب نحو 650 ضيفًا، فى حين أن القاعة الشرقية الحالية، المستخدمة للاجتماعات الرسمية، لا تتسع سوى لحوالى 200 شخص. كان ترامب يروج للمشروع باعتباره استثمارًا فى مصلحة أمريكا، قائلاً بفخر: «أنا فقط أنفق أموالى من أجل البلاد»، ومؤكدًا أن المشروع سيكون «تحفة معمارية» تعكس قوته وحضوره على الساحة الدولية. لكن وسط الأزمات الاقتصادية التى يعانيها العديد من الأمريكيين، بدا المشروع بعيدًا كل البعد عن أولويات الشعب، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. ◄ متبرعون وطنيون أثار تمويل المشروع جدلًا واسعًا؛ ففى حين أكد ترامب أن معظم التمويل سيكون من ماله الشخصى، كشفت تسريبات أن بعض «المتبرعين الوطنيين» سيسهمون فى التمويل، ما أثار تساؤلات حول تضارب المصالح. فهل سيكون هناك تأثير خارجى على قرارات البيت الأبيض مستقبلًا، أم أن الأمر مجرد مشروع شخصى لا علاقة له بالسياسة؟ تساؤلات حيرت كثيرين، وفق مجلة نيويورك. وخلال ولايته الأولى، حرص ترامب على أن يعكس البيت الأبيض قيمه الشخصية؛ فالرجل المعروف بحبه للديكور المترف لم يتردد فى إضافة لمسات ذهبية وزخارف تذكر بقصوره حول العالم. فقد زُيِّن المكتب البيضاوى بأوانٍ ذهبية ومزهريات منتقاة بعناية وتجهيزات تحمل اسمه، بالإضافة إلى أعلام أمريكية كبيرة فى الحديقة الوردية. كان يعتقد أن هذه المظاهر تعكس القوة والهيبة، فيما كانت المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أزمة تلوح فى الأفق. بدأ بعض المؤرخين وخبراء الحفاظ على التراث يبدون قلقهم من تأثير المشروع على الهيكل التاريخى للبيت الأبيض، خصوصًا الجناح الشرقى الذى يعود تاريخه إلى عام 1902. ويرى كثيرون أن البناء الجديد يهدد هذا التراث، وأن الجدول الزمنى لبنائه متسرع، مما يزيد مخاطر العبث بموقع تاريخى بهذه الأهمية. ◄ أزمات معيشية ومع تصاعد التضخم وارتفاع الأسعار، كانت الأسر الأمريكية تواجه أزمات معيشية متزايدة، مما جعل منتقدى المشروع يعتبرونه دليلاً على غياب الأولويات. ففى وقت كانت فيه أسعار الوقود والمواد الغذائية ترتفع باستمرار، ويكافح ملايين الأمريكيين لتأمين احتياجاتهم الأساسية، كان من الصعب تبرير مشروع قاعة احتفالات بهذا الحجم. حتى خصوم ترامب السياسيون وجدوا فى الأمر مادة دسمة للانتقاد، قائلين إن «الرئيس الذى يرفع شعار أمريكا أولًا، يضع قاعة الاحتفالات أولًا». كان ترامب يشير بفخر إلى المشروع باعتباره جزءًا من إرثه الرئاسى، مؤكدًا للصحفيين: «كل ما أفعله هنا بتمويلى الخاص»، نافيًا تلقى أموال من جهات خارجية. لكن هذه التصريحات لم تُبدد الشكوك، خصوصًا فى ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التى يعيشها كثير من الأمريكيين. فقاعة بهذه المواصفات الفاخرة بدت للكثيرين تذكيرًا صارخًا بالفجوة الطبقية فى المجتمع الأمريكى. بالنسبة للبعض، لم تكن القاعة مجرد مكان للاحتفالات الرسمية، بل رمزًا جديدًا للبذخ المفرط والتفاوت الاجتماعي. وبينما كانت العواصف الاقتصادية تضرب العديد من الأسر، واصل ترامب بناء ما يصفه منتقدوه ب»إمبراطوريته الخاصة» فى قلب البيت الأبيض. ◄ الفخامة والفاعلية وربما أراد ترامب إيصال رسالة مفادها أن الرئاسة يمكن أن تجمع بين الفخامة والفاعلية، لكن الواقع الاقتصادى يثبت أن الفخامة لا تدفع أقساط المنازل، وأن الأسطح اللامعة لا تحجب ظل التضخم. وفى النهاية، قد يتذكر الأمريكيون هذه اللحظة ليس فقط كمشهد معمارى، بل كرمز لفترة سياسية امتزج فيها البريق بالمفارقة، والسطح بالواقع، والاحتفال بالأزمة.