فى زمن بات فيه البخل يقدم أحيانا تحت مسمى الحرص ووسط ثقافة تعتبر تحمل المرأة واجبًا مقدمًا من أجل الاطفال» تتكرر مآسي مشابهة لكن لاتتمكن كل امرأة من التعبير عنها، البخل لايقتصر على المال فقط بل يمتد أحيانا إلى المشاعر الانسانية وفى روح المشاركة حين تضطر امرأة لأن تخوض معركة من أجل شراء فرشاة رسم أو تحاسب على ثمن قطعة شوكولاته لطفلها، فالمشكلة لا تكمن فى ضيق اليد بل فى ضيق المفاهيم، فالزواج شراكة وليست إدارة حسابات دقيقة . في هذه القضية التي شهدتها محكمة الأسرة لم يكن العنف أو الخيانة سببًا فى الطلاق، بل البخل الشديد الذي طغى على تفاصيل حياة الزوجين اليومية؛ حيث وجدت ريهام نفسها تقاوم زواجا بلا ألوان قررت أن تضع له نهاية، ريهام فنانة تشكيلية شهيرة تزوجت من هشام الذي يعمل فى إحدى الشركات الشهيرة للزيوت، مقتدر ماديًا، شاب يمتلك كل المواصفات تقريبًا التي تحلم بها أي فتاة لكنه يفتقد لأهم شىء فى بناء الحياة الزوجية؛ السر الذى اكتشفته الزوجة بعد فوات الآوان، فماذا قالت لنا ريهام؟! العذاب ألوان «كنت برسم علشان أهرب من الواقع، لكن الواقع كان يطاردني حتى جوه لوحاتي»، هكذا بدأت الفنانة التشكيلية حكايتها مع زواج تحول من حلم بسيط إلى كابوس بارد، لم تكن الزوجة تتخيل أن البخل ممكن أن يقتل الروح قبل مايقتل الحب، زوجها حول كل لحظة بينهما لحسابات وأرقام حتى الفرشاة كانت غالية عليه، سنوات قضتها تحارب من أجل شغفها وفى النهاية اختارت الطلاق ليس فقط من أجل أن تعيش فى راحة وسلام نفسي لكن أيضا من أجل أن تبقى فنانة حرة وليست امرأة مكسورة. تحدثنا مع الزوجة ريهام التي حكت مأساتها الزوجية بصوت حزين حيث قالت فى البداية: « أنا فنانة تشكيلية بحب الالوان والحرية، تعودت أخلق من الفراغ حياة ومن نقطة الحبر قصة، لكن مع زوجي تحولت حياتي كلها لجحيم لايطاق، تعرفت عليه فى إحدى المناسبات العائلية وبعد تبادل أطراف الحديث سويًا شعرت بانجذاب نحوه وشيئا فشيئا تحول شعور الإعجاب الى مشاعر حب أو كما خيل لي أنه حب، لانه كان دائما يظهر لي أنه شخصا متحضرا عاقلا يفكر فى المستقبل دائمًا، لكن الحقيقة التي اكتشفتها بعد فوات الآوان أنه بخيل ليس فقط ماديًا لكنه بخيلا فى الكلمة الحلوة، فى الاهتمام فى كل شىء حرفيًا». فى بداية الزواج كان دائما يحاول إخفاء طبعه الذميم لكن الطبع غلاب؛ مرت سنوات من الزواج لاتخلو أبدا من المشكلات الاسرية والمشاحنات والمشاجرات التي قد تصل فى بعض الاحيان للضرب وفى كل مرة أذهب غاضبة لبيت أبي وكان يأتي ويقدم لي الوعود الكاذبة بأنه سوف يصلح من نفسه ويغير من طبعه وبمجرد أن أعود للبيت وبعد فترة قصيرة «تعود ريما لعادتها القديمة» وبقى الوضع المأساوي لسنوات طويلة أنجبت خلالها طفلنا الوحيد الذي من أجله تحملت العديد من الصعوبات وضغطت على روحي وحياتي من أجله حتى لايتعرض للضياع والتشتت بين أبوين منفصلين، وأمام هذه التضحيات كان الامر يزداد سوءًا معه حيث فرض الكثير من القيود غير المبررة وصلت