تشهد القارة الأوروبية موجة حر استثنائية وخطيرة تعتبر الأشد منذ عقود، إذ سجلت درجات حرارة قياسية تجاوزت 46 درجة مئوية في عدة دول، وأدت إلى وفاة عدة أشخاص، وأجبرت الحكومات على اتخاذ إجراءات طارئة شملت حظر العمل في الهواء الطلق وإغلاق المدارس والمعالم السياحية لحماية المواطنين من الحر القاتل. أرقام قياسية جديدة تحطم كل التوقعات كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية أن إنجلترا شهدت أحر أيام 2025 بتسجيل 33.6 درجة مئوية في منطقة فريتندين بمقاطعة كنت، بينما توقع مكتب الأرصاد الجوية البريطاني وصول درجات الحرارة في لندن إلى 35 درجة مئوية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الموجة الحارة تأتي للمرة الثانية خلال شهر واحد في المملكة المتحدة، مع بداية أحر انطلاق لبطولة ويمبلدون للتنس في التاريخ. وفي إسبانيا، سجلت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية "إيميت" رقماً قياسياً جديداً بلغ 46 درجة مئوية في مقاطعة هويلفا بالأندلس، وهي أعلى درجة حرارة تُسجل في البلاد خلال شهر يونيو على الإطلاق، حيث أعلنت الوكالة أن "يونيو 2025 حطم الأرقام القياسية" بمتوسط درجة حرارة بلغ 23.6 درجة مئوية، أي بزيادة 0.8 درجة عن الرقم السابق في 2017. كما حطمت البرتغال رقمها القياسي لشهر يونيو، إذ وصلت درجات الحرارة إلى 46.6 درجة مئوية في بلدة مورا بمنطقة إيفورا، وفقاً للمعهد البرتغالي للبحار والغلاف الجوي. بينما سجلت مدن أوروبية أخرى درجات حرارة عالية شملت أثينا وروما ومدريد (37 درجة مئوية)، وبروكسل وفرانكفورت (36 درجة مئوية)، وتيرانا (35 درجة مئوية). ضحايا وأضرار صحية متزايدة أدت موجة الحر الشديدة إلى وفيات عديدة، حيث نقلت "ذا جارديان" عن السلطات المحلية وفاة طفل صغير يُعتقد أنه توفي بضربة شمس داخل سيارة في مقاطعة تاراجونا بكتالونيا يوم الثلاثاء. كما توفيت امرأة تبلغ 53 عاماً في باليرمو بصقلية في إيطاليا بعد إغمائها أثناء المشي في الشارع، وكانت تعاني من مشاكل في القلب. وغرق رجل يبلغ 70 عاماً في منتجع سياحي قرب تورين عندما تحول الحر الشديد إلى عواصف وفيضانات مفاجئة. وشهدت المستشفيات الإيطالية ارتفاعاً مقلقاً في حالات الطوارئ بنسبة 15-20% خلال الأيام الأخيرة، حيث كان معظم المرضى من كبار السن المصابين بالجفاف، وفق ما ذكرته الصحيفة البريطانية. إجراءات حكومية عاجلة لحماية العمال والطلاب اتخذت 13 منطقة إيطالية إجراءات صارمة بمنع العمل في الهواء الطلق خلال أشد ساعات النهار حرارة، من الساعة 12:30 ظهراً حتى 4:00 عصراً، شملت مناطق صناعية مهمة مثل لومبارديا وإميليا-رومانيا، وامتدت من ليجوريا شمال غرب إلى كالابريا وصقلية في الجنوب. جاء هذا القرار بعد وفاة، عامل بناء بالغ من العمر 47 عاماً، انهار وتوفي أثناء عمله في موقع بناء قرب بولونيا، وأصيب عاملان آخران يوم الثلاثاء في موقع بناء قرب فيتشنزا في فينيتو، أحدهما في غيبوبة، حسب التقارير المحلية. وفي فرنسا، أجبرت درجات الحرارة التي وصلت إلى 38 درجة مئوية في باريس السلطات على إغلاق أكثر من 1896 مدرسة جزئياً أو كلياً يوم الثلاثاء. ونصحت السلطات الباريسية الآباء بإبقاء أطفالهم في المنازل يومي الثلاثاء والأربعاء، بينما أغلقت مدن أخرى مثل تروا وميلون جميع مدارسها، وأعلن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو أن وزارة التعليم ستفتح محادثات مع رؤساء البلديات حول تكييف المباني المدرسية سيئة العزل الحراري. إغلاق المعالم السياحية وتعطل النقل أثرت موجة الحر على القطاع السياحي، إذ أُغلقت قمة برج إيفل في باريس أمام الزوار، وأغلق نصب أتوميوم الشهير في بروكسل مبكراً بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى 37 درجة مئوية. وأعلنت شركة السكك الحديدية الفرنسية SNCF تعليق سفر القطارات بين فرنساوإيطاليا "لعدة أيام على الأقل" بعد العواصف العنيفة يوم الاثنين، حسب وكالة فرانس برس. كما انقطعت مدينة كونيي في وادي أوستا الإيطالي، التي عانت من فيضانات شديدة في يونيو الماضي، بسبب انزلاق أرضي. حلول إبداعية ومبادرات إنسانية لمواجهة الأزمة تبنت الدول الأوروبية حلولاً إبداعية لمساعدة مواطنيها، حيث تقدم فينيسيا جولات مجانية في المتاحف والمباني العامة المكيفة للأشخاص فوق 75 عاماً، بينما تفتح روما حمامات السباحة العامة مجاناً لمن تجاوز 70 عاماً، وفق تقرير وكالة فرانس برس. وفي هولندا، اعتمدت مدارس روتردام وإقليم برابانت الغربي "جداول استوائية" بساعات دراسية مقلصة من الثامنة صباحاً حتى الظهر مع فترات راحة إضافية للشرب. بينما تقدم النمسا 23 "واحة مناخية" مكيفة تضم وجبات خفيفة ومشروبات للمحتاجين برعاية جمعية كاريتاس الخيرية الكاثوليكية، التي توفر أيضاً حافلات طبية متنقلة مع أطباء متطوعين. كما جعلت مدن فرنسية مثل أورليان وماريسيليا دخول المتاحف وحمامات السباحة العامة مجاناً خلال فترة موجة الحر، بينما حذرت الجماعات الصناعية الألمانية من عدم استعداد المدارس ودور رعاية المسنين والمستشفيات لمواجهة موجة الحر المتوقع وصولها لألمانيا بدرجات حرارة تقارب 40 درجة مئوية.