محمد إسماعيل في زمن كانت فيه الكلمة تسبق اللحن، وكانت الأغنية تولد من رحم الشعر قبل أن تلبس ثوب الموسيقى، بزغ نجم شاعر استطاع أن يمنح الكلمة قلبا نابضا، وأن يترجم المشاعر إلى حروف لا تنسى.. إنه محمد حمزة أحد أبرز رموز الشعر الغنائي في العالم العربي وصاحب البصمة الواضحة في ذاكرة الطرب الأصيل، لم يكن مجرد شاعر تقليدي فى ذكرى ميلاده ووفاته حيث ولد فى 20 يونيو 1940 وتوفى فى 18 يونيو 2010، النجوم تستعرض أبرز وأهم محطات الشاعر القدير كما نلقى الضوء على العديد من نقاط القوة فى خصائص وسمات مدرسته الشعرية الفريدة ، بل كان صانع إحساس ومرآة حقيقية لوجدان الناس من خلال أكثر من 1200 أغنية قدم محمد حمزة للعالم العربي تراثا شعريا وموسيقيا يصعب تجاوزه وترك إرثا ما زالت الأجيال تتغنى به حتى اليوم. تعاون محمد حمزة مع نخبة من كبار المطربين والمطربات الذين شكلوا وجدان الجماهير وعلى رأسهم "العندليب الأسمر"، عبد الحليم حافظ، الذي كتب له روائع خالدة مثل "زي الهوى، موعود، سواح، خلي السلاح صاحي"، كما كان صوته الشعري رفيقا لصوت وردة الجزائرية في أغنيات مثل "حكايتي مع الزمان" و"أنا عندي حنين"، وامتدت كلماته لتطوق إحساس نجاة الصغيرة في "طبع الزمن"، وتلامس شجن فايزة أحمد في "على عيني". ولم يغب حمزة عن جيل الشباب، بل أثبت قدرته على التجدد، حين كتب للفنان عمرو دياب مجموعة من أبرز أغانيه في بداياته، منها "زي ما هي حبها" و"يا عمرنا"، مؤكدا أنه شاعر قادر على مخاطبة كل الأجيال.. نغوص في السطور التالية في سيرة هذا الشاعر الكبير، ونستعرض أبرز محطاته الفنية ونتوقف عند ثنائياته الخالدة مع عمالقة الغناء، ونرصد أثره العميق في الأغنية العاطفية والوطنية على حد سواء، لنكشف كيف ساهم حمزة في تشكيل ملامح الأغنية العربية في عصرها الذهبي، وما بعده.. يقول الموسيقار منير الوسيمي عن محمد حمزة: "أهم ما يميز الراحل محمد حمزة، قدرته الفريدة على التعبير عن المشاعر الإنسانية بكلمات بسيطة وعذبة تدخل القلب دون استئذان.. كانت كلماته تمتاز بالسهولة والامتناع، أي أنها تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تحمل معاني عميقة وصورا شعرية بليغة، وهذا هو سر نجاحه وتأثيره في المتلقي". ويضيف الوسيمي موضحا: "حمزة يمتلك تاريخا فنيا طويلا ومضيئا فهو واحد من أعمدة الأغنية العربية الحديثة، وقد تعاون مع كبار المطربين والمطربات في الوطن العربي، وفي مقدمتهم (العندليب الأسمر) عبد الحليم حافظ، الذي غنى له عددا كبيرا من أشهر أغانيه، ويعتبر تعاونهما معا علامة فارقة في تاريخ الطرب العربي، حيث أنتجت هذه الشراكة الفنية أغنيات خالدة مثل (سواح، زي الهوا، موعود، على حسب وداد قلبي)، كما كتب لعدد كبير من النجوم مثل وردة الجزائرية وميادة الحناوي ونجاة الصغيرة وشادية ومحرم فؤاد.. ما يدل على تنوعه وقدرته على مخاطبة مختلف الأصوات والأنماط الغنائية". أما الشاعر والكاتب الغنائي عوض بدوي، فقد قال في شهادته عنه: "لا شك أن حمزة يعد من أعظم شعراء الأغنية في جيله، بل ويمكن القول إنه من القامات الشعرية التي أسهمت بشكل كبير في رسم ملامح الأغنية العاطفية خلال العقود الماضية، وكان يتمتع بحس فني راق وقدرة مدهشة على تحويل المشاعر المعقدة إلى كلمات بسيطة وسلسة تصل بسهولة إلى قلوب الناس". ويضيف بدوي متحدثا عن العلاقة الشخصية التي جمعته بحمزة: "على المستوى الإنساني كان حمزة شخصا رائعا بكل ما تحمله الكلمة من معنى وكان صديقا مقربا لي جمعتنا سنوات من الصداقة والمودة، وكنا نلتقي بإستمرار في النادي (الأهلي) الذي كان يمثل لنا أكثر من مجرد ناد رياضي، بل كان مساحة للقاء والتواصل بين المبدعين.. في تلك اللقاءات، تبادلنا الكثير من الحوارات الثقافية والفنية وكان دائما يحمل روحا طيبة وابتسامة لا تفارقه واتذكر بداية علاقاتنا، بدأت عندما تقابلنا وقمت بالترحيب به، إلا أنه قابلني بفتور معتقدا أنني شخصا آخر قال عنه معلومات غير صحيحة في أحد اللقاءات الصحفية، ولكن مع مرور الوقت تفهم الخطأ وقام بمصالحتي لتتوطد صداقتنا لسنوات طويلة". ويختتم بدوي حديثه قائلا: "محمد حمزة لم يكن مجرد شاعر يكتب الأغنية بل كان فنانا حقيقيا عاشقا للفن وللجمال وكانت كلماته تعبر عن روح زمن الطرب الجميل سيظل اسمه محفورا في ذاكرة الفن العربي وستبقى أعماله شاهدة على موهبته الفذة وصدق أحاسيسه". اقرأ أيضا: حكاية المؤلف الذي اكتشفه عبد الحليم حافظ أما الناقد عبد الرحمن طاحون، فيعرب عن تقديره الكبير لمسيرة الشاعر محمد حمزة ويؤكد أن مكانته في تاريخ الشعر الغنائي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها قائلا: "محمد حمزة يعد من أبسط وأفضل من قدموا الشعر الغنائي في الوطن العربي فهو شاعر يمتلك موهبة فطرية وقدرة استثنائية على التعبير عن المشاعر الإنسانية بكلمات رقيقة وسلسة تصل بسهولة إلى قلب المستمع". ويضيف طاحون موضحا أن بساطة أسلوب حمزة لم تكن سطحية بل كانت عمقا مقنعا فكل بيت من أبياته كان يحمل في طياته عاطفة صادقة ومعاني نابضة بالحياة، ولذلك استطاع أن يخلق حالة وجدانية خاصة في كل أغنية كتبها. كما يشير إلى أن حمزة كان يجيد انتقاء مفرداته بدقة شديدة، وكان لديه حس موسيقي نادر جعله يتناغم بسهولة مع ألحان كبار الملحنين الأمر الذي أسهم في نجاح الأغاني التي كتبها وتحقيقها لانتشار واسع وشعبية كبيرة". ويختتم طاحون حديثه بالقول إن حمزة لم يكن مجرد شاعر يكتب كلمات بل كان صانعا حقيقيا للحالة الغنائية وواحدا من أبرز من تركوا بصمة لا تنسى في تاريخ الفن العربي الحديث.