الى حد المطالبة بسداد ثمن الكمية المستهلكة من الحليب حيث يخصص الكم اليومي بعلامة معينة واذا نقص عن الحد الذي وضعه يخصمه فورا من مصروف البيت، لم ينته الامر عند هذا الحد بل وصل إلى حد أنه لايسمح لي بركوب سيارته إلا بالدفع مقدمًا مقابل ثمن الوقود، كنت كل يوم أستيقظ على قلق وأنام على قهر حتى أدوات الرسم الخاصة بي التي هى أساس عملي كانت من وجهة نظره «ترف»، حاولت الصمود كثيرا والتحمل من أجل بيتي لكنني أشعر فى كل مرة بالاختناق حتى الرسم كنت بشتغله فى السر وبداري الفرش وأدوات شغلي فى ملابسي حتى لايراها، أصبحت أمشي على أطراف أصابعي فى بيت المفروض يكون بيتي وأماني لكن تحول لسجن كل شبر فيه عليه كاميرا من عينيه، الحياة أصبحت عبئًا لا خروج لا فسح حتى ابني كنت أشتري له لبس العيد من فلوسي أنا، وعندما أقول له « نفسي أخرج كان يرد علي» عندك فرشتك وألوانك اخرجي فى خيالك»! اقرأ أيضا: بعد سنوات من العشرة.. زوج يورّث ثروته لكلبيه ويحرم زوجته كل مرة كنت أحاول أكلمه يرد بالعند، قولت له «نفسي نعيش مثل باقي الناس» يردويقول: «باقي الناس دي مديونة.. وأنا مش هخرب بيتي علشان شوية دلع»، الغريب أنه ليس فقيرًا بل مقتدر ماديًا لكنه يرى أن الإنفاق حرام وجريمة . ذات يوم وأنا برتب أدوات الرسم الخاصة بي دخل وشاهد الادوات الجديدة التي قمت بشرائها، أمسكهم وكأنه يضبط أدوات جريمة وقال لي بالحراف الواحد: «فلوسي بتترمي فى الهوا»! وعند هذه اللحظة تحديدًا أدركت أن لا أمل فيه وأيقنت أنني لا أستطيع تربية ابني الوحيد فى بيت فيه البخل كأنه قانون وفيه الحب محرم . وبرغم المحاولات المستمرة من طرفي لإنقاذ هذا الزواج حفاظًا على بيتي وابني إلا أن الضغط النفسي والمعنوي كان أقوى، لذلك قررت طلب الطلاق ليس فقط من أجل الهروب لكن حتى أستطيع إنقاذ ما تبقى مني، وأنا أعلم جيدا أن الطريق ليس سهلا خاصة بوجود طفل يحتاج لرعاية واستقرار لكنني قررت أن أبدأ من جديد. نوع من الضرر تواصلنا مع نهى الجندي المحامية المتخصصة فى شئون الاسرة، سألتها: هل البخل وحده يعتبر سببًا قويًا في طلب الطلاق؟ أجابت قائلة: «البخل المفرط إذا وصل لدرجة إهدار كرامة الزوجة أو أثر على الحياة المعيشية بشكل سلبي، ممكن بالطبع يعتبر صورة من صور الضرر وهذا من أحد أسباب الطلاق حسب القانون، والزوجة فى هذه الحالة عليها تحديدا أن تثبت البخل ليس فقط مجرد حرص لكن وصل لدرجة الامتناع عن الإنفاق أو الإذلال أو التسبب فى أذى نفسي مستمر، لذلك أقمت للزوجة هنا دعوى نفقة للصغير واستندت لشهادة الجيران وأقاربها وقدمت صورًا لمصروفات البيت المحدودة للغاية وأيضا رسائل بينهما توضح تحكمه الشديد حتى فى شراء مستلزمات الطفل الأساسية، وبعد أن باءت جميع محاولات الصلح بالفشل من جانب الأهل والأقارب وبرغم مطالبات الزوجة المتكررة بتحسين نمط المعيشة، لجأت الزوجة لطلب الطلاق أمام المأذون وبعد ذلك لجأت للمحكمة للحصول على نفقتها الخاصة ونفقة ابنها من الزوج الذي فاق بخله كل الحدود.