انتهت أمس الجمعة (8 أغسطس)، المهلة التى منحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لنظيره الروسى فلاديمير بوتين للموافقة على إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة فى أوكرانيا، وهى الأكثر دموية فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وإلا سيفرض عقوبات جديدة ضد موسكو والدول التى تشترى صادراتها. وبعد أن منح ترامب روسيا فى البداية فترة 50 يومًا للتوصل إلى اتفاق هدنة مع أوكرانيا فى يوليو الماضي، عاد وقلص هذا الإطار الزمنى إلى 8 أغسطس، مشيرًا إلى إحباطه من عدم استعداد نظيره الروسى للتعاون. اقر أ أيضًا | واشنطن تحتضن قمة سلام تاريخية بين أذربيجان وأرمينيا برعاية ترامب يأتى الاجتماع أيضًا بعد يوم واحد فقط من إجراء ترامب مكالمة مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، والتى وصفها الزعيم الأوكرانى بأنها مثمرة. لكن وقبل انتهاء المهلة بساعات، حدث اختراق دبلوماسى أزاح الكرملين الستار عنه بالإعلان عن لقاء يجمع الرئيسين بوتين وترامب خلال أيام. والاتفاق على لقاء القمة المرتقب جرى بعد يوم واحد من إجراء مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، محادثات مع بوتين استمرت ثلاث ساعات فى موسكو. ولم تعقد أى قمة بين رئيسى الولاياتالمتحدةوروسيا منذ لقاء بوتين وجو بايدن فى جنيف خلال يونيو 2021. ويعلق ميكولا بيليسكوف من المعهد الوطنى للدراسات الاستراتيجية فى كييف على لقاء القمة بقوله إن منح بوتين فرصة عقد قمة مع ترامب يعتبر مكافأة له دون مقابل، مشيرًا إلى أن هذا يعطى روسيا انطباعًا بالخروج من العزلة والتحدث على قدم المساواة. أما المدون العسكرى الموالى للكرملين يورى بودولياكا فاعتبر بعد اجتماع بوتين وويتكوف أن الرئيس الروسى لعب «لعبة دبلوماسية بارعة». وكتب على مدونته: «يبدو أن فلاديمير بوتين نجح فى جر ترامب إلى لعبة المفاوضات الدوارة». وعلى رغم التصريحات المتتالية للجانب الأوكرانى المطالبة بلقاء مباشر بين بوتين ونظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، إلا أن يورى أوشاكوف مساعد الرئيس الروسى قال إن ويتكوف طرح إمكانية عقد لقاء ثلاثى بين ترامب وبوتين وزيلينسكي، لكن موسكو تركت هذا الاقتراح دون أى تعليق. وردا على سؤال حول إمكانية لقاء زيلينسكي، قال بوتين إنه مستعد من حيث المبدأ، لكن شروط اللقاء وجها لوجه مع الرئيس الأوكرانى لم تتحقق بعد. أما ترامب فقال صراحة إن الاجتماع مع بوتين ليس مشروطًا بموافقة الرئيس الروسى على لقاء زيلينسكي. كانت هذه التحركات المختلفة لضمان اللقاء المباشر، لكن ماذا عن السيناريوهات المتوقعة فى هذا الصدد؟. أحد السيناريوهات المطروحة بقوة هى الدبلوماسية الخشنة والتى يرى فيها أندريه غوروليوف، عضو البرلمان الروسى وقائد الجيش السابق، رفض تهديد ترامب مباشرة باعتباره حلقةً أخرى فى سلسلة طويلة من الإنذارات الفاشلة، بحسب صحيفة واشنطن بوست. وسبق ذلك صدام على مستوى أعلى، إذ كتب الرئيس الروسى السابق ديمترى ميدفيديف، وعضو مجلس الأمن الروسى حاليًا على منصة إكس: «ترامب يلعب لعبة الإنذار مع روسيا: 50 يومًا أو 10 أيام... عليه أن يتذكر شيئين. أولا روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران. وثانيًا كل إنذار جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسياوأوكرانيا، بل مع بلده. لا تتبعوا نهج جو النعسان». وعلى الرغم من استعداده المعلن للتفاوض، فإن سلوك بوتين وخطاباته وأفعاله تشير إلى لعبة أكثر تعقيدًا، حيث لا يرغب الكرملين فى إنهاء الحرب إطلاقًا، مع إدراك أن البيت الأبيض سيفقد اهتمامه فى نهاية المطاف بالحرب الروسية الأوكرانية بسبب عدم إحراز تقدم فى عملية السلام، وسينتقل تدريجيًا إلى قضايا أخرى. لكن فى الوقت نفسه فإن هذا السيناريو، يتجاهل مدى قدرة روسيا على مواصلة القتال والمخاطر الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، ومخاطر التعبئة التى تتزايد مع طول أمد الحرب، بحسب صحيفة «آر بى سي- أوكرانيا». أما السيناريو الثانى فيتبنى موافقة بوتين، تحت ضغوط الغرب، على هدنة مؤقتة فقط، لكنه سيستخدمها فقط للتحضير للهجوم القادم وتخفيف ضغط العقوبات. ويكمن القلق الأوكرانى من هذا السيناريو فى أن يظن الغرب أن هذا بداية لتهدئة التوتر، مما يضعف دعمه لكييف. مع ذلك، قد تستغل كييف أيضًا هذا التوقف المؤقت من خلال تسريع الغرب مساعداته الدفاعية ويرد بقسوة أكبر فى حال انتهاك روسيا لوقف إطلاق النار. وضمن هذا السيناريو تقول صحيفة نيويورك بوست إن بوتين يدرس وقف الهجمات الجوية على أوكرانيا لتهدئة ترامب، حيث رفض الكرملين مرارًا محاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل مع أوكرانيا، لكنه منفتح على هدنة جوية إذا وافقت عليها كييف أيضًا. وفكرة الهدنة هذه جرى تداولها بالتزامن مع لقاء بوتين وويتكوف فى موسكو يوم الأربعاء الماضي، لكن ومع ذلك ليس من الواضح مدى جدية تلك الهدنة الجوية المحتملة. ومع ذلك، فإن وقف هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ سيمنح روسيا وقتًا لإعادة بناء دفاعاتها الجوية، وربما يؤجل الإجراءات العقابية التى قد يتخذها ترامب. ويفترض سيناريو ثالث أن بوتين مستعد لإنهاء الحرب، ومع ذلك، فهو الآن يضع عمدًا شروطًا قصوى مُسبقًا للمساومة على أمور أخرى كسحب أوكرانيا قوات من مناطق على الحدود الروسية. ويتماشى هذا السيناريو مع ما يعرف بدبلوماسية الكرملين التقليدية عبر تقديم أقصى المطالب أولا، ثم تحقيق نصفها من خلال الحصول على تنازلات. وما بين هذا وذاك، يبدو أن سيناريو رابعًا هو الأرجح، حيث لا يزال بوتين مستعدًا لإنهاء الحرب بناءً على مطالبه فقط، وهو ما يصرح به الآن. ولأنه يدرك أن أوكرانيا لن توافق عليها الآن، فهو يريد تقريب هذه الشروط إلى خط المواجهة قدر الإمكان من خلال مواصلة الحملة الهجومية خلال الصيف. فى الوقت نفسه، من شأن هذا أن يرهق الجيش الأوكرانى والمدنيين، ويجعلهم أكثر خضوعًا لمطالب موسكو.