سألت البرتغالى مانويل جوزيه ذات مرة عما ينقصنا لمواجهة الأندية الأوروبية، فقال صاحب التجربة القياسية مع الأهلى : «فقط الثقة بالنفس . أنتم تشعرون بالنقص عند مواجهة الفرق الأوروبية « هذه الحقيقة تطهر جلية فى كل مناسبة كروية عالمية ، والغريب أننا نتعامل إعلاميا بما يرسخ ويعزز هذه العقدة والشعور بالنقص والدونية ولا أود القول بالانسحاق ، لدرجة التهويل من حجم الفوارق والأسماء والقيم السوقية ، وإذا ما أردنا القول بغير ذلك نعزف على وتر المصريين أهمه .. وسبعة آلاف سنة حضارة!! التأهيل الذهنى يصنع الفارق وبناء شخصية لاعبينا وتغيير مفاهيمهم وتمتين جدار الثقة بالنفس تحتاج لعمل جاد ومطول ومسئول لتفادى الهزة العنيفة التى تحدث للاعبينا عند الشعور بالصدمة الحضارية وقت منازلة الفرق العالمية .. إهدار لاعبى الأهلى للفرص السهلة فى مواجهة ميسى وزملائه ليس إلا نتاج هذه الحالة الذهنية .. «مش مصدقين نفسهم « !! وإذا ما نظرنا للزلزال الحقيقي الذى أحدثه الهلال السعودى الشقيق فى مونديال أمريكا والذى بلغ قمة هزته بالإطاحة بفريق مانشستر سيتى والصعود لربع النهائى استمرارا لأداء مدهش للزعيم كان قد أحرج به مدريد العتيد فى بداية مشوار استعد له فريق الهلال جيدا ، لأدركنا قيمة العامل الذهنى فى مثل هذه المواجهات . سيمونى انزاجى المدير الفنى للهلال اختصر سبب تفوقه على جوارديولا ونجومه الذين تزيد قيمتهم السوقية عن المليار وربع المليار يورو بقوله : «كنا نشعر بتسلق جبال إيفرست دون أوكسجين لكن لاعبينا وضعوا قلبهم وروحهم فى الملعب» . يا قاتل .. يا مقتول !! والغريب أننا حتى فى ظل نشوتنا بالزعيم وفرحتنا بالهلال وإطاحته بالفريق العتيد ، لم ننس عاهاتنا النفسية .. فمن مقارن بين إنجاز الهلال وما حققه الأهلى من خروج مبكر تلقيحا على بطل إفريقيا وتلميحا لسوء نظامنا الكروى ، إلى قائل بأن تجربة الهلال هذه نتاج عملية شراء وجذب لأغلى لاعبى ومدربى العالم .. ويقولك شوف كام واحد سعودى فى الفريق .. يادوب اتنين تلاتة ..! وبالمنطق والموضوعية بمكن فض الاشتباك بين هذا وذاك ..فالمقارنة بين تجربة الهلال مع الأهلى المصرى والوداد المغربي والترجي التونسي ممثلى عرب أفريقيا فى المونديال هى مقارنة ظالمة ، فالهلال صاحب مليون يورو قيمته السوقية التى تزيد عن أربعة أضعاف قيمة الأهلى وربما عشرة أضعاف وزيادة عن قيمة الترجى ؛ تمكن بقدراته المالية الهائلة من تكوين فريق قوى بث فيه روح القتال والجدية وسقف الطموح العالى ووقر لهم مدربا نزيد قيمة راتبه السنوية عن 26 مليون يورو ( راتب مدرب الأهلى لا تزيد عن مليون دولار واحد فقط فى السنة ).. ولكن ليس بالمال وحده تبنى الفرق وتتحقق الانتصارات .. وعندك العين الإماراتى شديد الثراء والقدرة المالية لكنه تلقى أعلى الهزائم فى مجموعته بذات البطولة . لا تبخسوا الناس أشياءهم.. المهم مع توافر القدرة المالية ضرورة الاختيار الجيد للعناصر وحسن الادارة والتنظيم والتدريب والتجهيز البدنى والمعنوى خاصة مع تنوع الثقافات داخل الفريق الواحد ..الاحتراف مش بس فلوس ! وإذا كانت مقارنة الهلال بواقع وحال فرقتا نحن ظالمة وغير موضوعية لاختلاف القدرات والظروف ، إذ أن الزعيم هو بين أندية السعودية الأربعة الكبيرة وهى الاتحاد والنصر وأهلى جدة التى تحظى برعاية الصندوق الخاص والاستثمارى بالمملكة ضمن مشروع عام وطموح ، فإن الدفع بمقولة أن فريق الهلال ليس إلا مجموعة لاعبين أجانب جابوهم بالفلوس ولذلك تفوقوا على المان سيتى وغيره ، هو دفع خاطئ وليس أدل على ذلك من أن مانشستر سيتى نفسه يضم 24 لاعبا أجنبيا أى من خارج انجلترا مقابل عشرة أجانب فقط فى فريق الهلال ، فهل عندما يتيح الاحتراف للفرق الأوروبية، بل وحتى منتخبات هذه الدول البيضاء ، بالاستمتاع بمواهب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وكل بقاع الأرض تحت دعوى تنمية القدرات والتجنيس والرعاية وغيرها وبناء مجدهم بهذه المواهب ، يصبح هذا مباحا ومتاحا لهم لكن وعندما يستخدم فريق مثل الهلال قدراته فى بناء فريقه على ذات النظام الاحترافي العالمى تصبح تجربته مستوردة ؟! الهلال فاز وتأهل وفرح لأنه عندما توافرت له القدرة المالية الهائلة أحسن توظيفها وإدارتها احترافيا ودخل فى حالة بمكن أن تدفع به مزيدا للأمام .. ويستحق كل التحايا والتهنئة وفرحة العرب جميعهم بإنجازه وحضوره القوى .. وتسلق الجبال دون أوكسجين ! ولمزيد من الموضوعية نقول إنه ليس معنى فوز الهلال على مانشستر سيتى فى مباراة أنه بات أفصل أو أقوى منه ، هذه مجرد مباراة يتفوق فيها من يبذل تركيزا وجهدا أفضل ومن يستغل السوانح .. وليست شهادة مطلقة . مجرد مباراة ولكن التميز فيها يمكن البناء عليه والانطلاق من عنده للمزيد .. مونديال الأندية فرصة لإحداث نقلة نوعية فى صناعة الكرة المصرية والعربية . للجادين فقط !